مرايا – من بين 93 سيدة؛ سألتهن صديقة لهن على صفحة في موقع التواصل الاجتماعي “الفيبسبوك”، حول ما يمكن فعله للرد على تحرش صاحب عمل بها، فنصحتها 81 منهن بالسكوت على ما تعرضت له، ودعونها لترك العمل، فهو الحل الأسلم، والبقية طلبن منها ألا تخبر أحدا من عائلتها.
الأبرز في هذا كله، أن واحدة من الصديقات لم تدرج أي تعليق يوجه الضحية إلى تقديم شكوى ضد صاحب العمل، سواء لوزارة العمل أو لغيرها من الجهات.
طرحت السيدة سؤالها على هذه المجموعة النسائية الالكترونية، والتي عادة ما تتيح خيار طرح الأسئلة من سيدات دون الكشف عن هويتهن او حساباتهن على “الفيسبوك”.
وقالت إنها تعمل منذ ثمانية شهور في شركة خاصة براتب جيد، ومنذ بداية عملها لاحظت اهتمام مديرها بها، وقد أحست بانه اهتمام “غير بريء”، لكنها حاولت تفاديه لحاجتها للعمل، بينما أصر هو على التحرش اللفظي بها الى أن اصبح هناك تحرش جسدي.
السيدة أرسلت للمجموعة الالكترونية تسأل عن الحل، كونها لا تستطيع ترك العمل الذي وجدته بعد سنوات من البحث، وفي الوقت نفسه؛ تشعر بالخوف من إخبار احد حفاظا على سمعتها.
غالبية المعقبات، شجعن السيدة على الصمت وترك العمل، وأكدن انها الخاسرة الأكبر في حال قدمت شكوى، اذ ستسوء سمعتها، وستخسر عملها بكل الأحوال، بل ان بعضهن حذرنها من الحديث عما حصل معها، لانها ستضر نفسها اجتماعيا، فان كانت متزوجة قد يطلقها زوجها، وان كانت غير متزوجة؛ فسيقلل فرصها بالارتباط.
معقبات أخريات؛ تحدثن عن تجاربهن الشخصية مع التحرش في مكان العمل، اذ تركنه غالبيتهن، ولم تقدم أيا منهن شكوى او اللجوء للقضاء.
مديرة منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية سمر محارب؛ أكدت أن التحرش الجنسي بمكان العمل، أمر تعاني منه كثير من العاملات، لكنه يبقى طي الكتمان، نتيجة عوامل كثيرة؛ اهمها الثقافة المجتمعية التي تحمل السيدات مسؤولية التحرش بهن.
كما أن هناك قصورا نسائيا بالوعي بالإجراءات التي يجب عليهن اتخاذها؛ حال تعرضن للعنف في مكان العمل، عدا عن خوفهن من فقدان وظائفهن، فيجبرن على تحمل العبء النفسي والمعنوي، لأجل حاجتهن للمال والوظيفة.
ومن الأسباب الأخرى التي ساهمت بانتشار الظاهرة، ترهل القانون وعدم قدرته على حماية المرأة وإعطائها حقها، والذي عادة ما يطالب بوجود دليل على وقوع عملية التحرش، بحسب محارب.
بعض الدراسات أكدت وجود علاقة طردية بين التحرش وانتشار الفساد وغياب الرقابة في الدول العربية؛ فالأخلاق معيار أساس للسلوك الإنساني، ومع وجود الفساد الإداري والمالي ببيئة العمل، فإن ذلك حتما سيؤدي للفساد الأخلاقي، وبالتالي لازدياد حالات التحرش، والتي عادة ما تكون عبر مرؤوسي النساء من الذكور، فلديهم من السلطة والنفوذ ما يجعلهم بعيدين عن الرقابة.
وأشارت محارب إلى تنوع أشكال العنف الوظيفي؛ فهناك السلوك المعنوي الذي يقلل من قيمة المرأة، ويظهرها عاجزة عن الابتكار والإبداع بعملها، وهذا النوع يُمارسه عادة رب العمل، أو زميل عمل، وهناك السلوك اللفظي، الذي ينتقص من كرامة المرأة بعبارات غير لائقة وتوبيخ، وكذلك بعدم الثقة بها عند إبداء رأيها.
كذلك؛ العنف الجسدي، الذي يركز على المرأة كجسد، مهمته تنفيذ الأوامر والعمل بمشقة وتحت الضغط والإرهاق، عدا عن التهديد بفقدان الوظيفة، والتدخل في الأمور الخاصة، وهناك سلوك التحرش الجنسي اللفظي، الذي يظهر جليا في كلمات مواربة ومنمقة تندرج تحت عبارات الغزل، كذلك النظرات الإغوائية، والإيحاءات الجنسية عبر اللمس.
وبينت محارب، ان بعض المنظمات ومنها المنظمة التي تديرها، تعكف حاليا على اعداد دليل يوضح الاجراءات المانعة للتحرش ضد النساء، أكانت للعاملات او المستفيدات من الخدمات.
بدورها؛ أكدت الامينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة سلمى النمس، ان قانون العمل نص على بنود خاصة بالتحرش الجنسي في بيئة العمل.
ولفتت النمس الى ان القانون اعتبر أنه من حق العاملة ترك عملها دون إشعار، مع احتفاظها بحقوقها القانونية عند انتهاء الخدمة، وما يترتب لها من تعويضات عطل إذا اعتدى صاحب عمل أو من يمثله عليها أثناء العمل أو بسببه، وذلك بالضرب أو بالتحقير أو بأي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي المعاقب عليه بموجب أحكام التشريعات النافذة المفعول.
