مرايا – يتذكر الأردنيون جيدًا يوم كان جلالة الملك عبد الله الثَّاني ابن الحسين قائدًا للقوات الخاصة الملكية في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي. وقتها لم يكن ملكًا أو وليًا للعهد، لكنَّه غادر الوطن إلى قوات حفظ السَّلام الأردنية في كرواتيا، حيث أصاب لغم أرضي قائد القوة هناك المقدَّم المرحوم متعب الدَّبوبي، واصطحبه بطائرة خاصة إلى الوطن، واستقبلهم وقتها جلالة الملك الحسين بن طلال طيَّب الله ثراه.
هذا الموقف لم يكن الوحيد والنادر في تاريخ الملك، بل هو نهج يقترب به كل يوم مع أبناء شعبه ويحكم البلاد بمثل هذه الإنسانية، وعلى مدار سنة كاملة مرَّت من عمره المديد، لا يكاد يمر اليوم دون أن يكون هناك لقاء مع أبنائه في شتَّى الميادين، يتقفد أحوالهم، ويقدِّم لهم المساعدة، وينتصر لهم إن كان أي منهم تعرَّض لظلم، فهم يعلمون انَّه الملاذ الآخير والآمن بعد الله سبحانه وتعالى وضمن سيادة القانون التي يؤكد عليها جلالة الملك.
في الجنوب ومن العقبة ومع بداية الشِّتاء يوجه الملك بعد لقاء مع وجهاء المدينة بالتَّخفيف على السكان، وتجميد العمل بالضريبة المفروضة على الكاز، وينتقل للبترا ويزور مشاريع زراعية في الديسة وجمعية سيداتها، ويلتقي أبناء المجتمع المحلي، ويطلع على متحف البترا، وأحد المشاريع الانتاجية، ويوجه المسؤولين بالإرتقاء بالخدمات السياحية في المثلث الذَهبي: البترا ووادي رم والعقبة، وهو ما سينعكس إيجابا على أبناء الأردن الذين يسكنون تلك الاماكن.
الجمعة الحزينة يوم 16 من كانون الأول من العام الماضي 2022، فقد الأردن بها بسبب أحداث مؤسفة العميد عبد الرزاق الدَّلابيح، وكان جلالة الملك أول المعزين في بيت عزاء الشَّهيد، ومن هناك وعد بان ينال الجاني عقابه سريعا، ولن يتم السَّماح لأحد بزعزعة أمن البلاد والعباد، ثمَّ انتقل وزار المصابين في الحادثة بالمستشفيات، فهو القريب من أبنائه دائما.
في مخيم الشَّهيد عزمي المفتي كان أبناء المخيم يستقبلون الملك، والذي جاء وولي عهده الأمير الحسين للاطمئنان على أحوالهم وتفقدهم، ومن هناك أعلن الملك عن ضرورة توفير الدَّعم للأونروا، واستمرار الاهتمام الملكي بحاجات المخيم عبر المبادرات الملكية، وتوجيه الحكومة لحل كل المشكلات العالقة.
ويقترب الملك كل يوم من رفاق السلاح، وفي نادي ضباط إقليم الشَّمال، التقى عددا من المتقاعدين العسكريين، فهم الرفاق في الميدان وهم حراس هذه البلاد، استمع لمطالبهم، واقتراحاتهم ورأيهم في كل القضايا الوطنية، فالملك مستمع دقيق لكل ملاحظاتهم لثقته الكبيرة بهم.
وتفقد الملك محطة أوهيدة الزراعية في البادية الجنوبية، كان جلالته قد زارها بشكل مفاجئ قبل عامين وطلب وقتها بإعادة تقييم كل المحطات الزراعية في المملكة وإعادة تفعيلها، ويقدَّر الاستثمار في هذه المحطة بثلاثة ملايين و400 ألف دينار، ويتوقع أن يرتفع إلى 13 مليون دينار.
وزار الملك مدرسة إيل الثَّانوية للبنين في البادية الجنوبية وهي المدرسة المهنية الوحيدة هناك، وتخدم البترا والشوبك وأجزاء من معان، وتضم 112 طالبا في جميع الفروع و56 طالبا في الفرعين الأدبي والعلمي، وتقدِّم الإعاشة للقادمين من المناطق البعيدة، وبها سكن للطلبة يضم 84 غرفة.
