مرايا – أُجبِرَ عامر عدي على ركوب طائرة، ولم يكن يملك سوى ملابسه التي يرتديها وأقل من 300 دولار في محفظته، ثم رُحِّلَ إلى الأردن، البلد الذي تركه منذ 39 عاماً من أجل ملاحقة حلمه الأميركي.
جلست والدة عدي، البالغة من العمر 94 عاماً عند بوابة الوافدين، على الكرسي المتحرك، وقد غلبتها المشاعر بينما تنتظره، فهي لم تره منذ 20 عاماً، وفق ما ذكرت شبكة CNN الأميركية.
بمجرد أن خرج، صاح أشقاؤه وأبناؤهم وبناتهم وسرعان ما بكوا جميعاً.
خرَّ عدي على ركبتيه مُحطَّماً بين ذراعي والدته.
أخبر عدي شبكة سي إن إن الأميركية بالمطار: “تنتابني مشاعر مختلطة ومتضاربة للغاية. أنا سعيدٌ، سعيدٌ للغاية لكوني هنا، لعودتي إلى موطني ورؤية والدتي وأخي وعائلتي وأصدقائي، وهذا ما يجعلني أشعر بالسعادة والفخر”.
“ما حدث كان ظلماً”
وتابَعَ عدي: “في الوقت نفسه، أشعر بالحزن الشديد لما حدث لي. وأنا آسف جداً لأقول إن ما حدث كان ظلماً وليس صائباً، وكل شخص هناك يعلم ذلك. فما تفعله إدارة دونالد ترامب هو أمرٌ تعجز عن شرحه حتى”.
عاش عدي في الولايات المتحدة لمدة تناهز 40 عاماً. وهو متزوجٌ من مواطنةٍ أميركية وبناته الأربع يحملن الجنسية الأميركية أيضاً. يملك الكثير من المشروعات في موطنه الذي اختاره بمدينة يونغزتاون بولاية أوهاويو. وقد رُحِّلَ منذ أسبوع.
كانت حياة عدي عبارة عن صراع قانوني لمدة أكثر من 20 عاماً. لكنه تمكَّن من البقاء في أميركا بفضل مساعدة أحد أعضاء الكونغرس بولاية أوهايو. وقد تغيَّر كل ذلك عندما تولَّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئاسة العام الماضي، ووضع إجراءاتٍ صارمة ضد الهجرة.
وبمجرد أن تولى ترامب الرئاسة، دعا إلى إجراء إصلاح شامل لنظام الهجرة، كما وكَّلَ السلطات الفيدرالية لتكثيف عمليات اعتقال المهاجرين غير الشرعيين وترحيلهم.
ومنذ تولى ترامب منصبه، زادت عمليات اعتقال المهاجرين بنسبة 42%، حسبما صرَّحَت به هيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والديوان، التابعة لوزارة الأمن الداخلي الأميركية.
الصراع القانوني
كان عدي في الثمانينيات يحمل بطاقة خضراء، لكنه فَقَدَ إقامته الدائمة في بداية التسعينيات عقب انتقاله مع زوجته للعيش في البرازيل لمدة 3 أعوام. وعند عودته، حاول التقديم للحصول على بطاقة جديدة، ولكنه قوبل بالرفض.
اتهمه مسؤولو الهجرة بالزواج الصوري من زوجته الأميركية السابقة.
وكانت زوجته السابقة قد وقَّعَت على إقرارٍ يزعم تزييف الزواج. وحسبما قال عدي ومحاميه والعديد من المقابلات الإعلامية التي أُجريت مع زوجته، إنها اضطرت إلى إصدار هذا الإقرار وتوقيعه بعدما أتى المسؤولون عن شؤون الهجرة إلى منزلها.
وفي عام 2007، وقَّعت على إقرارٍ بسحب الإقرار الذي أجرته، نافيةً أن الزواج كان مزيفاً.
وعلى الرغم من هذا الإقرار، لم يتمكَّن عدي من أن يحظى بوضعٍ قانوني. وفي عام 2009، صدر أمر ترحيله.
