مرايا – بعد التعثر الذي حصل في عام 2012 وتفرق مجهودات الحركة الوطنية؛ تأطرت أغلب مظاهر الحراك العام الأردني في تيارين، التيار الأول كان أصحابه في حالة شوفينية متعالية شابة، ترى بالهوية الأردنية ومخزون الهوية الأردنية الثقافي سبيلاً لصنع طريقٍ للنجاة من حالات التبعية والخسارة المستمرة التي تنحصر فيها البلاد منذُ سنوات، عبر تحقيق طريق للمشروع الوطني، ولعل المؤمن بهذه الحالة وصاحب هذه السطور أحدهم، كان يستمدُ من القيادات الشابة التي تتصدر قيادة هذا التيار كل هذه الثقة بحتمية نجاحه في حال وجوده في موقع صنع القرار –كما سوف يحصل لاحقاً-، في انقاذ الأردن من حالته المنهزمة التي تتعارض مع رؤية هذا التيار المركزية للأردن المستقل وللمواطن الأردنيّ الثابت رغم جميع النكسات، ما يريده هذا التيار هو أردن مستقل وحر لا ديني ولا مناطقي ولا رجعي ولا طبقي، وطنياً فقط، ووطنياً كيف ما كان.
التيار الثاني كان تياراً متباكياً هرماً متشكلاً من (ختيارية) العمل السياسي من الذين يبرعون في توصيف الحالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأردنية المتردية؛ ويعجزون عن تقديم ولو حتى حلٍ واحد يتمكن الأردنيون من تنفيذه أو حل تتمكن أحزابهم من تقديمه، أبرز شاهدٍ حي على هذه الحالة هم الأحزاب الأردنية مجتمعة.
لا وجود لتيار برجوازي.
لم يمر الكثير من الوقت على إنتخاب المهندسين لمجلس نقابتهم، والذي اختار فيها المهندسون أن تكون إدارة نقابتهم بيد قائمة “نمو” المتشكلة من التيار الوطني سابق الذِكر، حتى تبدأ النقابات المهنية يتقدمها نقابة المهندسين ونقابة الأطباء في الدخول من جديد في دورها في العمل السياسي مكتسبة شرعية خطابها من إرادة الناس الحرة التي جاءت بهم لمواقعهم، لا لحماية منتسبي نقاباتهم فقط، بل لحماية كرامة جميع الأردنيين، وكان لفتني من تصريح الدكتور علي العبوس رئيس مجلس النقباء حين قال: “إن الإضراب ليس لرد قانون ضريبة الدخل فقط بل لرد النهج الحكومي الذي اعتاد الرضوخ للخارج ولشروط الدعم الأجنبي”؛ مُعرباً عن أن خطاب مؤسسات الأردنيين سيكون خطابهم منذُ هذه اللحظة, هكذا أصبحت حجة التيار الوطني أقوى بإثبات كيف يستطيع الخطاب الوطني البعيد عن كل الأدلجة والتأطير المصالحيّ أن يرفع الأردنيين لموقعهم الحقيقي، موقع صنع القرار.
في هذه المرة كُنت مؤمناً أن الإضراب سوف يتم، لم يجعل الأردنيون هذا اليوم يوماً عادياً، (33) نقابة عمالية ومهنية وعاملون من القطاع العام في إضراب عن العمل واحتجاج جماهيري من أمام مجمع النقابات المهنية في عمّان، في واحدة من مظاهر العمل الوطني التي كنت أتمنى حدوثها منذُ سنوات، والتي أتوقع أن نرى ترجمتها في الأيام القادمة ببرامج انقاذ اقتصادي بديلة تتطوع النقابات بتقديمها عوضاً عن الستين حزباً التي أتوقع أن تبقى في ركود يستمر لنهاية هذا العام ولربما لنهاية عمر مجلس النواب الثامن عشر.
عامر الغزلان