175 طفلا يعانون إرهاب الاحتلال في السجون
منذ عام 1967؛ تعرضت أكثر من 16 ألف فلسطينية للاعتقال، وكانت النسبة الأعلى لعمليات الاعتقال تلك خلال انتفاضتي 1987 و2000، وما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل 31 أسيرة، بينهن 6 جريحات، و7 أمهات، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”.
ظروف حياتية صعبة تعيشها الأسيرات في سجن الدامون، تتمثل بوجود كاميرات مراقبة في ساحة الفورة، وارتفاع نسبة الرطوبة في الغرف، وتعمد قطع التيار الكهربائي، علاوة على التنكيل الذي يتعرضن له خلال عملية النقل عبر “البوسطة” إلى المحاكم أو المستشفيات.
وقال نادي الأسير، إن الأسيرات يتعرضن للتنكيل بدءا من عمليات الاعتقال من المنازل وحتى النقل إلى مراكز التوقيف والتحقيق، وفي كثير من الأحيان تطلق قوات الاحتلال الرصاص عليهن أثناء عمليات الاعتقال، وتفتشهن تفتيشا عاريا، وتحتجزهن داخل زنازين لا تصلح للعيش، وتخضعهن للتحقيق لفترات طويلة وتستخدم أساليب التعذيب الجسدي والنفسي بحقهن.
وأوضح أن من أبرز أساليب التعذيب؛ الشبح بوضعياته المختلفة، وتقييد الأسيرات طوال فترة التحقيق، والحرمان من النوم، والتحقيق المتواصل، والعزل، والابتزاز والتهديد، ومنع المحامين من زيارتهن خلال فترة التحقيق، وإخضاعهن لجهاز كشف الكذب، والضرب المبرح، ولا يقتصر الأمر على الأسيرات وحدهن، إذ يصل للتنكيل بعائلاتهن كجزء من سياسة العقاب الجماعي.
وأشار إلى أن سلطات الاحتلال تحرم الأسيرات من أبسط حقوقهن اليومية، كحقهن في التجمع لأداء الصلاة جماعة، أو الدراسة، إضافة إلى انتهاك خصوصيتهن بزرع الكاميرات في ساحات المعتقل، ما يضطر المحجبات منهن إلى الالتزام باللباس الشرعي حتى أثناء ممارسة الرياضة، عدا عن حرمانهن من حقهن بممارسة الأشغال الفنية اليدوية.
وأوضح نادي الأسير أن من بين الأسيرات 6 جريحات، أصعب تلك الحالات الأسيرة إسراء جعابيص المحكومة بالسجن لمدة 11 عاما، التي تعاني من تشوهات حادة في جسدها، جراء تعرضها لحروق خطيرة، أصابت 60% من جسدها، وفقدت 8 أصابع من يديها، إثر إطلاق جنود الاحتلال النار على مركبتها عام 2015، ما تسبب بانفجار أسطوانة غاز كانت فيها.
وتحتاج الأسيرة جعابيص إلى سلسلة من العمليات الجراحية في اليدين والأذنين والوجه، وتعاني على مدار الوقت من آلام، وسخونة دائمة في جلدها، ما يجعلها غير قادرة على ارتداء الأقمشة والأغطية، وهي بحاجة ماسة لبدلة خاصة بعلاج الحروق، وترفض إدارة السجون توفيرها، ولا تكترث لتوفير أدنى الشروط الصحية اللازمة لها.
فيما أنجبت 10 أسيرات أطفالهن خلال وجودهن في معتقلات الاحتلال قبل انتهاء محكومياتهن وهن: “زكية شموط، وماجدة جاسر السلايمة، وأميمة موسى محمد الجبور الأغا، وميرفت محمود يوسف طه، ومنال إبراهيم عبد الرحمن غانم، وعائشة الكرد، وسمر إبراهيم صبيح، وفاطمة يونس حسان الزق، وسميحة حمدان، وعبلة طه”، بحسب نادي الأسير.
وأوضح نادي الأسير أن الأسيرة الحامل تعيش معاناة مضاعفة، فمنذ اللحظة الأولى لاعتقالها، يبدأ مسلسل معاناتها على يد جنود الاحتلال؛ حيث تقيد رجلاها ويداها بالسلاسل وتعصب عيناها، وتلقى في الزنازين لتخضع لأساليب تحقيق قاسية، دون مراعاة وضعها الصحي كونها حامل، لدرجة أن بعض الأسيرات تعرضن لمحاولة إجهاضهن.
