مرايا –
“التهجير خط أحمر”.. موقف أردني تكرر أكثر من مرة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ليصل الأمر إلى اعتبار الهجمات الإسرائيلية ضد غزة والضفة الغربية بمثابة “إعلان حرب” للمملكة، وفق ما أكده مسؤولون حكوميون.
والاثنين، قال رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة إن “أي محاولات أو خلق ظروف لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية خط أحمر وسيعتبره الأردن بمثابة إعلان حرب”.
وأوضح أن “كل الخيارات مطروحة على الطاولة بالنسبة للأردن في إطار الموقف المتدرِج في التعاطي مع العدوان الإسرائيلي على غزة وتداعياته”.
والأربعاء الماضي، قرر الأردن استدعاء سفيره لدى تل أبيب “فوراً” ورفض إعادة السفير الإسرائيلي إلى المملكة، على خلفية “الحرب الإسرائيلية المستعرة” على قطاع غزة.
التصريحات الأردنية الرسمية تدلل أن عمان تخشى من محاولات إسرائيل إفراغ الضفة وغزة من ساكنيها، وترحيلهم إلى أراضيها ومصر، ما يعني في محصلة الأمر تصفية القضية الفلسطينية، وضياع حل الدولتين الذي تنادي به المملكة في كل المحافل.
وبالرغم من التركيز الأردني على تلك الجزئية في أعقاب حرب غزة، إلا أنه سبق وأن أعلن رفضه المطلق بأن يكون “الوطن البديل” للفلسطينيين، بعدما جرى الحديث عن ذلك في إطار ما عرف بـ”صفقة القرن”، والتي عمل على ترويجها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ومنذ 32 يوما، يشن الجيش الإسرائيلي “حربا مدمرة” على غزة، استشهد فيها 10 آلاف و22 فلسطينيا، منهم 4104 أطفال و2641 سيدة، وأصاب أكثر من 25 ألفا آخرين، كما استشهد 160 فلسطينيا واعتقل 2150 في الضفة الغربية، بحسب مصادر فلسطينية رسمية.
وتعليقاً على الموقف الأردني، استطلعت الأناضول آراء عدد من المحللين، والذين أكدوا بأن مخاوف بلادهم “مبررة”؛ لما سيرتبه التهجير من “تهديد مباشر” على كينونة الدولة وتركيبتها.
**تهديد للدولة والهوية
محمد المومني، وزير الدولة لشؤون الإعلام الأسبق، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، أكد أن “الأردن لم يغلق يوما بابه في وجه الأشقاء العرب، وموقفه من تهجير الفلسطينيين لم يأت عبثاً”.
وقال إن “الرؤية الثاقبة للملك عبد الله الثاني، تنبأت بالمخططات التي تحاك ضد الأشقاء الفلسطينيين والأردن على حد سواء، فالتهجير يعني إفراغ الضفة وغزة من ساكنيها، على حساب المملكة ومصر بالمقام الأول، دون أدنى نظر لأبعاد ذلك”.
وخلال لقائهما في القاهرة، في أكتوبر الماضي، شدد الملك عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على أن “أي محاولة للتهجير القسري إلى الأردن أو مصر مرفوضة”.
وتساءل المومني: “كيف للأردن أن يقبل بذلك وهو يعلم الهدف منه؟”.
ومجيبا عن ذلك “بالتأكيد لن يكون ذلك، واعتبار المملكة أن ذلك بمثابة حرب هو أمر طبيعي، فالهدف المبطن هو جعل المملكة وطناً بديلاً للفلسطينيين، وبالتالي القضاء على إمكانية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وحل الدولتين، الذي يعد ثابتا للأردن وقيادته”.
وأردف: “تهجير الفلسطينيين أمر سيدخل الأردن في حرب بالفعل؛ لأنه تهديد مباشر للدولة والهوية”.
**خطر وجودي
من جانبه، اعتبر السياسي والدبلوماسي الأردني السابق موسى بريزات، أن “السياسيين الأردنيين لا يدركون الأهمية الاستراتيجية لما يجري في فلسطين وغزة، وما هو مخطط للشرق الأوسط، والمساعي الأمريكية لتحريمه على أي قوة دولية أخرى”.
وأضاف “الولايات المتحدة تنبهت أن دولا كبرى تبحث عن نفوذ بالمنطقة، فكان تدخلها بالأزمة الأخيرة في قطاع غزة بشكل وأسلوب مبالغ فيه، وترفض بشكل قاطع وقف إطلاق النار رغم بشاعة ما يحدث على مرأى منها، فالهدف المراد لم يتحقق”.
وتصر الولايات المتحدة على موقفها “الرافض” لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، معتبرةً أن “التوصل إلى وقف لإطلاق النار سيترك حركة حماس في مكانها، و(ستعيد) تجميع قواها، وتكرار ما قاموا به في 7 أكتوبر”، وفق ما قاله وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، عقب اجتماع عربي أمريكي بالعاصمة عمان، السبت.
