مرايا –
نشرت دائرة الإفتاء العام الأردنية، اليوم الخميس، فتوى تتعلق طرق النقد المباحة التي كفلها الدين الإسلامي، وتاليا نص السؤال والاجابة :
السؤال: ما هي طرق النقد المباحة التي كفلها الدين الإسلامي؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
النقد في الأصل تقديم النصح والملاحظات بعد النظر والتمحيص، وهو أمر مشروع في الإسلام، بل إنه مطلوب، وهو من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الناقد إنما يقدم النصح ويوجه إلى أمر مستحسن لو فعله الشخص الموجه إليه النقد لكان أفضل، وهذا لا شك أنه من المعروف، وإنما ينهاه عن أمر مستقبح، وهذا أيضاً نهي عن المنكر، على أن يكون ذلك من باب النصيحة لقول النبيَّ صلى الله عليه وسلم: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم. فالواجب على المسلم أن ينصح لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين وعامَّتهم، وأهل الصلاح والإنصاف يحبون من ينتقدهم ويبين لهم عيوبهم؛ لأن ذلك يعينهم على تعديل هذه العيوب وتخطيها، وقد ورد عن سيدنا عمر بن الخطاب وغيره من سلف الأمة أنه كان يقول: “رحم الله من أهدى إليَّ عيوبي”، فكان يشكر لمن يوجه إليه النقد بالتي هي أحسن، أي: بالنصيحة؛ لأنه يصنع إليه معروفاً بإخباره عن أمور يجب تجنبها.
والناقد المنصف يجب عليه أن يتقي الله عز وجل في كلامه ونقده، وأول ما يجب عليه أن يكون نقده نصيحة يبتغي بها الأجر والمثوبة عند الله تعالى، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يقدم النقد بأسلوب الحكمة واللطف وحسن الظن، وأن يتحرى الصدق والصواب بما يقول، ويتجنّب سوء الظن والسب والشتم والسخرية والاستهزاء، والنيل من الأشخاص؛ لأن هذا كله من كبائر الذنوب والغيبة والبهتان والظلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ) متفق عليه، ولأن النقد بغير هذه الضوابط يتيح الفرصة لبعض أصحاب الأهواء لإثارة الفتن والإشاعة في المجتمع، واغتيال الشخصيات، والتشكيك في المنجزات باسم النقد، كما ينبغي مراعاة أن يكون النقد من المتخصص ومن لدية العلم والدراية في موضوع النقد، ولا يجوز لعامة الناس ومن لا يطلع على حقائق الأمور أن يستعجل بالنقد قبل التثبت، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ) رواه أبو داود.
وينبغي أن يفرق بين النقد المتعلق بالنواحي الشخصية لمن يوجه له النقد وبين النقد المتعلق بالأفعال والأعمال المتعلقة بالمجتمع، فلا يجوز التعدي على الحياة الشخصية للأفراد بالنقد والتشهير وما شابه ذلك.
والحوادث الدالة على جواز النقد في السيرة النبوية وسيرة الصحابة والتابعين وتاريخ المسلمين كثيرة، بل هناك نصائح كانت مصيرية كما حدث في غزوة بدر لما أشار الحباب بن المنذر على الرسول صلى الله عليه وسلم بالانتقال إلى موقع أفضل من الموقع الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأن النقد المقصود منه المصلحة وإصلاح المنتقد؛ فينبغي أن يوجه النقد على الشخص المعني مباشرة، ولا ينبغي التشهير به وإيصال النقد إلى عامة الناس الذين لا دور ولا أثر لهم في ذلك، وإنما يوجه النقد إلى المعني أو إلى من يستطيع أن يغير ممن هو أعلى منه فقط.
وعليه؛ فالنقد مشروع في الإسلام بضوابطه التي تعزز قيمة النصح في المجتمع، وتميز الخبيث من الطيب، وتحقق المصلحة العامة. والله تعالى أعلم.