أصدر بيت العمال للدراسات، السبت، تقريرا بمناسبة يوم حقوق الإنسان الذي يحتفل به العالم في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، وهو اليوم الذي اعتمدَت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948، حيث يسلّط احتفال هذا العام الضوء على مبدأَي المساواة وعدم التمييز.

وقد استعرض التقرير أوضاع وظروف العمل والعمال في الأردن، من واقع اعتماد الأردن للبرنامج الوطني للعمل اللائق في العام 2006، والذي اعتبر قضايا العدالة الاجتماعية والعمل اللائق واحترام الحقوق الأساسية في العمل، أساس الإصلاحات التشريعية وإصلاح السياسات الاجتماعية والاقتصادية.

وبين التقرير بأنه على الرغم من أن الدستور الأردني قد أكد في عدد من مواده على ترسيخ مبدأ المساواة بين الأردنيين في الحقوق والواجبات، وعلى حق جميع المواطنين في العمل وفي تولي المناصب العامة والتعيين في الوظيفة العامة، وعلى ضمان إعطاء العامل أجرا يتناسب مع كمية عمله وكيفيته، وعلى الرغم من مصادقة الأردن على (26) اتفاقية عمل دولية تمثل القواعد الخاصة بحقوق الإنسان في العمل، منها الاتفاقية رقم 100 بشأن المساواة في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية، والاتفاقية رقم 111 بشأن التمييز في الاستخدام أو المهنة، اللتان صادق عليهما الأردن منذ الستينات، إلا أنه لم يعكس المبادئ الخاصة بالمساواة وعدم التمييز في العمل التي وردت فيهما في تشريعاته وإجراءاته، باستثناء التعديل الذي تم على قانون العمل عام 2019 والذي تضمن إضافة تعريف خاص بالتمييز في الأجور على أساس الجنس عند تساوي قيمة العمل، إلا أن هذا التعديل لم يحظى بالتطبيق العملي ولم تصل أية حالة أو شكوى بشأنه إلى أية من الجهات الرقابية أو القضائية لافتقاده للعوامل التي تعزز إلزاميته وبشكل خاص نتيجة عدم توافر قواعد للتقييم الموضوعي للوظائف في التشريع العمالي الأردني، في وقت ما تزال حالات التمييز في العمل تمارس على نطاق واسع، سواء المتعلقة بالأجور أو بالحقوق الأخرى، ومنها التمييز في الحصول على فرصة العمل وفي الترقي الوظيفي وفي الحصول على المكتسبات وفي إنهاء الخدمات، وبشكل خاص حالات التمييز التي تتعرض لها الفئات الخاصة كالنساء والعمالة المهاجرة وذوي الإعاقة، دون وجود إي أحكام تشريعية أو تدابير من أي نوع للتصدي لها.

وفيما يتعلق بمعدلات التشغيل فقد أشار التقرير إلى أن نسبة المشاركة الاقتصادية للسكان (15 سنة فأكثر) قد بلغت (33.5%) وهي من أدنى النسب في العالم، مع تفاوت ملموس بين كل من الذكور والإناث، حيث ارتفعت معدلات مشاركة الذكور إلى أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة مع الإناث، حيث سجلت المشاركة الاقتصادية للذكور (53.2%)، مقارنة مع (14.2%) للإناث، وهو تفاوت يشكل نمطا سائدا في سوق العمل الأردني على مدى العقود الماضية، في وقت واصلت البطالة ارتفاعها إلى معدلات قياسية حتى ما قبل الجائحة، حين كانت تبلغ في نهاية عام 2019 (19.1%)، لتصل إلى (22.6%) في الربع الثاني من العام الحالي 2022، وما زالت الفجوة واسعة في فرص حصول الإناث على العمل بالمقارنة مع الذكور، فقد بلغت نسبة البطالة في صفوف الإناث (29.4%)، مقابل (20.7%) للذكور.

وفي حين بلغ عدد المشتغلين الأردنيين قرابة (1,377,905) مشتغل، بنسبة 26% فقط ممن هم في سن العمل، فإن نسبة الذكور منهم قد وصلت إلى (81.9%)، فيما لم تتجاوز نسبة الإناث (18.1%) فقط، كما شهد سوق العمل منذ عام 2018 تراجعا واضحا في صافي فرص العمل المستحدثة مقارنة مع السنوات السابقة حيث بلغ عام 2018 (38,906) في حين يبلغ عدد الداخلين الجدد إلى سوق العمل كباحثين ما يقرب من 130 ألف سنويا.

