مرايا – “من أكثر الأمور التي ساعدتني في الثبات تجاه الفتن في الغربة؛ هي المداومة على قراءة القرآن، بالذات الأجزاء والآيات اللي حفظتها وأنا صغير، ويرجع الفضل بعد الله عز وجل والوالدين لمتابعة المشايخ في دار القرآن الكريم في المسجد، ولجمعية المحافظة على القرآن الكريم، وتحفيزهم لي”.
بهذه الكلمات أعرب لاعب المنتخب الأردني لكرة القدم، موسى التعمري، عن صدمته لقرار وزارة الأوقاف، إيقاف العمل في أحد مراكز التحفيظ التابعة لجمعية المحافظة على القرآن الكريم، ضمن حملة شنتها الوزارة، تم على إثرها إيقاف 68 مركزا عن العمل.
وأضاف اللاعب في نادي آود هيفرلي لوفين البلجيكي، عبر منشور في صفحته على موقع “فيسبوك” الثلاثاء: “اليوم عرفت أنه تم إيقاف العمل في المركز الذي كنت أحفظ فيه القرآن، وإغلاقه بشكل مؤقت!”.
وتابع التعمري: “بغض النظر عن الأسباب؛ لكن والله الخبر يقشعر البدن، لأن المركز كان له أثر إيجابي كبير بحياتي، وذكريات طفولة لا تُنسى”.
وجاء منشور التعمري بعد إعلان مؤسس حملة “كلنا جمعية المحافظة” إبراهيم المنسي، عبر حسابه الرسمي على موقع “فيسبوك”، الاثنين، عن قرار لوزير الأوقاف الأردني محمد الخلايلة، بـ”إيقاف 68 مركزا قرآنيا، وإغلاق خمسة مراكز، وإيقاف 164 نادي طفل قرآني حتى الآن”.
ولاقى منشور المنسي تفاعلا كبيرا من قبل نشطاء التواصل الاجتماعي، الذين أعربوا عن رفضهم القاطع لهذا الإجراء، مؤكدين أنهم لن يتخلوا عن جمعية المحافظة، ومستعدون للمشاركة في خطوات تصعيدية دفاعا عنها.
ودفع هذا التفاعل رئيس الجمعية نضال العبادي، إلى التصريح بأنه “لا توجد مستجدات للحوار بين الجمعية والوزارة منذ 16 حزيران/ يونيو الفائت، نظرا لمبادرتنا ولجهود تقريب وجهات النظر، ولالتزام الوزارة بوعدها، ولانشغالها بموسم الحج”.
وأضاف العبادي عبر “فيسبوك”: “من هنا؛ فإن كل ما يتداوله بعض المواطنين من معلومات هو معلومات سابقة للقائنا السابق مع الوزير في 22 حزيران، لذا فقد اقتضى التنويه”.
وتعقيبا على منشور العبادي؛ قال المنسي: “لم ينفِ رئيس جمعية المحافظة الخبر ولا نائبه، بل أكدا عليه، ووصفاه بأنه ليس جديدا، لكن القرارات منذ 22 آذار/ مارس وحتى أواخر أيار/ مايو، وقامت الجمعية بتصدير كتب في إغلاق المراكز الخمسة في شهر حزيران الفائت، فالقضية جديدة وليست قديمة”.
وتابع: “ننتظر من معالي الوزير وقف قرارات إيقاف المراكز بحسب ما وعد الوسطاء، لكن تفاجأنا بطلب مدراء المراكز المغلقة للمحافظ لأجل التوقيع على تعهد بقيمة خمسة آلاف دينار بعدم إعادة فتح المراكز”.
تعليمات وشروط تعجيزية
ومنذ تأسيسها عام 1991؛ كانت جمعية المحافظة على القرآن الكريم تتبع لوزارة الثقافة، إلى أن تحول ترخيصها لوزارة الأوقاف في 2016، ومنذ ذلك الحين وهي تتعرض من قبل الوزارة لتضييقات ومحاولات خنق وحصار، ازدادت وتيرتها بعد صدور نظام المراكز الإسلامية عن مجلس الوزراء الأردني في 2020، وفق مصادر من داخل الجمعية.
وقال المنسي لموقع “عربي21” إن المادة (18) الفقرة (ج) من نظام المراكز الإسلامية أحدثت أزمة بين جمعية المحافظة والوزير، حيث أتاحت لهذا الأخير إصدار “التعليمات اللازمة لتنفيذ أحكام النظام، بما في ذلك الشروط الواجب توافرها في المدرّسين في المراكز الإسلامية، وأسس وشروط جمع التبرعات، وتنظيم أعمال أندية الطفل القرآني التابعة للمراكز الإسلامية، إلى جانب الإشراف على المراكز الإسلامية التابعة للوزارة وإدارتها”.
وأوضح أن من أبرز هذه التعليمات أن يكون للمراكز التابعة للجمعية مدير متفرغ لكل مركز، علما بأن عدد هذه المراكز يصل إلى ألف و50 مركزا، “وهو أمر غير منفذ في مساجد الوزارة نفسها، حيث نجد أن كثيرا من المساجد بلا إمام راتب، وأخرى أئمتها غير متفرغين”.
وأضاف المنسي أن تعليمات “الأوقاف” تضمنت أيضا “أن تكون المعلمة في نادي الطفل القرآني مجازة بسند متصل إلى رسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما لا نجده في أئمة المساجد التابعين للوزارة، وهم الذين يؤمّون الناس في الصلاة، ويقف خلفهم الصغار والكبار والمتعلمون والأمّيون”.