وقال بريزات: “مع الأسف أن واشنطن حليفة المملكة هي من تقوم على هذا المخطط الذي يهدد الكيان الأردني والهوية العربية والإسلامية”.
كما بين أن “التهجير لو حصل، ماذا يملك الأردن لمنعه؟ لأن من لا يستطيع التأثير في مجريات الأحداث الحالية سيكون قد فقد خيارات المقاومة في الداخل الفلسطيني، والتي هي بالأساس خط الدفاع الأول ضد هذه المخططات”.
ومضى يقول: “هذا بالتالي سيحرم الأردن من خيارات المقاومة والتصدي لمخططات إسرائيل، والذي يعد التهجير واحدا منها”.
وبسؤاله عن خيارات تجاوز التهجير ومنع حدوثه، قال بريزات وهو المفوض الأسبق لحقوق الإنسان في بلاده: “يجب تحضير الشعب في جميع مناحي الحياة للمقاومة، ولا بد من إعادة الاعتبار له، وإطلاق حرية الرأي والتعبير والسماح بالعمل الحزبي الحقيقي وإعادة الإرادة للمجتمع ليهيئ نفسه بإشراف حكومة وطنية للاستعداد لهذا السيناريو الاستراتيجي الوجودي”.
وأكد بريزات “أن الحديث الأردني الرسمي باعتبار التهجير بمثابة إعلان حرب، يتطلب بناء موقف عربي قوي وتحضير القوات الدفاعية والتعبوية”.
“لأن هذا مصادرة لإرادة العرب وليس فقط للأردن، وممكن أن ما يحدث ويخطط ضد الشعب الفلسطيني نتعرض له نحن أو أي دولة عربية، بالنظر إلى التركيبة الديموغرافية”، يضيف المسؤول الأردني السابق.
واستشهد السياسي الأردني بمذكرات لمسؤول أمريكي أمني سابق (جورج تينيك مدير السي آي أيه الأسبق)، عندما قال إن “منطقة العالم العربي والشرق الأوسط تقبل تغيير الحدود وتهجير السكان من بلد إلى آخر”.
ودعا بريزات المسؤولين وأصحاب القرار في بلاده إلى أن يعيدوا النظر في تحالفات الأردن الدولية؛ للدفاع عن وجوده، على حد تعبيره.
**خيارات أردنية متعددة
محمد الخريشة، رئيس قسم العلوم السياسية بالجامعة الأردنية (حكومية)، قال بدوره إن “الأردن يرى الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو بإقامة دولتهم على أراضيهم المحتلة على حدود عام 1967”.
وأضاف “الأردن دخل عملية سلام مع إسرائيل عام 1994 على هذا المبدأ، وهو الأرض مقابل السلام، وأي تغيير في ذلك من خلال محاولات التهجير أو إفراغ الدولة الفلسطينية من سكانها، يعني أن المبدأ الذي قامت عليه معاهدة السلام قد تم الإخلال به”.
واستدرك: “بناءً على ذلك، يشعر الأردن أن أي محاولة أو عمل فعلي بهذا الاتجاه (التهجير) يعني إلغاء حالة السلام، وفيه نوع من التهديد المباشر للدولة الأردنية”.
ولم يستبعد الأكاديمي الأردني أن “يراجع الأردن موقفه من معاهدة السلام أو بعض بنودها، مثل إلغاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أو تخفيض مستوى التمثيل، وغير ذلك من الإجراءات الأخرى”.
وتوقع الخريشة أن تقوم بلاده بتلك الخطوة لسببين، وهما على حد قوله: “لا يمكن الاستمرار بمعاهدة السلام مع طرف يمارس سياسات تهدد الأمن الوطني الأردني وتهدد الدولة وهويتها ووجودها، والثاني أن المملكة دخلت بعملية السلام على مبدأ إقامة عملية سلمية مع الطرف الفلسطيني يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية، والذي يظهر بأن إسرائيل لا تلتزم به”.
وتتفاوت نسبة الأردنيين من أصول فلسطينية بالمملكة بين نحو 40 و60 بالمئة من إجمالي نحو 11 مليون نسمة، وفق إحصاءات غير حكومية.
ويوجد في الأردن 13 مخيما للاجئين الفلسطينيين، بنيت في مراحل مختلفة، وتضم بداخلها نحو 2 مليون شخص.
كما يوجد بالمملكة 1.3 مليون سوري نصفهم يحملون صفة “لاجئ”، فيما دخل الباقون قبل بدء ثورة بلادهم عام 2011 بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة.
فضلا عن 66 ألف لاجئ عراقي، و 14 ألف يمني، و 6 آلاف سوداني، إضافة إلى بضعة آلاف من جنسيات أخرى، بحسب تقديرات رسمية.