مرايا –
ما إن وصل وفد حركة حماس إلى سورية في زيارة، حتى تساءل مراقبون عن دوافعها، وأسباب توقيتها، خصوصا وأنها تأتي في أعقاب موقف صارم من الحركة تجاه ما يجري في سورية من حرب أهلية منذ العام 2011.
ففي الوقت الذي أكدت فيه قيادات من حركة الإخوان المسلمين في الأردن، رفضهم لهذه الزيارة التي تتناقض مع الموقف الحقيقي للحركة مما يجري في سورية، يرى سياسيون في أنها “تأتي بمثابة استدارة للخلف وإعادة تموضع”، بيد أن آخرين يشيرون إلى أنها تعد انقلابا داخل الحركة.
ورفضت قيادات نيابية وإخوانية التصريح بأسمائهم الصريحة حول موضوع الزيارة إلى سورية، ما قد يؤشر على حجم الخلاف في المواقف بين إخوان الأردن وحركة حماس.
ويعتبر سياسيون أن الحركة ذهبت إلى دمشق، وقد تسلمت شروطا من بينها اعتذار الحركة عن الموقف مما يجري في سورية، وعدم السماح لشخصيات حمساوية من دخول سورية كرئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل. سياسيون أبدوا لـ”الغد” استغرابهم من هذا التحول، فيما بدا واضحا امتعاض إخوان الأردن من تلك الزيارة، حتى أن تيارا إخوانيا مرر رسائل للحركة مفادها “أن الزيارة لم تكن ناجحة وغير مقبولة، خصوصا الآن”.
قيادي بارز بالإخوان اكتفى بهذا القول، مشيرا إلى أن وجهة نظرهم أرسلت للحركة، ولا “نريد نشرها عبر الإعلام”.
وكان نائب قائد حركة حماس في قطاع غزة، خليل الحية زار دمشق على رأس وفد من بين وفود فلسطينية أخرى، وعقب لقائه مع الرئيس السوري، بشار الأسد خرج في مؤتمر صحفي، قائلا: “اللقاء مع الأسد كان دافئاً، وقد أبدى تصميمه على تقديم كل الدعم من سورية للشعب الفلسطيني ومقاومته”.
مصدر إخواني آخر، طلب أيضا عدم نشر اسمه، قال إنه “لا توجد رغبة لدى إخوان الأردن لإعلان موقف رسمي لوسائل الإعلام عن الزيارة التي حتما لا تنال رضا وقبول قيادات إخوانية، وأن هذا موقف إخواني راسخ لأن الموضوع متشابك وهناك مواضيع أخرى تهم الأمة أكثر من إعادة حميمية العلاقات مع دمشق”.
وأضاف “اننا نتطلع بشكل أوسع ولا ننسى الأذى الذي لحق بالشعب السوري وهو الأساس الذي اتخذت الحركة الإسلامية حماس موقفها وفقه”.
واعتبر أن “رغبة حزب الله وإيران نفذت في زيارة الوفد الى سورية ونحن غير راضين عن هذه الخطوة”، لافتا الى أن هناك مواقف متباينة إزاء الزيارة”.
وفي السياق قال قيادي كبير في إخوان الأردن، طلب أيضا عدم نشر اسمه، انه لن يعلق على “الزيارة التي كانت مثار استغراب من الإخوان، وإن ملاحظاتنا ستقدم الى حماس بشكل مباشر وليس عبر وسائل الإعلام”.
وإلى جانب موقف إخوان الأردن، يؤكد برلماني مخضرم مقرب من الإخوان وحركة حماس، “أن الخطوة كانت غير موفقة وعليها ما عليها”. البرلماني لم يفضل هو أيضا نشر اسمه!
وكانت حركة حماس أصدرت بياناً، الشهر الماضي، دون مقدمات، دعت فيه للمصالحة وبناء وتطوير العلاقات مع سورية.
وبررت ذلك بأنه “خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا”.
غير أن تسريبات إعلامية أشارت الى ان الزيارة وعودة العلاقات بين دمشق وحماس كانت محكومة بشروط من الجانب السوري اولها ان سورية أرادت اعتذاراً عن موقف الجماعة الفلسطينية من الحرب في سورية، وثانيها أن سورية لن تسمح لبعض الشخصيات بدخول البلاد مرة أخرى، من بينها رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل.
وفي السياق يؤكد رئيس جمعية العلوم السياسية الدكتور محمد مصالحة ان المشهد السياسي العربي يشهد اعادة نظر بالمواقف العربية من بعض الاطراف فيما شكل مؤتمر الجزائر الفلسطيني ارضية وتوافق بين مختلف الفصائل لإعادة لحمة الصف الفلسطيني.
وتابع في تصريحات صحفية أن أخطر مرحلة تمر بها القضية الفلسطينية الآن لانتقالها من مرحلة التفاوض بالعمل السياسي الى الفعل على الارض وان اي توجه بتحسين العلاقات العربية مع الأطراف الفلسطينية هو ملائم الآن.