وتساءل: “هذه الشروط التعجيزية الصادرة في 22 آذار/ مارس، والتي يحتاج تنفيذها إلى سنوات؛ كيف تريد الوزارة تحقيقها خلال شهر أو شهرين، مهددة بإغلاق المراكز وإيقاف الأندية؟”.
ولفت المنسي إلى أن وزير الأوقاف أوقف الدورات الشرعية في المراكز التابعة للجمعية بحجة عدم تصويب أوضاعها وعدم وجود مدرّسين معتمدين من الوزارة، مؤكدا أن الجمعية تقدمت بطلب اعتماد 286 مدرسا من حملة الدكتوراه وخريجي الشريعة، إلا أن “الأوقاف” لم تعتمد سوى ستة مدرّسين فقط، دون أدنى مسوغ لرد طلبات الآخرين.
إيقاف دون إبداء للأسباب
من جهته؛ قال أحد العاملين في مركز فاطمة الدجنية القرآني بمنطقة جبل الحديد في العاصمة عمان، والذي قررت وزارة الأوقاف إيقاف أنشطته، إن “إدارة المركز خاطبت الوزارة منذ أشهر طالبة إبداء أسباب الإيقاف، ولكن لم يصلها أي رد حتى الآن”.
وأضاف أن المركز حقق جميع متطلبات استمراريته، وقام بتقديم معلم ومعلمة لمقابلة لجنة “الأوقاف” المكلفة باعتماد المدرسين، إلا أنها ردّت طلبيهما دون إبداء الأسباب، رغم أن المعلم مجاز من الوزارة نفسها، ومعه أربع قراءات قرآنية، وهو متفرغ للعمل في المركز، وحاصل على المركز الثاني في المسابقة الهاشمية، فيما المعلمة مجازة من الوزارة أيضا، وتملك ترخيصا بإدارة دار قرآن في أحد المساجد.
وتابع لموقع “عربي21” مفضلا عدم ذكر اسمه: “بعثنا اسمين جديدين بغرض المقابلة والحصول على اعتماد بتدريس القرآن في المركز، ولكننا تفاجأنا بقرار وزير الأوقاف إيقاف أي نشاط إسلامي في المركز، ثم جاءنا كتاب عن طريق إدارة الفرع التابعة للجمعية، بأن الوزارة وافقت على مقابلة المعلمين الجديدين، على أن تكون هذه المقابلة بعد سنة كاملة من تاريخ تقديم الطلب، وإلى ذلك التاريخ سيبقى نشاط المركز متوقفا”.
وحول عدد الطلبة والعاملين في المركز؛ أوضح أن المركز يضم 350 طالبا وطالبة، و50 امرأة، و50 شابا جامعيا، ويعمل فيه 28 معلما ومعلمة وإداريا وإدارية، أربعة منهم متفرغون، ولا يملكون أي عمل آخر.
تعنت في اختبار المدرّسين
من جهته؛ أكد مشرف في أحد مراكز جمعية المحافظة بالعاصمة عمان، أن إدارة المركز وفرت جميع متطلبات الترخيص التي طلبتها وزارة الأوقاف، إلا أن الأخيرة “أوقفت أنشطته دون إبلاغنا بأسباب ذلك”.
وقال لموقع “عربي21” مشددا على عدم ذكر اسمه أو اسم المركز الذي يعمل فيه، إن اللجنة الوزارية المكلفة باعتماد المدرّسين تتعنت في الاختبار العملي الذي تجريه لهم، مشيرا إلى أنها تسألهم عن قضايا لا علاقة لها بتدريس أحكام التلاوة وحفظ القرآن، كأن تستفسر عن عقيدة المدرس هل هي سلفية أم أشعرية، أو تسأل عن تفاصيل إدارية لا علاقة للمدرس بها.
وأضاف: “قابلتُ اللجنة المكونة من خمسة أشخاص قبل نحو ستة أشهر، ولكن حتى هذه اللحظة لم يصلني أي كتاب أو إشعار رسمي بقبولي أو رفضي”.
وأوضح أن قرار إيقاف المركز الذي يعمل فيه، جاء بعد زيارة لجنة الوزارة للمركز للتأكد من التزامه بتعليماته، لتجد أنه ملتزم فعلا بها، ما ألجأها إلى مخالفته على قضايا شكلية، كوجود طاولة تنس، أو لوحة أذكار ما بعد الصلاة، أو تدريس تفسير الآيات التي يتم تحفيظها، حيث اعتبرت كل ذلك مخالفات للنظام.
وقال موقع “عربي21” أن مراسله تواصل مع كل من وزارة الأوقاف وإدارة جمعية المحافظة، ولكن دون رد.
وتجدر الإشارة إلى أن جمعية المحافظة على القرآن الكريم تضم 42 فرعا، وألفا و50 مركزا، موزعة على محافظات المملكة، وخرجت أكثر من ثمانية آلاف حافظ للقرآن، وأكثر من 15 ألف مجاز بالتلاوة، وأصدرت أكثر من 200 كتاب في العلوم الشرعية، أكثرها في علوم القرآن.
ومن أبرز أهم إنجازاتها؛ طباعة المصحف الشريف بطريقة بريل الذي صدرت طبعته الأولى في 2005، وتفسير القرآن الكريم للصم والبكم، والمقرأة الإلكترونية العالمية.