وفيما يتعلق بالعمالة غير الرسمية (غير المنظمة) أوضح التقرير بأن نسبة العمال غير الرسميين يبلغ قرابة (48%) من إجمالي القوى العاملة، (26%) منهم يعملون في القطاع الخاص، و(17%) يعملون لحسابهم الخاص، حيث تشكل نسبة الإناث العاملات في الاقتصاد غير الرسمي (27%) من إجمالي الإناث العاملات، مقابل (48%) من الذكور، ويعاني معظم العاملين غير الرسميين من غياب الحمايات القانونية التي نص عليها قانون العمل، والحماية الاجتماعية بما في ذلك الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، إضافة إلى ظروف العمل الصعبة والانتهاكات لحقوقهم، وإصابات العمل في ضوء الافتقار إلى شروط السلامة المهنية.

وأشار تقرير بيت العمال إلى أن جائحة كورونا قد كشفت النقاب عن الهشاشة التي يعاني منها سوق العمل والافتقار إلى متطلبات الحماية الاجتماعية بين فئات العمالة، خاصة فئات العاملين في الاقتصاد غير المنظم، وظهر جليا خلال الأزمة مدى تعرض هذه الفئة لخطر فقدان الدخل اللازم لمعيشتهم وأسرهم، في ظل المؤشرات التي تؤكد بأن هذه الفئة قد توسعت أكثر على حساب القطاع المنظم نتيجة الجائحة وفقدان ما يقرب من 200 ألف وظيفة خلال عامي 2020 و2021، الأمر الذي يتطلب بناء منظومة من القواعد التي تدعم بشكل أفضل الفئات الأكثر ضعفًا وتحقق الحماية اللازمة لهم، سواء من حيث شمولهم بالتأمينات الاجتماعية أو بالحمايات القانونية الأخرى في تشريعات العمل بشكل خاص، ووضع سياسات فعالة لذلك أسوة بغيرهم من العاملين كخطوة أولى نحو تشجيع انتقالهم من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم.

وفيما يتعلق بساعات العمل أوضح التقرير بأن البيانات تشير إلى أن (57.3%) من العاملين الأردنيين وغير الأردنيين يعملون متوسط ساعات بين (35-48) ساعة في الأسبوع، وأن (37.3%) يعملون 49 ساعة فأكثر أي أكثر من ساعات العمل العادية التي يجيزها قانون العمل، وتصل نسبة الإناث اللاتي يعملن 49 ساعة فأكثر (20.6%)، ونسبة الذكور (40.1%)، ونجد أن نسبة العمال غير الاردنيين الذين يعملون 49 ساعة فأكثر مرتفعة جداً حيث تبلغ (63.6%)، بين الإناث (60.9%) وبين الذكور (63.9%).

وأشار التقرير إلى أن العناصر الأخرى ذات العلاقة بمفهوم العمل اللائق، ما تزال تمثل تحديات شائعة تواجه العمال الأردنيين وغير الأردنيين، لا سيما في قطاعات التعليم والزراعة والعمل المنزلي، مثل التأخر في دفع الأجور، وعدم دفع أجور ساعات العمل الإضافية، وعدم منح الحد الأدنى للأجور، وضعف أرضية الحوار الاجتماعي، وضعف إجراءات السلامة والصحة المهنية، والاستغلال والعمل الجبري، في وقت أضافت تعديلات قانون العمل لعام 2019 قيودا أخرى على النشاط النقابي العمالي زادت في ضعف أداء النقابات العمالية، عندما اشترطت تدقيق أنظمتها الداخلية من وزارة العمل، وسمحت لوزير العمل بحل أية هيئة إدارية لأية نقابة، وأعطت وزير العمل صلاحية تصنيف المهن لغايات تأسيس النقابات.

