مرايا – في خطوة غير مسبوقة، منعت الحكومة استخدام “الرصاص السام” في طلاء أرصفة الطرق “الكندرين” سواء المصنعة محليا أو المستوردة، لتوفر بدائل “آمنة بيئيا وصحيا”، غير أنها جددت في الوقت ذاته، فترة السماح باستخدام مركبات كرومات الرصاص في تصنيع دهانات السيارات والدهانات الصناعية خمسة أعوام، بحسب كتاب رسمي حصلت “الغد” على نسخة منه، موجه من وزارة الصحة إلى غرفة صناعة الأردن.
وشمل القرار الرسمي، الذي صدر عن وزير الصحة محمود الشياب نهاية الشهر الماضي السماح أيضا بـ “استخدام الرصاص في دهانات الطرق الإسفلتية الى حين ظهور تشريع محلي أو عالمي يحظر استخدامها في هذا المجال أو لحين توفر بدائل في السوق العالمي بشكل تجاري.
وبحسب المراسلات الرسمية المتبادلة بين الجهات المعنية منذ 10 أعوام تخللتها مراسلة وزير الصحة الأسبق د. عبد اللطيف وريكات حول هذا الموضوع فإن “قرار قبول تمديد فترة السماح كل خمسة أعوام مرتبط بتوفير بدائل آمنة في السوق العالمي، أو صدور تشريع محلي أو عالمي يحظر استخدامها”.
ولوزير الصحة الحالي د. محمود الشياب رأي في هذه المسألة، بقوله إن وزارته تقر بـ “التوجهات العالمية لمنع استخدام مركبات الرصاص في كافة الدهانات، إلا أنها وضعت شروطا ملزمة للجهات المستوردة بالبحث عن بدائل آمنة، بموازاة تثبيت عبارات تحذيرية على عبوات دهانات السيارات والدهانات الصناعية الأخرى التي تحتوي على الرصاص”.
كما اشترطت الوزارة في موافقاتها الرسمية عقب اجتماعها الأخير مع ممثلي قطاع الدهانات في غرفة صناعة الأردن، منع استخدام المادة “السامة” في الدهانات المنزلية الداخلية والخارجية والأثاث ومنتجات ألعاب الأطفال أو في أماكن تواجدهم، محملة “المسؤولية لأي جهة تخالف استيراد او استخدام هذه المادة وتتجاهل الالتزام بالتعليمات”، بحسب مذكرة للوزارة.
لكن جمعيات بيئية وخبراء في علم السموم لا يرون في هذه التحذيرات ما يدفع للطمأنينة، مطالبين “بوضع تشريع يحد من استخدام الرصاص أو أحد مركباته في الدهانات ومنع استيراد أي من هذه الدهانات حماية للأطفال خاصة لمن هم دون السادسة بصفتهم الأكثر عرضة للتسمم بالرصاص، والحد من التلوث البيئي وصولا الى أردن خال من الرصاص”.
رئيس جمعية الأرض والإنسان لدعم التنمية زياد العلاونة يقول إن الجمعية “ستعد دراسة جديدة قريبا حول ارتفاع معدلات نسب الرصاص في عينات عشوائية للدهانات المصنعة محليا او المستوردة بعد ان كشفت دراسة متخصصة سابقة (العام 2015)، ارتفاع نسب الرصاص في دهانات الديكور المنزلي الخارجي والداخلي الى أكثر من 600 ملغم/ كغم، وهو ما يخالف المواصفة القياسية الأردنية التي حددتها بأقل من ذلك”.
واقترح العلاونة في حديثه لـ “الغد” تشكيل ائتلاف وطني لـ “القيام بحملات كسب تأييد ومناصره وتوعية”، مطالبا بـ “اجراء حوار وطني حول التشريع الملزم للتخلص من هذه المادة السامة وعمل دراسة لقياس تراكيز السموم في أجسام من يتعرضون مباشرة للرصاص”.
وأظهرت عينات لـ 17 منتجا من 16 شركة دهان محلية، قامت الجمعية “بجمعها وتحليلها، ارتفاعا في نسب الرصاص”، بحسب العلاونة الذي طالب بـ “منع استيراد أي من الدهانات تحتوي على الرصاص ومركباته حماية للصحة والبيئة والمياه”.
ومن الناحية التشريعية تستند “الصحة” الى المادة 41 من الفصل التاسع من قانون الصحة العامة رقم 47 لسنة 2008 في إصدار قوائم المواد الكيماوية الممنوع والمشروط تداولها والتي لها خطورة على الصحة العامة وتحديثاتها كل فترة زمنية من خلال لجنة وطنية مختصة من الجهات الرسمية والصناعية والأكاديمية، إضافة الى الاستفادة من التشريعات والتوجيهات الدولية المعتمدة، والتي تتضمن منع استخدام كافة مركبات الرصاص في الدهانات، بحسب مدير مديرية صحة البيئة في وزارة الصحة صلاح الحياري.
لكن الخبير البيئي ورئيس جمعية البيئة الاردنية السابق المهندس أحمد الكوفحي يؤكد أن “تأثير دهان السيارات والطرق على الانسان منخفض وغير مباشر مقارنة مع انتشار استخدام هذه المادة في مناطق محصورة مثل طلاء المدارس والمنازل، الأمر الذي يوجب البحث عن بدائل آمنة صحيا وبيئيا”.
