أمام محكمة أمن الدولة وقف 125 ألفا و765 متهما بجرائم المخدرات على اختلاف أنواعها خلال السنوات الأربع الأخيرة، ثبت إدانة 110 آلاف و425 شخصا منهم بالإجرام، بينهم ثلاثة استقدموا من أميركا الجنوبية البعيدة جغرافيا وزمانيا عن الأردن 314 كيلو من مادة الكوكائين لبيعها لضحاياهم ووجد منها في “رؤوس الأرجيلة” الخاصة بالتجار، فكانت يد العدالة لهم بالمرصاد وسجنهم 15 عاما.
على مدار 223 يوما بدأت يوم 25 من أيار 2023 وانتهت مع بداية شهر آذار من العام الجاري 2024، تم البحث في أروقة المحكمة وعلى محركات البحث القضائية الخاصة بقضايا المخدرات عن قصص النيل من تجار المخدرات والحائزين والمروجين لها حيث تبين لها أن محكمة أمن الدولة أدانت بين عامي 2020 – 2023 أكثر من 110 آلاف شخص بجرائم مخدرات تراوحت بين تجارة وحيازة وترويج، وبمتوسط إدانة لـ 75 شخصا يوميا في الأردن.
الأرقام اللافتة في جريمة المخدرات تشير إلى أن تجار المخدرات والحائزين والمروجين لها يحاولون إغراق المجتمع بكل الأنواع حتى لو استدعى ذلك القتل من أجل المال الأسود وهو ما كلف الاردن الكثير من الجهد والتضحيات.
خلال 4 سنوات تم ايجاد 110 آلاف و425 مدانا بجرائم مخدرات حملوا وأخفوا 26 مليونا و336 ألفا و 380 حبة مخدر و 19 ألفا و 143 كيلوغراما من الحشيش و 329 كيلوغراما من الكوكائين المخدر و91 كيلوغراما من الحشبش الصناعي و 684 كيلوغرام ماريجوانا مخدرة، وكانوا يحلمون بأن يكون مصير هذه المخدرات في أجساد ضحايا.
وبعد تتبع طريق تجار المخدرات بدءا من ضبطهم من قبل الأجهزة الأمنية المختصة وصولا إلى النيابة العامة التي تمثل الخصم الشريف والباحثة عن حق المجتمع والناس في الحماية، وفي المقابل وكلاء الدفاع عن المتهمين بهذه القضايا وصولا إلى القرار الفصل من هيئة محكمة أمن الدولة والتي تختص بالنظر في هذه القضايا التي تشكل خطرا جسيما وكبيرا على أمن الأردن وسكانه، وتبين أن الأعوام الممتدة بين 2020 وحتى تاريخ 13 شهر شباط من العام الحالي (2024)، نظرت المحكمة في 83 ألفا و 515 قضية مخدرات بواقع 20 ألفا و878 قضية كل عام.
وأصدرت هذه المحكمة أحكام إدانة بحق 110 آلاف و 425 شخصا بجرائم مخدرات بين عامي 2020 – 2023 من أصل 125 ألفا و765 متهما، حيث بلغت نسبة المحكومين بالإدانة خلال هذه السنوات 92 بالمئة، ووصلت الأحكام بالسجن حتى 30 عاما، والإعدام في القضايا التي أفضت إلى موت إنسان.
ملفات القضايا التي شملها التحقيق بينت وجود 83 ألفا و 515 قضية مخدرات بين عامي 2020 – 2023 توزعت على النحو التالي: 20 ألفا وقضية واحدة في العام 2020 أدين فيها 27 ألفا و885 شخصا، و 19 ألفا و122 قضية في العام 2021 أدين بها 26 ألفا و473 شخصا، و 18 ألفا و282 قضية في العام 2022 أدين بها 24 ألفا و8 أشخاص، و 22 ألفا و 972 قضية في العام 2023 أدين بها 32 ألفا و 59 شخصا.
وخلال الفترة الممتدة بين عام 2020 ولغاية 13 شهر شباط 2024 بلغ عدد المتهمين عام 2020 نحو 29 ألفا و665 متهما أدين منهم 94 بالمئة، وعام 2021 بلغ 28 ألفا و775 متهما أدين منهم 92 بالمئة، وعام 2022 وصل عدد المتهمين إلى 27 ألفا و282 متهما أدين منهم 88 بالمئة، وخلال العام 2023 بلغ عدد المتهمين 35 ألفا و230 متهما أدين منهم 91 بالمئة، وخلال أول 46 يوما من العام 2024 بلغ عدد القضايا المنظورة أمام محكمة أمن الدولة 3 آلاف و138 قضية متهم بها 4 آلاف و813 شخصا.
