مرايا – عُمر كُلّاب  – كانت ظلال جائزة تمبلتون تفرض ايقاعها على الوفد الاعلامي المغادر الى واشنطن مع بواكير الندى ، فقبِل الوفد برغبة أن يكون النصراني فادي حجازين اميرا للوفد ، اذعانا للسنة النبوية التي تأمر ان يتولى أمر ثلاثة فما فوق امير منهم ، فكان فادي حجازين النصراني الكركي هو ذاك ، هي صدفة ام انها ترتيب التركيبة الاردنية المجتمعية التي عبرت بنا الاقليم الصعب والنتوء الذي فرضه الجوار الصعب ، ربما هي كل ذلك ، وربما هي تعبير فطري للدفاع عن النفس ، بعد ان رأينا حجم تشظي المجتمعات المجاورة الشقيقة وغير الشقيقة .

كانت المسافة قاسية وثقيلة ، وكانت الطائرة تتعمد ان تمنحنا فرصة التغلب على توزيعنا بغير عدالة على المقاعد الكثيرة ، لكنها سمحت بالتنقل بين المقاعد ، تارة لحوار سريع وتارات لقفشات بين الوفد الذي غافل النوم بعض افراده باستثناء العزيز محمد خروب الممسك على كتابه بالنواجذ رغم كل التحرشات التي قدتها بمعية الدكتور حسن البراري دليل الرحلة في واشنطن وضواحيها ، الا انها فشلت في استثارته كما كان الفشل حليفنا في ايقاظ صلاح العبادي وابراهيم غريبة ، ورغم هدوئه الطاغي الا اننا نجحنا في جذب حسين الرواشدة الى عالمنا انا وحسن البراري ، والرواشدة يمتلك شقاوة تحتاج الى استثارة حتى تظهر.

كان الفرح زوادة الوفد للتغلب على الساعات التي تشابه التوقيف القسري ، لكن الزنزانة كبيرة ومكتظة وخدماتها اكثر كرما ، وللانصاف فإن الجائزة كانت حاجة وضرورة ، حاجة لمجتمع إنجرح وجدانه بحادثة البحر الميت وسيول الجنوب وضرورة لمجتمع كبير ظلت زعاماته تحصل على جوائزها عنوة وقسرا من مؤسسات المجتمع العربي وجامعاته ، وهو مجروح ايضا بالتشظي وغياب كل موجبات المنافسة على المستوى الانساني ، فنحن اضفنا الى القسوة والقمع في سنوات الدولة العربية الرسمية اكثر من كل ما اضافته المجتمعات الكونية بعد مرحلة الحرب العالمية الثانية .

عناء وارهاق ثم وصول الى مدينة شيكاغو تمهيدا للصعود على طائرة شعرنا لحظة ركوبها بالغربة ، فكل ملاحظاتنا على ناقلنا الوطني تسقط امام لحظة اغتراب على خطوط غريبة ، على الاقل هذا احساسي الشخصي وهذا ما لمسته بعد ان صمتنا جميعا ولم نتحرك في ممرات الطائرة ، بل لم نتبادل الحديث والشغب ، ولعل هذا ينقلنا الى الاجابة على سؤال منهجي ، لماذا يلتزم الاردني في الغربة بكل المعايير والقوانين ولماذا يتجاسر على القانون وحتى الحقيقة في الاردن ؟ اظنها شكل من اشكال العلاقة الغريبة بيننا وبين الدولة والجغرافيا الاردنية التي قبلتنا كما نحن دون خذلان وتخاذل ، فتجرأت علينا وتجرأنا عليها ، فكل اردني له بصمة في الدولة والدولة احتضنت الجميع دون تمييز .

كان الوصول الى واشنطن سلسا والحصول على الغرف في الفندق الذي حمل اسم اشهر فضيحة سياسية في المجتمع الامريكي اكثر سلاسة ، فشباب الديوان جاهزون دوما ويعملون دون ملل ، ولعل ما قام به الشاب اسامة سلامة يعجز فريق عن القيام به ، فهذا الشاب دينمو لا يكل ولا يمل ، وقادر على استيعاب الجميع بطيبة ومودة ، وجاهز لمتابعة اي أمر ، وكان الصباح في الواشنطن بوست الصحيفة العريقة ، التي تتحرك بصخب منضبط ، فالاداء الاصخب لها في الحياة السياسية الامريكية والخارجية مضبوط على توقيت مصالح الصحيفة وحساباتها السياسية وتلك قصة أخرى .

لكن الحوار مع محرر الشؤون الخارجية كان خشنا ، بحكم خشونة مواقفه حيال الاردن ، فتولى حسن البراري واية علقم الرد على النار بالمثل ، واسعفني البراري بالترجمة السياسية لسؤال استنكاري عن فحوى مواقف الصحيفة والتزامها بالموضوعية والمهنية التي جلدنا الصحفيون الغربيون بها ، فقصة خاشجقي سلعة سياسية وليست موقفا نزيها بالقطع ، بدليل عدم حصول هذه التغطية مع اغتيالات سابقة في سفارات كثيرة ، كانت الوشنطن بوست باكورة النشاطات ، وفاتحة زيارة تستأهل الكتابة اكثر وهذا ما سيبدأ منذ الاحد ، فقصة الجائزة وتفاصيل حفلها تستحق الكثير .