أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن أسفه الجمعة، لأن كييف “تُركت وحدها” في مواجهة الجيش الروسي الذي بدأ الخميس، غزو بلاده، مؤكدا أنه لن يغادر العاصمة.
وقال زيلينسكي في خطاب عبر الفيديو نُشر على حساب الرئاسة الأوكرانية “لقد تُركنا وحدنا للدفاع عن بلدنا، مضيفا “مَن هو مستعدّ للقتال معنا؟ لا أرى أحدا”.
وشدد الرئيس الأوكراني على أنه سيبقى في العاصمة. وقال “سأبقى في العاصمة. عائلتي أيضا في أوكرانيا. وبحسب المعلومات التي بحوزتنا، فقد حددني العدو على أنني الهدف رقم 1. وعائلتي هي الهدف رقم 2”.
وتابع “مَن مستعد لضمان عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي؟ الجميع خائفون”، وذلك في وقت أشار الحلف إلى أنه لن يرسل قوات لدعم أوكرانيا.
كما أعلن زيلينسكي أنّ 137 أوكرانياً على الأقلّ قُتِلوا الخميس، في اليوم الأول من الغزو الروسي لبلاده.
وقال إنّ “137 بطلاً من مواطنينا” قُتِلوا في الاجتياح الروسي و316 آخرين أصيبوا بجروح في المعارك.
وأضاف “في جزيرة زميني التابعة لنا، مات جميع حرس حدودنا كأبطال، مدافعين عن أنفسهم حتى النهاية. لكنهم لم يستسلموا”.
وأشار زيلينسكي إلى أن قوات روسية تسللت إلى كييف بعد يوم على بدء الغزو الروسي لبلاده.
وقال “تلقينا معلومات عن دخول مجموعات تخريبية تابعة للعدو إلى كييف”، داعيا السكان إلى اليقظة والتزام حظر التجول في وقت تدور معارك في شمال العاصمة.
ودارت معارك طاحنة في أوكرانيا، وصولاً إلى مشارف العاصمة كييف، بين الجيش الأوكراني والقوات الروسية التي شنّت فجر الخميس، هجوماً جوياً وبرياً وبحرياً ضخما دمّرت خلاله في غضون ساعات الدفاعات الجوية الأوكرانية واستولت على مواقع ومنشآت استراتيجية، بما فيها محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية، في غزو خلف خسائر بشرية فادحة وردّ عليه الغرب بعقوبات جديدة.
ولتجنّب امتداد هذا النزاع إلى “دول أوروبية أخرى”، وهو سيناريو حذّر منه المستشار الألماني أولاف شولتس، وضعت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي قواتها في حالة تأهّب وقررت إرسال وحدات عسكرية لتعزيز دفاعات الحلف في جناحه الشرقي.
وسيعقد الحلف الأطلسي مؤتمراً عبر الفيديو الجمعة.
وفي واشنطن قال الرئيس الأميركي جو بايدن في خطاب إلى الأمة بشأن هذه الأزمة إنّ الولايات المتّحدة ستدافع عن “كل شبر من أراضي الحلف الأطلسي”، لكنّها لن ترسل قوات إلى أوكرانيا. غير أنّ البتاغون أعلن مع ذلك أنّه سيرسل حوالي 7000 جندي إضافي إلى ألمانيا.
الغرب يشهر سلاح العقوبات
وخلّف الغزو في يومه الأول الذي وصفته وزارة الدفاع الروسية بـ”الناجح”، عشرات القتلى في غضون ساعات، مما أثار غضب المجتمع الدولي عموماً والغربي خصوصاً.
وإذ أكّد بايدن أنّ نظيره الروسي فلاديمير بوتين سيصبح “منبوذاً على الساحة الدولية” بسبب هذه الحرب، أعلن أنّ الولايات المتّحدة فرضت على موسكو عقوبات اقتصادية جديدة وأقرّت قيوداً على التصدير إلى روسيا.
وقال إنّ أربعة مصارف روسية إضافية ستدرج على قائمة العقوبات الأميركية كما سيتمّ حرمان روسيا من أكثر من نصف وارداتها من المنتجات التكنولوجية المتطورة، معتبراً أنّ هذا “سيكبّد الاقتصاد الروسي تكاليف باهظة، على الفور وعلى المدى البعيد في آن واحد”.
كما طردت الولايات المتحدة المسؤول الثاني في السفارة الروسية في واشنطن وفرضت كذلك عقوبات على 24 فرداً وكياناً بيلاروسياً لمساعدتهم روسيا في غزوها أوكرانيا.
وفي بروكسل اتفق قادة دول الاتحاد الأوروبي الـ27 على فرض عقوبات “هائلة” على روسيا تشمل قطاعات الطاقة والمال والنقل.
بدوره أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أنّ بلاده فرضت عقوبات على 58 فرداً وكياناً روسياً بسبب غزو روسيا جارتها أوكرانيا، محذّراً من أنّ هذا الاجتياح يشكّل “تهديداً هائلاً للسلم والأمن في جميع أنحاء العالم”.
