مرايا –
تفاصيل قاسية كشفت عنها محكمة التمييز لقصة أم باعت رضيعتها غير الشرعية عام 2018 إلى زوجين لا ينجبان بنحو ألفين دينار، ففتحت الباب واسعاً للحديث عن ملف التجارة بالأطفال، فضلاً عن الإساءات التي يتعرضون لها ما بين قتل وتعذيب واستغلال جنسي.
وتعد ظاهرة التجارة بالأطفال مشكلة عالمية لكنها غير شائعة في الأردن على نحو مقلق للسلطات التي ترى أن الأمر لا يعدو مجرد حالات فردية، تنحصر أسبابها غالباً في الفقر والعوز والإنجاب خارج إطار الزواج الشرعي.
لكن ثمة جوانب أخرى لهذه الظاهرة من بينها الإساءة الجسدية التي يتعرض لها بعض الأطفال، كما أظهرت أحكام قضائية قبل أشهر، حين قضت بالسجن المؤبد على زوجين قتلا طفلهما بالتبني بطريقة وحشية وعبر تعذيبه بالماء الساخن.
وأشار الحكم الصادر عن محكمة الجنايات الكبرى إلى أن أردنياً وزوجته الأميركية قتلا طفلهما بالتبني والبالغ من العمر ثمانية أعوام بعد تعذيبه بالماء الساخن في حوض للاستحمام لمدة ساعات، حتى فارق الحياة عام 2021.
دولة ممر
لا توجد أرقام أو إحصاءات رسمية حول التجارة بالأطفال في المملكة، لكن هناك تقارير تشير إلى وجود حالات اختطاف الأطفال وتهريبهم خارج البلاد لأغراض الاستغلال الجنسي والعمل القسري، وهي حالات تمثل جزءاً من ظاهرة التجارة بالأطفال.
وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية لعام 2021 حول مكافحة الاتجار بالأشخاص، فإن الأردن يعد منطقة مرور ووجهة للتجارة بالبشر، إذ يتم استخدامه كممر لتهريب الأشخاص من بعض دول المنطقة، وأيضاً كدولة تعمل على استقبال المهاجرين واللاجئين، مما يجعلها عرضة لأخطار التجارة بالبشر.
وتشير تقارير المنظمات غير الحكومية والمنظمات الحقوقية إلى أن النساء والفتيات اللاتي يتم تهريبهن للاستغلال الجنسي والعمل القسري في الدعارة والمناطق الحدودية هي الفئة الأكثر عرضة لخطر التجارة بالبشر في الأردن.
بدورها تفيد الحكومة بأنها تحاول مواجهة هذه المشكلة بتطوير النظام القانوني وتشديد العقوبات على المتورطين في التجارة بالأطفال، وتوفير الحماية للأطفال المعرضين للخطر وتوفير الرعاية والدعم لهم ولعائلاتهم، فضلاً عن التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية، وتنظيم حملات توعية وتدريب للمجتمع المحلي في شأن أخطار التجارة بالأطفال وطرق الوقاية منها.
اللاجئون فريسة سهلة
على رغم أن الأردن قد اتخذ خطوات عديدة لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر عموماً، فإنها لا تزال تشكل تحدياً كبيراً، بسبب عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية بخاصة في صفوف اللاجئين السوريين الذين يعانون ظروفاً صعبة.
وتوضح الجهات المتخصصة أن سلعة هذه الظاهرة الجرمية هي فئة خاصة من البشر، لهم ظروفهم الخاصة من الفقر الشديد وعدم توفر فرص العمل والاختلافات الإقليمية والتفاوت الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والنزاع المسلح وفقدانهم الأمان الاجتماعي، لذلك يعتبر اللاجئون والمهاجرون فريسة سهلة بالنسبة إلى المتاجرين للإيقاع بهم، من خلال بعض المغريات من خلال وعود كاذبة أو استخدام التكتيكات القسرية والتلاعب بما فيها الخداع والترهيب وتظاهر بالحب والتهديد واستخدام القوة وغيرها.