ولفت إلى أنه عندما يأتي موعد الولادة، تقيد الأسيرة من رجليها ويديها بالسلاسل، وهي في حالة مخاض، لتنقل إلى المستشفى، وهناك تتفاقم معاناتها عندما يشد وثاقها إلى سرير ولادتها، دون السماح لزوجها وأفراد عائلتها بالحضور والوقوف إلى جانبها، ولا يفك وثاقها إلا لحظة ولادتها.
في مطلع شهر آب 1968 في سجن المسكوبية، تعرضت الأسيرة عبلة شفيق طه، التي كانت حاملًا في شهرها الثاني، لركلات المحققين على بطنها، بعد أن اعتدت عليها مجموعة من المومسات الإسرائيليات المحتجزات في ذات السجن، بتعليمات من المحققين، للضغط عليها والحصول منها على اعترافات يريدونها.
ولا تنتهي معاناة الأسيرة الحامل بانتهاء عملية الولادة، بل تمتد إلى ما بعد ذلك، حيث يعاد تقييدها بالسلاسل لتنقل وطفلها إلى سجنها، ليعامل كأسير يشارك والدته الجدران والقضبان، وليس كطفل مولود بحاجة إلى توفير مستلزمات خاصة من راحة وعناية صحية فائقة، وغذاء وحليب وتطعيمات ضرورية وغيرها، ويحرم من أبسط حقوق الطفولة، ويتعرض لأقسى أنواع القهر والحرمان كأمه الأسيرة، وعند بلوغه السنتين، يفرق السجان بينه وأمه، ليحرم الطفل من حضن والدته حتى يتم الإفراج عنها.
وأشارت هيئة شؤون الأسرى والمحررين إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمعن في التنكيل بالأسيرات في سجن الدامون.
والتقت محامية الهيئة حنان الخطيب، الأسيرة دنيا جرادات 26 عاما من جنين، قائلة: “بتاريخ 7/8/2022 وحوالي الساعة الرابعة فجرا داهمت قوات الاحتلال المنزل، حيث كانت قوات كبيرة تحاصر المنزل وقد أحضروا اعمامي لساحة المبنى، تم خلع باب المنزل، سألوا عن الأسماء وطلبوا هويتي وهاتفي النقال وحاسوبي وساعتي الذكية وقد فتشوا المنزل واعتقلوني، لم يخبروني سبب الاعتقال ولم يروني مذكرة التفتيش، وكانت يدي مكسورة رغم ذلك قيدوني، وقامت المجندة بتفتيشي تفتيشاً مذل”.
تم زج دنيا في زنازين سجن الجلمة، ليبدأ التحقيق معها لمدة 14 يوما قبل نقلها إلى سجن الدامون، وتصف الأسيرة الزنزانة قائلة: “ظروف الزنازين بالجلمة سيئة وقاسية حيث أن الزنزانة بدون شباك أو تهوئة طبيعية، الحيطان غامقة اللون وخشنة، المرحاض عبارة عن فتحة بالأرض رائحته كريهة، البطانيات قذرة وبدون وسادة، الضوء مزعج للنظر”.
وتعاني الأسيرة جرادات من صداع دائم بسبب وجود ماء بالدماغ، وهذا يتطلب فحصا شهريا، لكن إلى الآن لم يجرى لها أي فحص، إلى جانب آلام حادة بيدها إثر الكسر.
الأسيرة عطاف جرادات 50 عاما من جنين، تم اعتقالها من منزلها يوم 27/12/2021، بعد اعتقال أبنائها الثلاث (غيث وعمر ومنتصر جرادات)، وقام الاحتلال بعد ذلك بهدم منزلها.
وأوضحت الهيئة أن الأسيرة كانت قد خضعت لتحقيق قاسي في معتقل الجلمة، ونقلت بعدها إلى سجن الدامون، حيث ما تزال موقوفة لغاية الآن، وترفض إدارة السجن السماح لها بالاتصال بأخيها وأبنائها الأسرى للاطمئنان عليهم، رغم محاولاتها العديدة.