واشار الكوفحي الى أن منظمة الصحة العالمية تتصدى باستمرار لمشكلة الرصاص في الطلاء وآثاره على الصحة حيث اعتبرته واحدا من عشر مواد كيميائية تثير قلقاً بالغاً في مجال الصحة العامة، داعية “الدول الأعضاء لاتخاذ إجراءات من شأنها حماية صحة العمال والأطفال والنساء خاصة من هن في سن الإنجاب”.
ونظراً لأن الطلاء المضاف إليه الرصاص يشكل مصدراً مستمراً للتعرض لآثار التسمم في بلدان كثيرة، فقد انضمت منظمة الصحة العالمية إلى برنامج الأمم المتحدة للبيئة في إنشاء التحالف العالمي للتخلص من استعمال الطلاء المحتوي على الرصاص، بحسب ما تشير المنظمة على موقعها الإلكتروني.
واتفق الكوفحي مع خبير السموم الأردني د. محمد القماز الاستاذ في كلية الطب بجامعة أثينا من حيث “ضرورة توفر بدائل للرصاص في الطلاءات إذا كانت الحكومة جادة في وصول الاردن الى نقطة الصفر في هذه المشكلة كما هو حال الدول المتقدمة”، غير أنه يشير الى “نقص عام في الوعي بمسألة الرصاص، وعدم توجد معايير إلزامية بخصوص استخدامه في الطلاءات”.
ويؤكد القماز لـ “الغد” أن تأثير سموم الرصاص يمتد الى البيئة بشكل مباشر وإنْ كان استعماله خارجيا”، لافتا الى ان “توفر بدائل الرصاص ومنها ثاني أوكسيد التيتانيوم وهو آمن جدا، وكذلك أكسيد الزنك”.
يذكر ان أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بذلت الكثير من الجهود من أجل توثيق أخطار استعمال الطلاء المحتوي على الرصاص، وتوثيق استمرار المشكلة لسنوات عديدة بعد استعمال الطلاء على الأسطح.
وجاءت الاستثناءات لمصانع الدهانات الأردنية وفق ما يقول المهندس الحياري لـ “الغد” من منطلق أن “معظم التشريعات والمواصفات العالمية لقطاع ودهانات السيارات والدهانات الصناعية لم تمنع استخدام صبغة كرومات الرصاص الى الآن في ظل عدم توفر بدائل في السوق العالمي بشكل تجاري”.
وتشارك وزارة الصحة في إعداد وتحديث المواصفات القياسية الأردنية الخاصة بقطاع الدهانات بحيث يتم تضمين البعد الصحي فيها، كما تراقب على المواد الأولية ومن ضمنها مركبات الرصاص التي تدخل في صناعة الدهانات، كما تراقب الدهانات الجاهزة المستوردة من خلال انجاز المعاملات الجمركية للاستيراد بالاستعانة بالنشرات التركيبية المرفقة معها.
وكانت مؤسسة المواصفات والمقاييس عدلت المواصفة القياسية المتعلقة بدهانات “الامنشن” عام 2010، حيث “تم اشتراط عدم استخدام مركبات الرصاص كمدخلات اولية او اضافتها بشكل مباشر في عملية التصنيع”، بينما يُسمح بتواجدها كشوائب او ملوثات بحيث لا يزيد محتوى الرصاص على 0.06 غم/ كغم.
وحول العمليات الرقابية على المواد الأولية (من ضمنها مركبات الرصاص) التي تدخل في صناعة الدهانات، وكذلك للدهانات الجاهزة المستوردة يوضح الحياري ان مديرية صحة البيئة “تجري كشوفات على مصانع الدهانات المحلية وشركات تجارة الدهانات المستوردة ومعارض بيعها (محلي ومستورد) من اجل التأكد من إجراءات سلامة التداول والتخزين للمواد الكيماوية داخل المنشأة”.
كما يتم “التقاط عينات من الدهانات للفحص للتأكد من خلو الدهانات المنزلية من مركبات الرصاص والتأكد من وجود التحديدات التي تشترطها وزارة الصحة على عبوات دهان الطرق والسيارات”.
ويؤكد الحياري أنه في حال ضبط مواد كيماوية يمنع استخدامها في صناعة الدهانات المنزلية (صبغة كرومات الرصاص) “يتم التحفظ عليها وكذلك المنتجات التي تحتوي على صبغة كرومات الرصاص والايعاز للجهات المعنية بجمع كامل كمية المنتج من التشغيلة المخالفة”، كما تقوم المديرية بمخاطبة مديرية الصحة المعنية لـ “إحالة المنشأة الى المحكمة المختصة لاتخاذ الاجراءات القانونية بحقها”.
ويبلغ عدد مصانع الدهانات المحلية التي تم الكشف عليها منذ عام 2008 الى الآن 169 مصنعا وشركة استيراد، تبين مخالفة 35 منها لعدم التزامها بتعليمات بطاقة البيان الخاصة بدهانات السيارات ودهانات الصناعية.