هل تكفي القوانين والأنظمة؟
تعمل الحكومة بجدية على مكافحة الاتجار بالبشر، إذ تم إصدار قانون جديد عام 2018 يهدف إلى تعزيز الحماية للضحايا ومعاقبة المتورطين، كما تم تأسيس وحدة مكافحة الاتجار بالبشر في مديرية الأمن العام عام 2013، إضافة إلى وحدة أخرى داخل وزارة العمل.
يؤكد الخبير الحقوقي حمادة نجمة أن عدد جرائم الاتجار بالبشر لا يعكس الأرقام الحقيقية، لوجود ثغرات خلال التطبيق العملي للقانون، إضافة إلى وجود نقص في الموارد والتمويل اللازمين وبعض التحديات القانونية والقضائية والتحقيقية التي تزيد من صعوبة تنفيذ القوانين وتحقيق العدالة.
انضم الأردن إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة وحظر الاتجار بالبشر بخاصة النساء والأطفال، وأصدر قانوناً يشمل عديداً من أشكال الاتجار بالبشر كاستغلال الأطفال في جريمة التسول، لكن نسبة ملاحقة قضايا الاتجار بالبشر تعتبر منخفضة بسبب عدم وضوح التشريعات ذات العلاقة بهذه الجريمة، الأمر الذي يعوق وصول الضحايا إلى العدالة ويتسبب في إفلات الجناة من العقاب.
دور إيواء للضحايا
وعلى رغم وجود دور إيواء ضحايا الاتجار بالبشر بهدف تأهيلهم نفسياً واجتماعياً فإن عملية إنشاء دور إيواء متخصصة وفق المعايير الدولية لا تزال متعثرة وتراوح مكانها.
تؤكد وزارة التنمية الاجتماعية أن دور إيواء ضحايا الاتجار بالبشر تهدف إلى تأمين الحماية والإيواء الموقت للمجني عليهم والمتضررين، وتقديم الرعاية الاجتماعية والخدمات المعيشية والنفسية والصحية والإرشادية والثقافية والقانونية اللازمة.
من بين القصص المؤلمة التي تضمها دور الإيواء هذه ثلاث فتيات، هن سلمى وولاء وفرح، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 12 و13 سنة، وكن ضحايا للاتجار بالبشر في العراق والأردن من قبل الجاني نفسه، لكن لكل واحدة منهن قصة مختلفة، فقد بيعت إحداهن من قبل والديها ليتمكنا من تأمين لقمة عيش لباقي أفراد العائلة، بينما تم الاتجار بالفتاتين الأخريين بحجة إيجاد عمل لهما.
وعندما تم تهريب الفتيات الثلاث من قبل الجاني في العراق إلى جانٍ آخر في الأردن تحفظ الأخير عليهن في منزله، وأجبرهن على ممارسة الجنس مع زبائنه من طالبي المتعة وحرمانهن من أبسط حقوقهن.
في أحد الأيام أسفرت الممارسات الجنسية القسرية مع إحدى الفتيات عن إصابات خطرة نقلت على أثرها إلى المستشفى. وهناك تم إبلاغ وحدة مكافحة الاتجار بالبشر في الأردن، ثم تم اكتشاف الشبكة وإنقاذ الفتاتين الأخريين. وفي نهاية المطاف قررت الفتيات الثلاث بعد حصولهن على الرعاية الكاملة العودة إلى بلدهن العراق، ليبدأن صفحة جديدة من مرحلة جديدة في حياتهن تتسم بالأمل وحرية الاختيار والحق بالعيش الكريم.
وفي عام 2016 تم إنقاذ فتاة تبلغ من العمر 16 سنة من الاتجار بالبشر في مدينة إربد، تم اختطافها من منزلها في مدينة الزرقاء وبيعها لعائلة سورية في إربد، حيث تم اضطهادها واستغلالها جنسياً. أما في عام 2019 فتم إنقاذ فتاتين من الاتجار بالبشر، بعد اختطافهما من إحدى المناطق النائية في الفيليبين وبيعهما لرجل أردني، حيث تم استغلالهما جنسياً.