ونتيجة لاعتقالها، أصبحت الأسيرة عطاف تعاني من ضغط دم مرتفع، وعدم انتظام بدقات القلب، كما تتلقى 8 أنواع من الأدوية، حيث تعرضت مرتين لأعراض جلطة وتم نقلها عدة مرات للمستشفى.
175 طفلا يعانون إرهاب الاحتلال في السجون
يعاني 175 طفلا معتقلا في سجون (عوفر، والدامون، ومجدو) شتى أشكال التعذيب والقمع والتنكيل والإهمال الطبي في سجون الاحتلال، فالأطفال الأسرى يعيشون حالة رعب وخوف دائمين بسبب الاعتداءات الوحشية التي يتعرضون لها على أيدي السجّانين حيث يجبر المحققون الأطفال على الاعتراف بالمشاركة بفعاليات الانتفاضة تحت ضغط التعذيب الوحشي من ضرب وشبح وعزل وتنكيل، بالإضافة لممارسة ضغوط نفسية مذلة على الطفل.
500 طفل اعتقلتهم قوات الاحتلال من أنحاء متفرقة في الضفة الغربية المحتلة، وجميعهم يعانون من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية تفتقر للحد الأدنى من المعايير الدولية، سواء من: نقص الطعام ورداءته، وانعدام النظافة، والاكتظاظ، والاحتجاز في غرف لا يتوفر فيها تهوية وإنارة مناسبتين، والإهمال الطبي وانعدام الرعاية الصحية، ونقص الملابس، وعدم توفر وسائل اللعب والترفيه والتسلية، والانقطاع عن العالم الخارجي، وعدم توفر مرشدين وأخصائيين نفسيين.
واستنادا لشهادات الكثير من هؤلاء الأطفال المعتقلين، فقد وصفوا القسم الذي يقبعون فيه “أنه قبو تحت الأرض تنتشر فيه الصراصير والفئران، ولا تدخله أشعة الشمس، ولا تتوفر فيه نوافذ للتهوية، ورائحته كريهة”، عدا عن ضيق ساحة “الفورة”، فهي مجرد ممر بين القسم الرئيسي والغرف، والحمامات مكشوفة، يضطر الأطفال لاستخدام الفرشات المخصصة للنوم كستائر، كما أن الفرشات قذرة، وسببت للبعض منهم ظهور حبوب على أجسادهم، بعد أن اضطروا لفتحها والنوم داخلها في محاولة لجلب الدفء، علاوة على ذلك يضطر الأطفال لحمل أحذيتهم ليلا للتخلص من الحشرات.
19 ألف طفل معتقل منذ العام 2000
منذ الانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”، اعتقل الاحتلال أكثر من 19 ألف طفل، في حين تصاعدت عمليات الاعتقال في العام 2015 لأكثر من 9 آلاف طفل، رافق ذلك تعديلات جوهرية على (قانون الأحداث الإسرائيليّ) وأبرزها تخفيض سن “العقوبة” للأطفال من عمر 14 عامًا إلى 12 عامًا.
وفي 2016 اعتقل الاحتلال نحو 1332 طفلا، واعتقل 1467 طفلا في عام 2017، و1080 طفلا في عام 2018، و889 في عام 2019، و443 طفلا منذ بداية العام الحالي حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وبخصوص الحبس المنزلي، تفرض سلطات الاحتلال الحبس المنزلي على 30 طفلًا في القدس بفترات مختلفة، ومنذ بداية الحبس المنزلي قبل 5 أعوام، كان هناك أمر لحبس منزلي لـ 500 حالة.
وتعتبر إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي تحاكم الأطفال في المحاكم العسكرية، حيث يتم محاكمة ما بين 500-700 طفل فلسطيني سنويا في هذه المحاكم، ووجهت لغالبيتهم تهمة إلقاء الحجارة.
هناك العديد من النساء الأسيرات وضعن مولودها البكر في السجون، مثل ميرفت طه (21 عاماً) من القدس، التي وضعت مولودها البكر، وائل، بتاريخ 8 شباط/فبراير 2003؛ والأسيرة المحررة منال ناجي محمود غانم (32 عاماً)، التي اعتقلت في 17 نيسان/أبريل 2003 من منزلها في طولكرم، وهي أم لأربعة أولاد، ووضعت مولودها الخامس، نور، بتاريخ 10 تشرين الأول/أكتوبر 2003، الذي انفصل عنها بعد أن بلغ السنتين من العمر، وصارت تراه من وراء زجاج عازل.