“دعامة” للمجتمع
ويصف تيم ريان، عضو الكونغرس بولاية أوهايو، عدي بأنه أحد “دعائم” مجتمعهم، إذ إنه يخلق فرص عمل بفضل مشروعاته المُتعدِّدة، إلى جانب توزيعه المئات من الديوك الرومية على الفقراء في يوم عيد الشكر.
وعلى مدار سنوات، كافح العضو الديمقراطي في الكونغرس من أجل إبقاء عدي في أميركا، وبفضل جهوده المبذولة، أُمِّنَت إقاماته التالية في الولايات المتحدة من أمرِ الترحيل.
وصرَّح ريان في مقابلة مع سي إن إن: “إن استطعت رؤية مدى الدعم الذي يحظى به هذا الرجل المحترم، سواء من عضو الكونغرس الكاثوليكي الإيطالي الأيرلندي، أو من السيدة الإفريقية الأميركية الجمهورية الخمسينية، أو من العاملين في متجره الذين رأيتهم في ذلك اليوم الذين ظنوا أنه سيُرحَّل فيه… والدعم الذي يقدمونه له”.
ومن ضمن مشروعات عدي، هناك حانةٌ للنرجيلة ومحل وجبات سريعة ومحل بقالة.
وأضاف ريان: “هذا الرجل يعمل لديه محام يهودي نجا والده من الهولوكوست… أسهم هذا الرجل في لم شمل هذا المجتمع بمدينة يونغزتاون بولاية أوهايو”.
على الرغم من أن أمر الترحيل صدر في عام 2009، لم تنفذه هيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والديوان في ذلك الوقت. وبدلاً من ذلك طُلِبَ منه التسجل مع الوكالة روتينياً، الأمر الذي كان يواظب عليه، حسبما قال محاميه ديفيد ليوبولد. في عام 2013، قدَّمَ ريان مشروع قانون خاص إلى الكونغرس، وهو بمثابة تشريع خاص لشخص، ولا يؤثر على السياسة العامة، ومن شأنه أن يسهم في إجراء عرض شامل لقضيته. ومنذ ذلك الحين قدَّمَ المشروع عدة مرات.
مشروع القانون الخاص
إن وضع مشروع القانون الخاص قيد التنفيذ يعني أن عدي قد مُنِح إقامة لمدة عامين. وحسبما صرَّحَ ريان فإنه على الرغم من حكم ترامب، قلَّلَت هيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والديوان مدة البقاء قبل الترحيل إلى ستة أشهر.
وحسبما قال محامي عدي، وضع المكتب الميداني لهيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والديوان لعدي، في سبتمبر/أيلول الماضي، رباط كاحل مُثبَّت فيه جهاز جي بي إس لتتبُّع موقعه. ثم طُلِبَ منه الانتهاء من إجراءات مغادرة الولايات المتحدة.
في بيانٍ لسي إن إن، قالت هيئة الإنفاذ إنه بإمكانه العودة فقط في حالة التصديق على القانون.
ونصَّ البيان على “أنه في حين أن هيئة الإنفاذ تعترف بأن سلطة الكونغرس تقر على التشريعات التي تقدم استحقاقات الهجرة لغير المواطنين، فإن المستفيدين الأجانب لا يحتاجون إلى البقاء في الولايات المتحدة لتقديم قانون خاص لتسهيل الهجرة أو النظر فيه أو سنه. إن الأجنبي الذي يحصل على ذلك التسهيل من خلال سن قانون الهجرة الخاص يمكنه العودة إلى الولايات المتحدة بشكل قانوني”.
وعقب إجراء عرض شامل لقضية عدي، قالت هيئة الإنفاذ في البيان إنها اختارت عدم منحه فترة بقاءٍ قبل الترحيل.
وعلى مدار العقد السابق “خضعت قضية هجرة عدي لعرضٍ قضائي شامل على مستويات عديدة من المحاكم الوطنية، منها المحاكم المختصة بشؤون الهجرة ومحاكم الاستئناف الفيدرالية ومحكمة الولايات المتحدة الإقليمية. وفي كل عرض، كانت المحاكم ترى أن عدي ليس لديه أساس قانوني للبقاء في الولايات المتحدة”، حسبما ورد في بيان هيئة الإنفاذ.