من جهتها، وعدت موسكو بردّ “قاس” على هذه الإجراءات.
ومساء الخميس دعت الولايات المتحدة وألبانيا إلى تصويت في مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يدين بشدة الغزو الروسي لأوكرانيا ويطالب روسيا بسحب قواتها من هذا البلد فوراً.
لكنّ مشروع القرار الموضوع تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح استخدام القوة لتطبيقه، محكوم عليه بالفشل بسبب حقّ النقض الذي تتمتع به روسيا في مجلس الأمن بصفتها عضواً دائماً فيه.
وأفادت مصادر دبلوماسية أنّ واشنطن تريد طرح المشروع على التصويت ليل الجمعة في الساعة 20.00 ت غ لأنها تعتبر أنّ لجوء روسيا إلى استخدام الفيتو ضدّه سيُظهر “عزلتها” على الساحة الدولية.
“تفوّق جوّي كامل”
وبدأ الهجوم على أوكرانيا فجر الخميس، إثر خطاب تلفزيوني مفاجئ أدلى به بوتين من الكرملين قرابة السادسة صباحاً (03.00 ت غ) وأعلن فيه أنه أمر بشنّ “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا.
وفي خطابه الذي أتى بعد يومين من اعترافه باستقلال منطقتين انفصاليتين أوكرانيتين في إقليم دونباس، قال بوتين “سنبذل أقصى جهودنا لنزع سلاح أوكرانيا وإزالة الطابع النازي عنها”.
وأضاف “لا نخطط لاحتلال أراض أوكرانية ولا ننوي فرض أي شيء بالقوة على أحد”، داعياً الجنود الأوكرانيين إلى “إلقاء أسلحتهم”.
وبرّر الرئيس الروسي غزو جارته الموالية للغرب باتهامات لا أساس لها حول “إبادة” تنفّذها أوكرانيا في دونباس حيث الأقلية الناطقة بالروسية، مشيراً إلى طلب المساعدة الذي وجّهه له الانفصاليون ليل الأربعاء، ومذكّراً بالسياسة “العدوانية” التي يمارسها ضدّ بلاده الحلف الأطلسي الذي يستخدم أوكرانيا “أداة”.
ومساء الخميس، قال بوتين في تصريح نقله التلفزيون إنّ روسيا لم يكن أمامها “من خيار آخر للدفاع عن نفسها” سوى غزو جارتها.
وما هي إلا دقائق على إعلانه قراره شنّ الهجوم فجر الخميس حتى دوّت انفجارات في العاصمة كييف، وفي كراماتورسك، المدينة الواقعة في شرق البلاد وحيث مقرّ قيادة الجيش الأوكراني، وفي خاركيف (شمال شرق)، ثاني كبرى مدن أوكرانيا، وفي أوديسا المطلّة على البحر الأسود، وفي ماريوبول، الميناء الرئيسي في شرق البلاد.
وبعيد ساعات من بدء الهجوم سيطرت القوات الروسية على محطة تشيرنوبيل التي شهدت في 1986 أسوأ حادث نووي في التاريخ.
ومساء الخميس، قال مسؤول استخباراتي غربي إنّ روسيا باتت تتمتع “بتفوق جوّي كامل” في أوكرانيا وتريد حشد “قوة ساحقة” حول العاصمة كييف.
وأوضح أنّ “الدفاعات الجوية لأوكرانيا تمّ القضاء عليها الآن ولم يعد لديها قوة جوية لحماية نفسها. سيسعى الروس في الساعات المقبلة إلى حشد قوة ساحقة حول العاصمة، وسيصبح الدفاع في أيدي القوات البرية والمقاومة الشعبية”.
خسائر بشرية فادحة
من جانبه أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحكام العرفية في البلاد وأمر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع موسكو. وليل الخميس أعلن الرئيس التعبئة العسكرية العامة.
وفجر الجمعة أعلن زيلينسكي أنّ 137 أوكرانياً على الأقلّ قتلوا في اليوم الأول من الغزو.
وقال زيلينسكي في رسالة عبر الفيديو بثّت على الموقع الإلكتروني للرئاسة إنّ “137 بطلاً من مواطنينا” قتلوا في الاجتياح الروسي و316 آخرين أصيبوا بجروح في المعارك.
وعلى مدى ساعات النهار، أدلى كلا الجانبان ببيانات متضاربة لا يمكن التحقّق من صحّتها، لكنّ الجيش الروسي حقّق مكاسب ميدانية جلية.
وفي خيرسون، كانت القوات الروسية منتشرة في أنحاء عدّة من هذه المنطقة، وسيطرت خصوصاً على بلدة جينيشيسكي التي تقع على بُعد 300 كيلومتر غرب الحدود الروسية.