وذكرت منال، في شهادتها، أنها اعتقلت وهي حامل في الشهر الرابع، وحكم عليها مدة 50 شهراً، ووصفت ساعات الولادة بأنها صعبة وقاسية.
وكحالة الطفلة غادة، ابنة الأسيرة المحررة خولة الزيتاوي، التي قضت في السجون الإسرائيلية سنتين من عمرها، وصارت تعاني، بعد خروجها من السجن، من اضطرابات نفسية وعصبية شديدة، وكحالة الطفل يوسف، ابن الأسيرة المحررة فاطمة الزق، الذي قضى في السجون الإسرائيلية سنتين من عمره، وصار، بعد الخروج، يكره الأماكن المغلقة ويتسم بعصبية شديدة.
وتؤكد اتفاقية حقوق الطفل التي سُنت عام 1989، وهي أول اتفاقيّة دوليّة تلزم قانونيّا بحماية حقوق جميع الأطفال في العالم، بضمان حقوق الإنسان وحمايته.
العزل الانفرادي .. “التعذيب الصامت” في سجون الاحتلال
لا تنتهي مرحلة تعذيب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بانتهاء مرحلة التحقيق وإصدار الحكم بعدد السنوات التي سيقضونها، بل تمتد بأشكال وأساليب متعددة، ومن أبرزها “العزل الانفرادي”.
ويُقصد بالعزل احتجاز الأسير في زنزانة صغيرة وحيدا، أو مع أسير آخر، بعيدا عن رفاق السجن وعن أي شيء يربطه بالعالم الخارجي.
الأسير المحرر جهاد غبن، من مخيم جباليا، شمال قطاع غزة، يقول إن العزل الانفرادي ما هو إلا تعذيب صامت طويل المدى يتعرض فيه الأسير لآلام بدنية ونفسية وسط صمت مطبق.
ويضيف غبن (52 عاما) الذي قضى 24 عاما في سجون الاحتلال إنه تعرض للعزل 5 مرات لمدة 7 شهور في سجون مختلفة مثل سجن بئر السبع وعسقلان ونفحة وهداريم.
وللعزل عدة أوجه ودرجات، لكن كلها في إطار الضغط الذي يستهدف الأسير.
ففي إحدى المرات تم عزل غبن في زنزانة تسمى “تسينوك” طولها 110 سم وعرض 210 بدون حمام ولا ماء ولا شبابيك واضاءة خافتة وبلا أي متنفس مع سرير حديدي. ويسمح له باستراحة وهو مقيد اليدين.
“لا تستطيع ان تهرش في أنفك أو رأسك لأن اليدين مقيدتين إلى الخلف فيما يسمونه إستراحة،” قال غبن.
وكشف أن قضاء الحاجة مسموح مرة واحدة في اليوم يفتح السجان الباب في الوقت الذي يحدده هو، تمشي للحمام مقيد اليدين تحمل قنينة ماء الشرب لتعبئتها وقنينة البول لتفريغها استعدادا لتعبئتها مرة أخرى في الزنزانة.
وربما يقضي السجين في “تسينوك” (وتعني زنزانة صغيرة) أسابيع أو أشهر أو أكثر، بعدها ينتقل لـ”الأفرَداة” (وتعني العزل)؛ وهي عبارة عن زنزانة بمساحة 120 سم طولا و280 عرضا بسريرين وأحيانا يشارك الأسير اثنان أو ثلاثة.
وعادة تغلق “الأفرداة” 24 ساعة بباب بفتحة 10 سم مربع، وأخرى وسط الباب بطول 30 سم وعرض 10 سم لادخال الطعام ولتقييد أو فك قيود الأسير عند الخروج لاستراحة، وبها مِرش ماء للاستحمام وبلاطة مرحاض.
وربما يتم توفير كتب أو جهاز مذياع أو تلفزيون صغير بقنوات يتحكمون هم فيها، وربما لا، قضى غبن في “التسينوك” 3 أسابيع ثم تم نقله إلى “الأفرداة”.