وأوصى التقرير بأن يتم العمل في هذه المرحلة على تعزيز قدرات شبكات الأمان الاجتماعي وزيادة مخصصاتها وتوجيهها لمختلف الفئات الضعيفة من المواطنين ومختلف الأسر منخفضة الدخل، وكذلك الاستمرار في تقديم المساعدات النقدية والعينية العاجلة لهم، وزيادة قيمة الإعانات، وتوسيع الفئات المستفيدة منها، وتوسعة الشمول بالتأمين الصحي لكل من لا يحظى بتأمين رسمي أو خاص، وتخفيض قيمة الاشتراكات في الضمان الاجتماعي، وكذلك توفير الدعم اللازم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة للحفاظ على ديمومة عملها وحماية فرص العمل التي توفرها، وزيادة القدرة الشرائية للمواطن وإعفاء السلع الأساسية التي يحتاجها من الضريبة بهدف إنعاش الحركة الاقتصادية، وتفعيل القانون فيما يتعلق بتشغيل ذوي الإعاقة وحمايتهم من التمييز في فرص العمل.

وشدد تقرير بيت العمال على أنه في ظل عدم قدرة سوق العمل الأردني على استيعاب الأعداد الهائلة من الداخلين الجدد وبشكل خاص الجامعيين منهم، فقد آن الأوان للعمل بجد لإصلاح السياسات التعليمية للحد من زيادة معدلات البطالة بين فئة الجامعيين، والتوجه نحو تأهيل العمالة التقنية والفنية التي يفتقد إليها سوق العمل في كثير من القطاعات، وتفعيل التنسيق اللازم مع القطاع الخاص لرصد احتياجاته الحقيقية من التخصصات ومن البرامج التي تنسجم مع المتطلبات الفنية لأعماله، ووضع استراتيجيات وطنية شاملة تجمع بين السياسات والبرامج التعليمية من جهة، وسياسات وبرامج التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني من جهة أخرى، وهي إجراءات سوف تحد من العوامل التي تسهم في الزيادة المتوقعة في معدلات البطالة وتفاقمها وفقدان الوظائف بصورة تنذر بآثار سلبية على الأمن الاجتماعي.

ونظرا لأن المرأة العاملة ما زالت أكثر عرضة للصعوبات والانتهاكات وفقدان الوظائف، في ظل الانخفاض المزمن في نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية، فقد أوصى التقرير بأن يتم تفعيل تطبيق المعايير الدولية ذات العلاقة بعمل المرأة وحماياتها وحقوقها، والتفاعل بين الحكومة ومنظمات القطاع الخاص لتوفير متطلبات تعزيز وضع المرأة في سوق العمل، وتوسيع الخيارات المهنية لها، وإكسابها المهارات والتدريب اللازم، ورفع وعيها بفرص العمل المتاحة، وسياسات الأمان والحماية الاجتماعية، ونشر الوعي بحقوق المرأة العاملة لدى أصحاب العمل، وقواعد المساواة بين الجنسين، وتكافؤ الفرص في إجراءات التعيين والترقية والتدريب، وتفعيل آليات ميسرة ومحفزة لتطبيق أشكال العمل المرن، وتوفير بنية تحتية للعناية الاجتماعية للمرأة العاملة بجودة وكلفة مناسبة (خدمات ومرافق، وحضانات، ومواصلات…)

وعلى مستوى السياسات الاجتماعية أشار تقرير بيت العمال إلى ضرورة العمل على تطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الاجتماعية لأسر الأطفال العاملين الذين يتوقع أن يكون قد ارتفع عددهم إلى أكثر من مئة ألف طفل عامل بعد أن كان يبلغ عددهم قبل الجائحة يقرب من 76 ألف طفل عامل منهم ما يقرب من 45 ألف في أعمال خطرة، وكذلك المعرضون للانخراط في سوق العمل نتيجة الصعوبات التي يواجهها أرباب أسرهم، ودعم الأسر المعرضة للمخاطر الاجتماعية والنفسية وربطها بشبكات الأمان الاجتماعي وتعزيز دور المجتمع المحلي في تحسين ظروف الأسر المعرضة وحماية الأطفال المعرضين، وإعادة تأهيل الأطفال العاملين الذين تعرضوا لمشكلات اجتماعية أو نفسية ودمجهم في المجتمع وحمايتهم من الإساءة أو الإيذاء النفسي والجسدي أو العنف