فرار 100 ألف شخص
وأصاب الغزو سكّان كييف بالذعر إذ هرع بعضهم إلى المترو للاحتماء بينما حاول البعض الآخر مغادرة المدينة.وتسبّبت السيارات التي اكتظت بعائلات تريد الفرار من العاصمة في ازدحام مروري كبير.
وقالت ماريا كاشكوسكا (29 عاماً) وهي في حالة صدمة في المترو، لوكالة فرانس برس، “استيقظتُ ليلاً على صوت القذائف، وضبت حقيبتي وهربت”.
غير أنّ البعض صمّم على البقاء رغم كلّ شيء، ومنهم أولينا شيفتشينكو التي تعمل في منظمة غير حكومية والتي قالت لوكالة فرانس برس “نأمل في الحصول على دعم دولي”.
وقالت إيلينا كوريلو (52 عاماً) وهي معلمة في تشوغويف القريبة من خاركيف وقد غطت الضمادات وجهها بسبب إصابتها في هجوم خلّف قتيلاً واحداً على الأقل، “لم أتصوّر في حياتي أنّ هذا قد يحدث”.
وانتشر الجيش الأوكراني على كل الطرق في الشرق. وقال متحدث عسكري إن قصفا مدفعيا مكثفا واتصالات مقطوعة تشوب عمليات الإجلاء.
وقالت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنّ حوالي 100 ألف شخص نزحوا من ديارهم داخل أوكرانيا في حين غادر آلاف آخرون بلادهم.
وقال الاتحاد الأوروبي إنّه “على استعداد تامّ” للترحيب باللاجئين الأوكرانيين.
توقيف 1400 متظاهر في روسيا
وأثار الغزو انقساماً في روسيا حيث أيّده قسم من المواطنين وعارضه آخرون لم يتوانوا عن النزول إلى الشارع للتظاهر ضدّه.
وقال نيكيتا غروشين (34 عاما، مدير شركة) “لست مرتاحا بتاتا. أنا قلق جدا”، مضيفا أنه لا يعرف “من هو على خطأ ومن هو محقّ”.
بالمقابل قال إيفان (مهندس، 32 عاما) “لن أناقش أمرا من القائد الأعلى. إذا اعتبر أنه ضروري، فهذا يعني أنه يجب أن يحصل”.
وحصلت هذه التظاهرات على الرغم من أنّ السلطات توعّدت بقمع كلّ تظاهرة “غير مرخّصة” تُنظّم في البلاد ضدّ الحرب في أوكرانيا.
تم اعتقال نحو 1400 شخص الخميس في العديد من المدن الروسية خلال تظاهرات مناهضة للحرب في اوكرانيا، وفق ما نقلت منظمة او في دي-انفو غير الحكومية.
وافادت المنظمة ان ما لا يقل عن 1391 شخصا تم اعتقالهم في 51 مدينة، بينهم 719 في موسكو و342 في سان بطرسبورغ.
وشهدت وكالة فرانس برس توقيف العشرات في ساحة بوشكين بوسط موسكو في ظل انتشار كثيف لعناصر الشرطة.
وفي خطابه فجر الخميس، لوّح بوتين بسلاحه النووي في وجه أي جهة تحاول التدخّل في هجومه على جارته أوكرانيا، مذكّراً بأنّ بلاده لا تزال واحدة من “أعظم القوى النووية في العالم”.
وقال بوتين “لا يساورنّ أحد أدنى شكّ في أنّ أيّ هجوم مباشر على بلدنا سيؤدّي إلى دمار وعواقب وخيمة لأيّ معتدٍ محتمل”.
ومساء الخميس ردّ وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان على تهديدات بوتين بالقول إنّ حلف شمال الأطلسي هو أيضاً “تحالف نووي”.
أما الصين التي تربطها علاقات وثيقة مع روسيا فقات إنها تتابع الوضع “من كثب” ودعت “جميع الأطراف إلى ضبط النفس”.
من ناحيته دعا رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي تحدث هاتفياً مع بوتين الخميس، إلى “وقف فوري للعنف”.
وشنّ بوتين الغزو بعد ثماني سنوات من ضمّه شبه جزيرة القرم إلى روسيا ودعمه الانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا للسيطرة على أجزاء من إقليم دونباس مما أشعل حرباً أسفرت عن مقتل أكثر من 14 ألف شخص.
وأحدث الغزو فوضى عارمة في الأسواق العالمية، إذ هوت أسعار الأسهم وارتفعت أسعار السلع الأساسية.
وتجاوز سعر النفط مستوى 100 دولار للبرميل، للمرة الأولى منذ 2014. وانهارت بورصة موسكو بأكثر من 35% وسجّل الروبل أدنى مستوى تاريخي له مقابل الدولار، قبل أن يتدخّل البنك المركزي الروسي.
وحذّرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا من أن الغزو يشكّل “خطراً اقتصادياً كبيراً على المنطقة والعالم” في وقت يحاول فيه الاقتصاد العالمي التعافي من تداعيات جائحة كورونا.