وشهد العام 2020 ضبط 2079 كيلو غراما من مادة الحشيش و 48 كيلو غراما من الكوكائين و91 كيلو غراما من الحشيش الصناعي و14 مليونا و80 ألفا و380 حبة مخدر و273 كيلوغراما من الماريجوانا، وفي العام 2021 تم ضبط 3509 كيلو غرامات من الحشيش و10 كيلو غرامات من الكوكائين و127 كيلو غراما من الماريجوانا و3 ملايين و256 ألف حبة مخدر، وفي العام 2022 تم ضبط 7313 كيلوغراما من الحشيش و130 كيلو غراما من الكوكائين و 165 كيلو غراما من الماريجوانا و7 ملايين حبة مخدر، وفي العام 2023 ضبط 6242 كيلو غراما من الحشيش و141 كيلو غراما من الكوكائين و119 كيلو غراما من الماريجوانا و 2 مليون حبة مخدر.
وتبين أن قضايا المخدرات المفصولة بالحكم بالأشغال المؤقتة لمدة 10 سنوات فأكثر من تاريخ الاول من شهر كانون الثاني عام 2023 وحتى 21 من شهر آذار الجاري 2024 بلغ 180 قضية، وقضيتان كان الحكم بهما أشغالا مؤبدة، بينما لم تشهد هذه الفترة الحكم بالإعدام في أي من هذه القضايا.
أبرز هذه القضايا تلك التي قام بها 3 تجار مخدرات بنقل 314 كيلو غراما من مادة الكوكائين المخدر من كولومبيا في أميركا الجنوبية ومعها كميات من الحشيش والأمفيتامين المخدر وبدأوا بنقلها إلى ضحاياهم أولا بأول لكن الأجهزة المختصة استطاعت من القبض عليهم وإيداعهم لمحكمة امن الدولة ونيابتها حتى صدر الحكم بحقهم.
في المحكمة كانت الوقائع كلها ثابتة وتدل على أن المدانين تربطهم علاقة صداقة واتفقوا على استيراد كميات كبيرة من الكوكائين المخدر من أميركا الجنوبية لغايات الاتجار بها، ومن أجل التغطية على جريمتهم تواصلوا مع شركة أجنبية عن طريق البريد الالكتروني لغايات استيراد 3 حاويات تحتوي على مواد أولية وحبيبات لصناعة الزجاج والمواد البلاستيكية لكن احدى هذه الحاويات كانت مليئة بالكوكائين المخبأ بين البضاعة التي كانوا ينوون استيرادها.
واستطاع المدانون استيراد هذه المواد وكان حجمها 314 كيلو غراما من الكوكائين المخدر وتم التخليص عليها وإدخالها إلى الأردن عبر ميناء العقبة ونقلها إلى عمان لكن صحوة الأجهزة الأمنية حالت دون مرور مخططهم وبيع هذه الكميات وألقت القبض على المتهمين بها، وضبط 7 شوالات بداخلها 280 مكعبا كل مكعب يحتوي مادة بيضاء من الكوكائين المخدر واعترفوا بجرمهم.
وطبقت المحكمة القانون على أفعال المتهمين ووجدت أن النيابة العامة أسندت للمتهمين جميعا تهمة استيراد مادة مخدرة بقصد الاتجار بالاشتراك والاتفاق بين شخصين أو أكثر لتداول بالمخدرات وبصرف النظر عن جنسية المشتركين، وممارسة عصابة لأنشطتها بتهريب المواد المخدرة عبر أقاليم عدة دول باتفاق منظم بينهم ولكل منهم دور واضح ونشاط مستمر.
هذا وتستمع المحكمة في كل قضية لكل الأطراف من متهمين وشهود ونيابة عامة وتزن البينات ثم تطبق القانون وتصل إلى أركان وعناصر الجناية المادية والمعنوية وهي العلم والإرادة والقصد الخاص والمتمثل بالاتجار، ليثبت للمحكمة كل هذه العناصر في قضية الكوكائين القادم من أمريكا الجنوبية بأن حجم الكمية كبير، وطريقة إخفاء المواد المخدرة بطريقة يصعب اكتشافها، والآلية التي اتبعها المدانون في عملية الاستيراد، واعتراف اثنين منهما بالاشتراك باستيراد هذه المواد.