لا يخلو الأمر من ممارسات سادية من السجانين، فأحيانا يطرق السجان باب الزنزانة فجرا يطلب من السجين الخروج للحمام وعندما يرى أن السجين جاهز لقضاء الحاجة يغلق باب الزنزانة مرة ثانية ويقول “ليس الآن، دعها لوقت آخر”، لكن لو قال الأسير غير جاهز فيكون قد فقد الفرصة اليومية الوحيدة.
“كنت أتعمد أن أخفف من الطعام الشحيح أصلا ومن الشراب كي أتجنب استخدام الحمام قدر المستطاع، كان الحمام أداة إذلال”.
ومن متاعب العزل، قال غبن، إن الأسير ينعزل عن العالم تماما، فلا يعرف ما يدور داخل أو خارج السجن ولا يسمع أخبار ويمنع من ساعة اليد كأنه يعيش في غابة لوحده ولا يعرف الوقت ليلا أم نهارا.
“لا تسمع ولا ترى أحد سوى السجان، ربما ترى بعض الحشرات فقط… وحاسة السمع لا تحتاج لها إلا لسماع السجان الذي يتحكم في أوقات قضاء الحاجة”، قال غبن في لقائه مع مراسل وفا.
وأضاف أن من معضلات العزل هو قلة النظافة بسبب عدم توفر أدوات التنظيف فيضطر السجين لشرائها من حسابه الخاص من مصروف شخصي تحوله وزارة الأسرى في الحكومة الفلسطينية أو ذوي المعتقل.
ويتعرض الأسير لأمراض جلدية يساعد عليها عدم دخول الشمس على الإطلاق الأمر الذي يزيد من نسبة الرطوبة واحتمال الإصابة بالفطريات، أو يتعرض لخلل في الجهاز الهضمي بسبب سوء الطعام.
“ويعيش الأسير في العزل وسط ملايين الأسئلة التي ليس لها إجابات، عن الأهل ورفاق السجن والعالم ويبحث عن أي معلومة من أي نوع، ويشطح كثيرا في “أحلام يقظة” ربما تصل لحد مَرضي” قال غبن.
وكان الأسير ضرار أبو سيسي، المعتقل منذ 2011، قد أفاد لأحد المحامين بأنه بدأ يشعر “بصعوبة في النطق واستذكار اللغة جراء العزلة الكاملة التي يعيش فيها، وانقطاعه عن التواصل مع العالم الخارجي” وفقا لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان.
وقال ثائر شريتح، الناطق الإعلامي لهيئة شؤون الأسرى والمحررين، إن سياسة العزل الإسرائيلي هي جزء لا يتجزأ من رحلة التعذيب والمعاناة التي يقضيها الأسير الفلسطيني منذ دخوله حتى إطلاق سراحه.
وأشار شريتح، وهو أسير سابق، أن قرار العزل يأتي بقرار من الأجهزة “الأمنية” أو إدارة السجن وغالبا بتنسيق بينهما.
وكشف الناطق بلسان هيئة الأسرى والمحررين أن 29 أسيرا يقبعون في هذه الأيام في زنازين العزل من أصل 4550 أسيرا، على رأسهم الستة أسرى أصحاب “نفق جلبوع” الذين استطاعوا انتزاع حريتهم من سجن جلبوع العام الماضي.
ويقبع الأسرى الستة زكريا الزبيدي ويعقوب قادري وأيهم كممجي ومحمد العارضة ومحمود العارضة ومناضل نفيعات في العزل الانفرادي منذ اعاد الاحتلال اعتقالهم في أيلول/ سبتمبر 2021.
وخلال تقديم أسرى “نفق جلبوع” للمحكمة في مدينة الناصرة، قال زكريا الزبيدي للصحفيين ولذويه إنه في العزل لا يرى النور وأن الطعام سئ للغاية.
ويشير جهاد غبن أن العزل يأتي كعقاب فردي أو جماعي عقابا لمحاولة هروب أو مشاركة في إضراب أو المطالبة بحقوق أو مجرد ممارسات سادية استمرارا للتعذيب أو تحت أي حجة واهية.
وخضع غبن للعزل بسبب محاولته الهروب من سجن عسقلان بعد أن نحت فتحة في سقف السجن، وبسبب مشاركته في إحتجاجات وإضراب عن الطعام.