وأعلن الملك من البادية الجنوبية عن إطلاق مبادرة لتخصيص 9 آلاف دونم من الأراضي الزراعية في البادية الجنوبية والوسطى والشمالية لإقامة مشروعات تخدم سكان المنطقة وتحسِّن من واقعهم المعيشي.
وفي كارثة انهيار مبنيين في منطقة اللويبدة كان جلالة الملك يوجه بتوفير العناية اللازمة للمتضررين وكل ما يحتاجون له، وكذلك الحال في قضية سقوط خزان غاز بأحد موانئ مدينة العقبة، وبهاتين الحادثتين يكون الملك كما هي عادته قريبًا من النَّاس ويقود العمل كاملًا ويصدر توجيهاته بشكل مباشر.
في السلط وفي بداية شهر أيلول يزور الملك النَّاس هناك ويتفقد مؤسَّسة إعمار السلط، وزار بيت جرير الأدهم الذي وصل عمر بنائه إلى 131 عاما، ثم افتتح مستشفى اللطرون العسكري ليكون صرحا طبيًا يقدم الرعاية للمواطنين وفق أعلى معايير الجودة ويخفِّف من آلامهم وأوجاعهم.
واستقبل الملك كعادته كل عام المتفوقين في امتحانات الثَّانوية العامة، وتبادل معهم الحديث عن تفوقهم وطموحهم المستقبلي، وزار منطقة أم الجمال وأكد أهمية إبرازها على الخريطة السياحية، والتقى شيوخ ووجهاء وأبناء البادية الشَّمالية ومن هناك وضعهم في صورة الأوضاع الدَّاخلية وحجم الضغط الاقتصادي الذي يواجه الأردن، وضرورة توفير الحلول لتجاوز هذا الضَّغط.
في مركز الحسين للسرطان كان الملك حريصا على ان يكون حاضرا في ذكرى مرور 20 عامًا على تأسيسه، والجهود التي يبذلها المركز لمواجهة مرض السرطان بكل تفاصيله القاسية، وهناك كان الملك يلتقي المصابين من كل الفئات وخاصة الأطفال.
ولا ينسى الملك أيضًا الأردنيين في بلاد الاغتراب، فيلتقي عددًا من الأطباء الأردنيين المتميزين خلال زيارته للولايات المتحدة الأميركية، مؤكدا فخره واعتزازه بهم، وبالقطاع الطبي الذي يحمل سمعة كبيرة ومتميزة في العالم أجمع.
وخلال شهر رمضان المبارك سنَّ جلالة الملك سُنَّة حميدة في كل شهر مبارك باستضافة أيتام على الإفطار، لتتجسد معاني الإنسانية بأن يكون الجميع حاضرًا في حياة الملك، وأنَّ الحقيقة الرَّاسخة للجميع أنَّ الملك لجميع النَّاس، ورمزيته عالية وكبيرة.
وفي أم قيس كان الملك يمشي في دروبها السياحية ويتفقد خدماتها ومستوى الخدمة فيها، ثم يلتقي وجهاء المنطقة ويحدثهم ويحدثونه عن كل ما لهم من قضايا وأفكار ومشاريع، ويرعى احتفال القوات المسلحة بذكرى معركة الكرامة واستذكار جنودنا البواسل الذين استشهدوا دفاعا عن هذه الأرض.
بداية شهر آذار الماضي زار الملك معان. وقتها طلب بالتعجيل في تنفيذ المشاريع الرَّأسمالية، ودعم المشاريع الانتاجية، وتخفيف وطأة الظروف الاقتصادية وتشغيل أبناء المحافظة، والاهتمام بها سياحيًا، وهي من بين زياراته الدَّائمة لمناطق الجنوب والشمال والوسط الأردني.
قصص الملك ولقاءاته مع النَّاس في كل مكان لا تنتهي عبر مسيرته الطويلة، وما كانت ذكرى ميلاده إلا تذكير بأنَّ الملك كان وما يزال على العهد مع الأردنيين في كل مكان، يلتقيهم ويسمع منهم، ولا ينتظر أن يسمع عنهم من أحد، فكان الملك والنَّاس على خط واحد في هذا الوطن.