بعد أن أتمت المحكمة الاستماع لكل الأطراف ودققت في كل حرف في ملف القضية الضخم، خلصت الى أن الأعمال التي ارتكبها المدانون في القضية هي أعمال بالغة الخطورة وكمية المخدرات الكبيرة جعلتها لا تأخذ بالأسباب المخففة والتقديرية بحقهم وقررت بالإجماع تغييبهم في السجون وسلب حريتهم جزاء بما فعلوا وارتكبوا بحق المجتمع، فنال المدان الأول والثاني والثالث عقوبة السجن لمدة 15 سنة وتغريمهم مبلغا ماليا قيمته 60 ألف دينار بواقع 20 ألف دينار لكل واحد منهم.
وصادرت المحكمة جميع المواد المخدرة المضبوطة والموازين الالكترونية والخلاطات وكامل تفرعاتها وملحقاتها والهواتف الخلوية وكامل المضبوطات في القضية.
الأردن تنبه باكرا لمواجهة خطر المخدرات وتأثيرها على المجتمع فتم انشاء اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية استنادا الى المادة 31 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 23 لسنة 2016 وحددت مهامها برسم السياسة العامة لمكافحة انتشار المواد المخدرة والمستحضرات والمؤثرات العقلية والسلائف الكيميائية ووضع الخطط اللازمة لتنفيذها، وصياغة حملات للتوعية بمخاطرها وتبعات التعامل غير المشروع بها من النواحي كافة.
وتم رصد آخر المستجدات على هذه الاستراتيجية وتبين تطوير الاستراتيجية وفقا للنهج المستحدث على المستوى الدولي، بإضافة محور تخفيف الآثار السلبية والتعافي إلى محور الاستراتيجية الرئيسية المتمثلة بالمكافحة وخفض الطلب والوقاية، والانتهاء من إعداد الخطط والبرامج والأنشطة المنبثقة عن الاستراتيجية والتنسيق مع الجهات الفاعلة كافة على المستوى الوطني والدولي.
وتشكل مكتب تنفيذي يعنى بتنفيذ قرارات اللجنة ومتابعة شؤونها وتنفيذ الزيارات الميدانية واعداد الخطط التنفيذية وصياغة حملات التوعية واعداد تقارير دورية حول هذه الآفة وسبل مكافحتها.
وبناء على التوجيهات الملكية بصياغة خطة وطنية للوقاية من آفة المخدرات وحماية المجتمع من آثارها السلبية فقد بادرت اللجنة برئاسة النائب العام لمحكمة أمن الدولة بالمشاركة في الجهود المتعلقة بذات المضمون واعتماد الخطة الاستراتيجية للوقاية من المخدرات التي تم تعميمها من خلال وزارة الداخلية.
وقامت اللجنة من خلال المكتب التنفيذي بعدة برامج أبرزها، العمل جار لانشاء مركز متخصص لعلاج حالات الادمان في فئة الأحداث والنساء، ويعمل صندوق مكافحة المخدرات برئاسة النائب العام لمحكمة أمن الدولة/ مدير القضاء العسكري بالمساهمة بدفع نفقات وتكاليف المعالجة لفئة الأحداث المدمنين بشكل خاص، وإنشاء قاعدة بيانات متخصصة بالاحصاءات المختلفة يتم اعتمادها كمرجعية.
وطورت المحاكم العسكرية ومحكمة أمن الدولة من إجراءاتها القضائية بما يتواءم وقانون الأحداث رقم 32 لسنة 2014 وتعديلاته والمعايير الدولية لعدالة الأحداث بشأن قضايا المخدرات بتعيين مدعي عام الأحداث لدى محكمة أمن الدولة، ومدعي عام مختص بالتحقيق مع الأحداث مرتكبي جرائم المخدرات لدى إدارة مكافحة المخدرات، وتخصيص هيئة لدى محكمة أمن الدولة للنظر بقضايا المخدرات المرتكبة من قبل الأحداث، وتعيين قاضي تنفيذ حكم لدى محكمة أمن الدولة حيث يباشر صلاحياته وفقا لمقتضيات قانون الأحداث.