ويحرم الأسير من الكثير من “الامتيازات” التي يتعطش لها الأسرى مثل إدخال ملابس من الأهل أو منع زياراتهم له والكنتينا (بقالة السجن).
ومن أهداف سياسة العزل هو إذلال الأسير وتصفيته جسدياً ونفسياً؛ كما حدث مع المعتقل إبراهيم الراعي في 11/4/1988، الذي تمت تصفيته بعد عزله لمدة تسعة أشهر متواصلة، وفقا لتقرير البنك الوطني للمعلومات (مؤسسة فلسطينية رسمية).
كما ويأتي العزل كجزء من عقاب شبه جماعي يتبع ما يُعرف بـ”القَمْعة” وهو هجوم كاسح من السجانين ضد الأسرى يتخلله ضرب بالهراوات وغاز مسيل للدموع وقنابل صوتية داخل غرفهم،” وفقا لجهاد غبن.
ومن الممكن أن يكون بهدف كسر معنويات المعتقلين من أجهزة الاحتلال، التي تسعى دائماً إلى استخدام العزل لقطع قنوات التواصل بين قيادة الحركة الأسيرة وباقي الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، كما تقول مؤسسة الضمير في تقرير لها على صفحتها الالكترونية.
وقال جهاد غبن إن العزل في “الأفرداة” ربما يكون للسجين بمفرده أو بصحبة شخص آخر في الزنزانة، وتتراوح فترة العزل وفق رؤية أجهزة الاحتلال وإدارة المعتقل.
وحول قضاء الوقت في العزل، قال غبن إن القراءة هي الملاذ الأول والأخير للحفاظ على القدرات الذهنية هذا في حال توفر الكتب.
ومن أساليب الضغط على الأسير تعمد سلطات الاحتلال في السجون لنقل السجين من سجن إلى آخر أو نقل داخلي من قسم إلى أخر أو من زنزانة إلى أخرى.
“التنقل مؤلم، فإذا كان من سجن لسجن تكون مقيدا والمسافات طويلة داخل ما أشبه بقفص صغير بدون حمّام… بعد أن تألف المكان يتعمدون نقلك كجزء من الضغط النفسي والبدني.” قال غبن.
وأشار ثائر شريتح أنه ليس هناك فترات ثابتة بالنسبة للعزل فربما تتمتد أسابيع أو شهور أو سنوات وهذا يشكل خطرا كبيرا على الحالة النفسية والبدنية للأسير. “هناك أسرى قضوا في العزل ما مجموعه 10 سنوات”.
“وأيضا هناك بعض الأسرى يتم عزلهم إضافة لدفع غرامات مالية.” قال شريتح.
وأشار إلى أن من أبرز من تعرضوا للعزل هم مروان البرغوثي ونائل البرغوثي وأحمد سعدات ومحمود عيسى.
ومن الناحية القانونية، قال الحقوقي جميل سرحان، مدير الهيئة المستقلة لحقوق الانسان بغزة، لمراسل “وفا” إن العزل يفترض أن يأتي بشكل قانوني وفي حالات استثنائية جدا عندما يشكل خطرا على نفسه أو الآخرين ويحصل فيه الأسير على كل حقوقه عدا التنقل، لكن ما يجري مع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال لا علاقة به بالقانون وما هو إلا نوع من أنواع التعذيب.
ويعتبر المناضل الياباني كوزو أكاموتو أكثر من قضى وقتا في العزل الانفرادي، من عام 1972 إلى عام 1985 وقت تحريره في صفقة التبادل الشهيرة.
ووفق البنك الوطني للمعلومات فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تشرّع انتهاكاتها لحقوق الأسير؛ فقانون مصلحة سجون الاحتلال لعام 1971 “ينص على السماح بعزل الأسير بذرائع أمنية”؛ بحيث أصبح العزل وسيلة مشروعة بيد مدير السجن وضباطه.
ويعتبر العزل، وفقا لمؤسسة الضمير، ضرباً من ضروب التعذيب النفسي المحظورة بموجب المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب المبرمة عام 1984، ومن أساليب المعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة المحظورة بمقتضى المادة (7) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والحقوق السياسية.