مرايا – وسط مقبرة مخيم العروب، وبين قبري الشهيدين خالد البدوي ومحمد ماضي، يرقد الشهيد عمر البدوي في مثواه الأخير، بعد أن أطلق جنود الاحتلال النار عليه من مسافة لا تزيد عن عشرة أمتار أمام منزله الكائن في مخيم العروب شمالي الخليل، مقابل البرج العسكري.
عمر هيثم البدوي (22 عامًا)، الابن الأوسط لعائلة تسكن المخيم بعد أن هجّرهم الاحتلال من بلدة عراق المنشية شمالي شرق غزة.
“عمر الحنون الأنيق” كما وصفته والدته “أم أحمد” البدوي (52 عاما)، وقالت إنه لم يكن يتوانَ عن تقديم المساعدة لأي شخص يطلب منه ذلك.
وتُضيف: “كان كثيرًا ما يمازحني بمزحه “الثقيل”، لكنه سرعان ما يعود ليحضنني ويقبّلني ويطلب رضاي”، وهنا غصّت أم الشهيد وغافلتها دمعة، وأكملت: “الله يرضى عليك يمّا ويسهّل عليك (..) صحيح رح أزوّج أخوه، لكن الفرحة عمرها ما بتدخل قلبي بعد استشهاد عمر”.
كان يطمحُ عمر بالاستقرار، حيث بدأ ببناء بيت له فوق منزل عائلته حاله كحال الكثيرين من شبان المخيم، وأسرّ لأمه قبل استشهاده بأنه يريد خِطْبَة فتاة أعجبته، كما قالت والدته التي لم تفارق الدموع عينيها.
أما شقيقة الشهيد الصغرى مرام (23 عامًا) -مخبأ أسراره- قالت صابرة ومحتسبة: “كنا مقربين جداً من بعضنا، ورغم أنه عصبي إلّا أن قلبه طيب ورقيق في الوقت ذاته، كان يشاكسني كثيرًا لكنه يعتذر مني سريعًا”.
“عمر مهجة قلبي.. بتعرفي شو يعني مهجة قلبي” هذا ما قالته جدته السبعينية خلال حديثها مع “قُدس الإخبارية”، لكنها شهقت بالبكاء من شدة حبها لحفيدها الذي كان سندها ويدها اليمنى في كل أمور حياتها، كما قالت عنه.
اعتُقل واحتُجز وأُصيب ..
لم يسلم البدوي قبيل استشهاده من الاعتقالات والاحتجاز من قبل جيش الاحتلال خلال اقتحام المخيم، وتوضح عمة الشهيد هناء البدوي (49 عامًا) ذلك وتقول إنه “تم اعتقال عمر أكثر من مرة من منزله واقتياده إلى البرج العسكري عند مدخل المخيم، والاعتداء عليه بالضرب من قبل الجنود وتعريته من ملابسه”.
وتُضيف أن جنود الاحتلال قاموا في إحدى المرات، وعقب عملية اعتقاله وشقيقه، بترك الكلاب الخاصة بهم تنهش جسديْهما بعدما اقتيدا إلى مستوطنة “كريات أربع” شرق الخليل.
أما عن الإصابات، يقول عم الشهيد نور البدوي (30 عامًا) والأكثر قربًا منه: “قبل خمس سنوات، وأثناء عودة الطلاب من مدارسهم، أصيب عمر بقنبلة غاز في وجهه خلال مواجهات مع الاحتلال في المخيم (..) تسببت له بحروق وكسور في أسنانه بالفك العلوي”.
“حكيتله ارجع .. ما رجع”
صباح الحادي عشر من شهر تشرين ثاني/ نوفمبر الجاري (2019) دارت مواجهات في مخيم العروب في الذكرى الـ15 لرحيل الرئيس ياسر عرفات، حينها تعرضت عائلة الشهيد البدوي للاختناق جراء إطلاق جنود الاحتلال القنابل الغازية السامة بكثافة، وبسبب ذلك تم نقلهم لمنزل جدهم القريب، كما أوضح عمه.
كان عمر وعمه مع بعضهما يُتابعان ما يحصل في المخيم، حيث اشتعلت النار فجأة قرب المنزل بسبب قنابل الغاز، ويوضح العم: “انطلق عمر ليطفئ النار المشتعلة قبل أن تصل إلى أسلاك الكهرباء، صرخت عليه .. ارجع ارجع يا عمر، فرد عليّ “ما رح يصير شي يا عمي”، وتقدم نحو الأدراج مردّداً: “جيبوا مي”.
ويؤكد أنه “ما إن وصلت أقدام عمر أولى الدرجات حتى أطلق جنود الاحتلال رصاصة قاتلة باتجاهه أسقطته أرضاً”.
ويضيف أنه ركض محاولاً إسعاف عمر لكن أحد الجنود أطلق رصاصة مطاطية باتجاه قدمه، لم يشعر بها إلا بعد ثلاثة أيام من استشهاد عمر، على حد قوله.
وبالتزامن مع ذلك، كثّف الشبان من إلقاء الحجارة على جنود الاحتلال ليشغلوهم، حينها تمكن الصحفيون وأهالي المخيم من نقل الشهيد عبر سيارة خاصة إلى عيادة مخيم العروب التابعة لـ”الأونروا”، ثم إلى المشفى الأهلي، ليتم الإعلان عن وفاته هناك. “تركه جنود الاحتلال ينزف حتى تصفى دمه”، كما أوضح عمه نور البدوي.قدس الاخبارية