وقبل نحو عام وتحديدا في شهر أيار من العام الماضي أكد جلالة الملك عبدالله الثاني تقديم الدعم الكامل للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي ولإدارة مكافحة المخدرات، بما يمكنهما من التصدي لعصابات المخدرات المحلية والإقليمية، والضرب بيد من حديد لكل من يهدد أمن الأردن الوطني والإقليمي.
وشدد على أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية أثبتتا دوما كفاءة وقدرة عاليتين في الدفاع عن أمن الأردن، وما زالتا مستمرتين بالتصدي لعصابات المخدرات المحلية والإقليمية.
ووجه جلالته إلى صياغة استراتيجية وطنية وقائية شاملة تشترك بها الجهات ذات العلاقة كافة، تهدف لنشر ثقافة مجتمعية وتوعوية من المخدرات تساهم في إشراك المجتمع بمكافحتها وتلافي آثارها المدمرة على المجتمع والفرد.
وقبل أيام أطلقت مديرية الأمن العام الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات والتي جاءت تنفيذا للتوجيهات الملكية بعد تشكيل لجنة عليا انبثق عنها عنها لجان فنية من كوادر الأمن العام لصياغة هذه الاستراتيجية بالشراكة مع جهات رسمية وأهلية ومؤسسات مجتمع مدني.
وبينت مديرية الامن العام أن الاستراتيجية تهدف إلى توحيد الجهود حول نهج شمولي تشاركي، تتكامل فيه الأدوار ضمن استراتيجية عمل واحدة مع جميع المؤسسات المعنية نصل من خلالها إلى تحقيق أهداف عدة من بينها بناء ثقافة رافضة للمخدرات، إضافة إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي بخدمات العلاج من الإدمان وإدماج المتعافين.
وترتكز الاستراتيجية على هدفين رئيسيين؛ الأول، رفع مستوى الوعي بآفة المخدرات والذي ينبثق عنه أهداف تشغيلية من أهمها تعزيز دور الأسرة والمؤسسات التعليمية واستثمار دور وسائل الإعلام في التوعية إضافة إلى دور المؤسسات الدينية ومؤسسات المجتمع المدني بشكل عام، أما الثاني فيتناول نشر ثقافة إعادة تأهيل المدمنين وإعادة دمجهم في المجتمع، مشددا على الدور الوطني المهم لوسائل الإعلام في هذا المجال.
وتتضمن الاستراتيجية برامج وأنشطة علمية وعملية من أبرزها إعداد دليل تثقيفي يشمل مهارات الوالدين للتعامل مع اليافعين للحد من عوامل الخطر، ودليل موحد لتثقيف الطلبة، وتمكين الهيئات التدريسية والكوادر الإدارية في المؤسسات التعليمية، وبناء قدراتهم في مجال التوعية مع بيان دور المرشدين الاجتماعيين في المدارس كافة، وتنظيم المسابقات، وإطلاق المبادرات وإدخال البرامج التوعوية ضمن التجمعات الشبابية، وإنشاء الأفلام التوعوية وتفعيل دور الصحافة والإعلام وتأهيل الوعاظ والخطباء والتوعية الأسرية بالكشف المبكر والتوعية بقانون المخدرات.
التشريعات الخاصة بمواجهة المخدرات في الأردن تحمل عدة أوجه منها تشريعات وقائية ومنها عقابية جزائية وتتدرج في العقوبات والحلول لمواجهة هذه الآفة الخطيرة، ففي العام 1988 كان أول التشريعات الخاصة بالمخدرات وحمل اسم قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 11 لسنة 1988 وهو غير ساري المفعول حاليا وتضمن 33 مادة قانونية، وألغى هذا القانون قانون العقاقير الخطرة لسنة 1955.
وعاد الأردن وأصدر قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 23 لسنة 2016 وتضمن 40 مادة قانونية، وألغى هذا القانون العمل بقانون رقم 11 لسنة 1988 والخاص بالمخدرات والمؤثرات العقلية، وأصدر عام 2019 نظام رقم 17 لصندوق مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتكون من 10 مواد، وخلال العام 2017 تم إصدار نظام اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 1 وتضمن 7 مواد قانونية.