كما أجاز القانون للوزير، إغلاق المؤسسة بالمدة التي يراها مناسبة، مع مراعاة أحكام أي تشريعات أخرى نافذة المفعول، إذا تبيّن له وقوع اعتداء من صاحب العمل أو من يمثله بالضرب، أو بممارسة أي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي على عامليه.
وتنتقد النمس ضمان المشرع للعامل الحق بترك العمل ونيل تعويض إذا كان الاعتداء من رب العمل أو من يمثله، ولم يضمن هذا الحق، إذا صدر الاعتداء عبر بعض زملاء العمل.
كما انتقدت النمس إحالة القانون لتعريف التحرش الجنسي المعاقب عليه في قانون العمل إلى قانون العقوبات، والذي لا يحتوي على لفظ “جريمة التحرش الجنسي”، وبالتالي فإن وقوع جريمة التحرش، تبقى تحت تقدير قاضي الموضوع “الذي قد لا يجد مثلا بلفظ معين تحرشا جنسيا”، فالمسألة نسبية حسب ذلك الشخص، ولا يوجد نص ملزم.
وقالت النمس ان اللجنة انتهت من اعداد دراسة حول التحرش مؤخرا لم تنشر نتائجها بعد، تناولت 1500 سيدة، وتشير نتائجها لوجود فارق شاسع بين الحالات المبلغ عنها رسميا تعرضها للتحرش، وواقع الانتشار الفعلي لها.
وبينت ان غالبية السيدات قلن انهن يلتزمن الصمت عند تعرضهن للتحرش، وقلة منهن من لجأت للتبليغ عنه، سواء للإدارة العليا في مكان العمل او للجهات الأمنية.
بدوره؛ أكد المرصد العمالي، التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، اهمية بدء حراك محلي؛ للمطالبة باعتماد اتفاقية لمنظمة العمل الدولية، تعنى بالعنف والتحرش ضد الرجل والمرأة في مكان العمل “كون هذه الاتفاقية تنبع من تبنيها إطارا شموليا؛ يشمل العنف الذي قد يتعرض له العاملون والعاملات”.
وأشار في تقرير له مؤخرا، إلى شمول هذا الاطار فئات مهمشة من العمال المهاجرين، وذوي الإعاقة والأطفال، مبديا استغرابه من عدم تنفيذ أية أنشطة أو برامج محلية، لخلق حوار وطني حول الاتفاقية، برغم أن هنالك نقاشا دوليا دائرا حولها منذ أكثر من عامين.
وبين المرصد بتقريره، الذي عنونه “العنف بمكان العمل يطال النساء، ولا يسلم منه الرجال”، ان “العنف بمكان العمل، يعاني منه الجميع؛ ذكورا وإناثا، ويتخذ أشكالا مختلفة، أبرزها توجيه الإهانات اللفظية والجسدية من أصحاب أعمال ومديرين، ويمتد لانتهاك حقوقهم الأساسية، كتشغيلهم بأقل من الحد الأدنى للأجور، ولساعات عمل طويلة دون احتساب بدل الساعات الإضافية، وحرمانهم من الإجازات والعطل الرسمية والزيادات السنوية، وعدم شمولهم بمظلة الضمان الاجتماعي”.
ومن الأشكال الأخرى التي تعتمدها الاتفاقية ضمن أشكال العنف: الإيذاء والترهيب النفسي، والتحرش الجنسي والتهديدات بالعنف، والعنف المالي والاقتصادي، اذ يلجأ أصحاب عمل أحيانا لخلق أجواء تسبب أذى نفسيا للعمال، كتهديدهم بالفصل من العمل، أو توجيه تنبيهات وإنذارات دون وجه حق، أو نقل عمال من مكان لآخر، أو تغيير مسمياتهم الوظيفية، أو الخصم من أجورهم دون وجه حق.
وأكدت الاتفاقية ضرورة إضافة كلمة “التحرش” للعنف بعنوان الاتفاقية، لتشير إلى أن الإطار الدولي “لم يوفر حماية كاملة لضحايا التحرش في مكان العمل، أكانوا ذكورا أم إناثا، حيث عادة يحال التحرش بمكان العمل لقانون العقوبات، والمأخذ عليه أن قوانين العقوبات تتعامل عادة مع الحالات الأكثر خطورة، كالاغتصاب وهتك العرض، ولكن لا تتعامل مع التحرش الذي عادة يصعب على الضحية إثباته”.
وتعرف الاتفاقية؛ التحرش الجنسي في مكان العمل بأنه “القيام بإيحاءات جنسية غير مرحب بها تؤدي لبيئة عمل عدائية، أو عندما يعتبر الطرف الذي يتلقى هذه الإيحاءات الجنسية أنها منافية للأخلاق، أو أن رفضها سينعكس سلبا؛ أو قد يُعتبر أنه سينعكس سلبا على ظروف العمل الحالية أو المحتملة”.
وفي الأردن؛ حصر قانون العمل حق العامل أو العاملة الواقع عليه/ها التحرش بـ”الحصول على تعويض في حال وقع الاعتداء من رب العمل أو من يمثله، ولم يشمل الاعتداء الذي قد يقع من زميل في العمل، والجانب الآخر إحالة تجريم التحرش لقانون العقوبات الذي لا يحوي أصلا لفظ (جريمة التحرش الجنسي)”.
وأكد المرصد “ضرورة تعديل قانون العمل، بحيث يحوي تعريفا واضحا للتحرش الجنسي، وإضافة مواد تعاقب فاعله، أكان صاحب عمل أو مديرا أو عاملا؛ ومن جهة أخرى تعديل قانون العقوبات، بإيجاد نص يجرم التحرش الجنسي بشكل واضح وصريح”.
ودعا لتشجيع المؤسسات والشركات على وضع مدونات سلوك في أماكن العمل، يكون من بين بنودها تعريف للتحرش الجنسي في مكان العمل.