عايش عدي الأشهر السابقة القليلة مجموعةً من العواطف المُتقلِّبة، منتظراً أمر الترحيل وسط الحملة المكثفة ضد الهجرة غير الشرعية عبر الولايات المتحدة، التي تُشكِّل جزءاً من موقف إدارة ترامب بخصوص القضية.
قرَّرَ عدي وزوجته الثانية، فداء، وهي مواطنةٌ أميركية، مغادرة الولايات المتحدة على حسابهما الخاص، في بداية شهر كانون الثاني 2018. فباعا منزل العائلة واستعدا لتوديع الجميع.
وصرَّح محامي عدي لسي إن إن: “إن وكلاء هيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والديوان كانوا سيلتقون به في المطار، ليزيلوا عنه رباط الكاحل قبل أن تقلع رحلته. وفي 4 يناير/كانون الثاني، قالت الهيئة إنها ألغت تاريخ المغادرة، وإنه يجب ألا يغادر في الموعد المحدد فيما لم يُحدَّد موعد جديد”.
لكن حسبما قال ليوبولد، فقد طُلِبَ من عدي بدلاً من ذلك تقديم تقرير للمكاتب الرئيسية المحلية لهيئة الإنفاذ، في تاريخ 15 يناير/كانون الثاني، كفحصٍ روتيني لمناقشة قضيته. وصاحَبَ عدي العديدُ من الداعمين له، مثل ريان، ولكنه احتُجِزَ دون ذكر أي سبب.
ولم يتمكَّن عدي من رؤية عائلته قبل صعوده على متن الطائرة المتجهة إلى عمان، في 30 يناير/كانون الثاني.
زيادة 40% في نسبة الاعتقالات
ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش، أنه على مدار الأعوام السابقة اعتقلت هيئة الإنفاذ مئات الآلاف من الأشخاص، في حين الكثير منهم، مثل عدي، متأصِّلون بعمقٍ في مجتمعاتهم وليس لديهم أي إدانات.
وفي ظلِّ إدارة ترامب، اعتُقِلَ الكثير من المهاجرين غير الشرعيين، في حين تخلَّفت معدلات الترحيل عما كانت في عهد إدارة أوباما.
وفي العام الماضي، قال توماس هومان، المدير المفوض لهيئة الإنفاذ لشؤون الهجرة والديوان، إنه في ظل إدارة ترامب يجب أن يكون المهاجرون غير الشرعيين “خائفين”، موضحاً أن أي شخص ينتهك القانون يجب أن يظل مرتبكاً. وأوضحت الهيئة أنها إلى جانب إيلاء الأولوية للمجرمين، فهي تمنح المهاجرين غير الشرعيين الذين صدرت بحقهم أوامر ترحيل نهائية الأولوية أيضاً، ولا تنظر لأي شخص على أنه معفى من الاعتقال أو من أن يخضع لإجراءات الترحيل.
وقال ريان: “لا أعتقد أنه يوجد شك أن هذا هو الوضع الطبيعي الجديد… فمشاهدة هذه الأسر تُشرَّد هو الأمر الأكثر تحطيماً للقلوب، الذي يمكن أن يراه أي مواطن أميركي… ودعمك لتلك الأسر لا يعني تفريطك في الحفاظ على حدودٍ آمنة”.
وأضاف: “أنا أدعم تقديم حل إنساني للأشخاص الصالحين الراغبين في المشاركة في الحلم الأميركي، والذين أسهموا في بناء هذه المدينة لمدة 40 عاماً، إلى جانب انتمائهم الأميركي بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.
بعد أيامٍ من وصول عدي إلى عمان، التي أصبح بالكاد يعرفها الآن، ظلَّ في حالةٍ من الصدمة والإنكار.
وصرَّحَ عدي، الذي اجتاحته المشاعر، لسي إن إن: “بدأ حلمي الأميركي منذ 40 عاماً… بنيت كل هذا من لا شيء. حتى وإن أراد أحدهم الوقوف أمام هذا الحلم الأميركي فلن أسمح له. ستظل هذه المعركة قائمة”.
وقال إن أصعب شيء هو البقاء بعيداً عن العائلة.
وأضاف وقد غلبته الدموع: “أفتقد زوجتي وأولادي. أفتقد يونغزتاون. أفتقد الجميع”.