ولفت إلى أن الزيارة لم تكن وليدة اللحظة، حيث كان هناك ترتيبات دبلوماسية مسبقة، وربما تكون هناك شروط على حماس معلنة او غير معلنة غير أن الموقف الرسمي المعلن هو ما يمكن تأكيده.
واعتبر مصالحة ان الزيارة تأتي في اطار وحدة الصف العربي وموقف موحد من الفصائل الفلسطينية.
لكن بدا لافتا انه وبعد قطيعة استمرت لسنوات طرقت حركة “حماس” أبواب دمشق، معلنةً “طي صفحة الماضي وأي فعل فردي لم تقره القيادة”، في إشارة إلى الموقف الذي اتخذته في المراحل الأولى لانطلاقة الثورة السورية، وتقلبت عليه على مدى سنوات.
ورغم أن هذه الخطوة من جانب حماس لم تكن مفاجئة، وتم التمهيد لها إلا أن الطريقة التي جاءت بها أثارت تساؤلات عديدة عن التوقيت وإعادة التموضع.
استدارة حماس للخلف كانت بدفع من الجناج المقاوم وليس الإخواني وهو ما قد ينعكس مستقبلا على شكل العلاقة مع إخوان الأردن من جهة، كما أنه لن يعيد مكاتب حماس إلى دمشق مرة أخرى رغم حالة الندم التي أبدتها الحركة خلال زيارتها لدمشق، وفق مصدر مقرب من الإخوان.
وكان رئيس المكتب السياسي السابق لـ”حماس”، خالد مشعل، ورئيس المكتب الحالي، إسماعيل هنية، قد وقفا أمام حشد من المئات ورفعا علم الثورة السورية، ليكون إعلانا واضحا بقطع العلاقات مع سورية والوقوف إلى جانب المتظاهرين السلميين.
بدوره قال وزير الداخلية الأسبق المهندس سمير الحباشنة إن الانطباع العام في المنطقة والإقليم ان نظام الرئيس بشار الاسد باق برغم الويلات والقتل وبعبارة أهم (انتصر).
وتابع إن واقع الدولة السورية هي الدولة التي مستقبلا ستكون كسابق عهدها وهو ما حدا بكثير من الأطراف التعامل معها كأمر واقع.
وأشار الحباشنة في تصريحات صحفية إلى أن اللقاء جاء تتويجا لعلاقة حماس مع إيران وحزب الله والضلع الثالث لها سورية إذ انها جميعها في تحالف واحد (سورية وإيران وحزب الله).
ولفت إلى أن الفرق بين حماس والإخوان أن حماس تعمل بالسياسة من واقع القضية الفلسطينية فيما يعمل الإخوان في إطار عقائدي.
وبين أن رفض الإخوان في الاردن لهذه الزيارة يأتي من واقع ان النظام السوري هزم الإخوان، مشيرا إلى أن موقف إخوان الاردن سيتغير ويحذو حذو حماس في سورية.
وفي السياق يرى سياسي بارز أن زيارة حماس لدمشق مقدمة لإعادة تقييم للوضع داخل حماس وبشكل كامل وبفعل وصول بطاقات شابة إلى مراكز حماس، تؤكد اهمية الرجوع إلى حضن دمشق.
واعتبر السياسي، الذي رفض الكشف عن اسمه، أنه لا يرى أي فائدة لـ”حماس” من عودة علاقاتها مع دمشق، لافتا الى ان “البيئة لم تعد آمنة في سورية، وحتى لو وافق الاسد على فتح مكتب لها لن تستطيع التحرك في ظل الاختراق الكبير من إسرائيل وعدم الثقة المرتبطة بروسيا.
وأضاف أن “دمشق ما تزال تحمل حركة حماس مسؤولية الانخراط في لعب دور سلبي في الداخل السوري عقب 2011، بمساندة الإخوان، إضافة إلى أن القطيعة الطويلة على مدار 10 أعوام ليست بالأمر الذي يمكن تجاوزه بسهولة”.
أما الكاتب السياسي ياسر الزعاترة، فوصف- عبر حسابه على تويتر- عودة العلاقة بأنها “تعكس خللا في البوصلة وفي التقدير في آن، فضلا عن تجاهل مشاعر الغالبية من الشعب الفلسطيني، ومنهم أبناء الحركة”.
وفي تغريدة أخرى قال الزعاترة إن “ممثلي الفصائل الفلسطينية يلتقون بشار (في إشارة للرئيس السوري بشار الأسد).. زفة رتبتها إيران لتسويق نفسها”. وتابع فصائل الزفة لم تخاصمه أصلا وأكثرها بلا قيمة”. وتابع “حماس التي أجرمت بحق نفسها قبل حاضنتها”.