مرايا – يوافق اليوم الثلاثاء، مرور 27 سنة على إبعاد الاحتلال الإسرائيلي مئات قادة العمل الإسلامي من غزة والضفة المحتلة إلى الحدود الجنوبية اللبنانية.
ففي الرابع عشر من ديسمبر عام 1992م، انتهت المدة التي حددتها كتائب القسام لحكومة الاحتلال من أجل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين المعتقل لديها، لقاء الإفراج عن الرقيب أول نسيم توليدانو والمأسور لدى القسام، لكن الاحتلال خسر حياة جنديه نتيجة تعثر الوصول لاتفاق يُبرم خلاله صفقة للتبادل.
بعد يومين فقط ألقت القسام جثة “توليدانو” على طريق القدس أريحا، ما جن جنون رئيس وزراء الاحتلال آنذاك إسحاق رابين، وأعلن من داخل الكنيست الحرب على حركة حماس، فبدأ حربه بإبعاد 415 من قادة العمل الإسلامي جُلهم من حركة حماس إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، والذي يوافق اليوم السابع عشر من ديسمبر ذكراها السابعة والعشرين.
داهمت قوات الاحتلال منازل من وضعت أسماءهم على لائحة الإبعاد، وجُمعوا جميعا بشاحنات غير مخصصة للنقل الآدمي، سارت الشاحنات لساعات عديدة فظن المبعدون أن الأسر هذه المرة لن يكون في السجون المعروفة والموجودة بغزة والضفة، لكن أقصى ما توقعوه أن تكون وجهتهم نحو سجن صحراء النقب.
بعد أن مضى 60 ساعة ولم تصل الشاحنات إلى مقصدها أدرك المبعدون أن القضية أكبر من الاعتقال، وأن وجهتهم ليست النقب، لحظات حتى وجدوا أنفسهم على الحدود اللبنانية بعد أن أبلغهم الضابط المسؤول أنهم مبعدون بقرار من رئيس وزراء الاحتلال إسحاق رابين.
مخيم العودة
كان رفض الدخول إلى لبنان والاكتفاء بإقامة مخيم على الحدود اللبنانية على تلال الثلج في واد غير ذي زرع من أكثر القرارات الاستراتيجية التي اتخذها المبعدون، إذ صنعوا لأنفسهم مجتمعاً داخل هذا المخيم والذي أطلقوا عليه اسم “العودة” لترسيخ مبدأ العودة القريبة.
نجح المبعدون في تحويل مخيمهم إلى دولة صغيرة، واتبعوا أسلوباً إيجابياً في تنظيم العمل، فقسموه إلى لجان عديدة، وانتخبوا من يديرها، برزت بينها اللجنة الإعلامية التي استطاعت بناطقيها د.عبد العزيز الرنتيسي متحدثاً باللغة العربية باسم المبعدين، ود.عزيز دويك متحدثاً باللغة الإنجليزية، في حشد الرأي العالمي لقضيتهم وإيصالها لأكثر من 100 دولة.
جامعة بن تيمية
لم يقتصر جهد المبعدين على الجانب الإعلامي فقط رغم أهميته الكبرى، إلا أنهم ساروا بخط متوازٍ في البناء والتربية، فأسسوا جامعة “ابن تيمية” التي ضمت 88 طالباً جامعياً، وحاضر فيها العديد من الأكاديميين المبعدين، وكان التدريس فيها على أسس علمية وجامعية كالمعتمدة في جامعات فلسطين.
كما أنهم نجحوا في التنسيق مع الجامعات الفلسطينية في الضفة وغزة لاحتساب المساقات التي تدرس في جامعة ابن تيمية، وقد تخرج في الدفعة الأولى 15 طالباً؛ واعتُمدت شهاداتهم في جميع الجامعات الفلسطينية بعد ذلك، كما أقامت الجامعة دورات تدريبية لغير طلبة الجامعات، فاستغلوا أوقاتهم، وطوّروا قدراتهم.
عيادة الإبعاد
أراد الاحتلال أن يكون الإبعاد منفى ونكبة لقادة العمل الإسلامي، لكنهم جعلوا من نكبتهم رحلة وتجربة في كل المجالات، فوظفوا طاقاتهم جميعاً، وأنشؤوا عيادة طبية يديرها الدكتور عمر فروانة تعمل على مدار الساعة لمداواة مرضاهم، نجحت في إجراء عدة عمليات جراحية لعدد من المبعدين، حتى إن عدداً من سكان منطقة مرج الزهور تلقوا العلاج فيها.
فصول من العذاب والمعاناة عاش تفاصيلها مبعدو مرج الزهور طيلة مدة إبعادهم، إذ عاشوا في طبيعة مناخية غير تلك التي اعتادوا عليها، وظروف استثنائية لم يعتادوا عليها قط، عمقت إيمانهم أنه لا خيار غير العودة يُقبل.
لم يتوقف المبعدون عن تنظيم المسيرات والوقفات الاحتجاجية للمطالبة بحقهم في العودة، وبرزت من هذه الفعاليات “مسيرة الأكفان” في أبريل من عام 1993م، التي لبس فيها المبعدون أكفانهم واتجهوا نحو الحدود لرفضهم أي قرار سوى العودة إلى ديارهم.
راهن الاحتلال وعلى مدار سنة كاملة على قبول المبعدين بالواقع الذي حاول فرضه، إلا أنهم نجحوا في كسر قرار الإبعاد ووأد هذه السياسة في مهدها، فوافق الاحتلال في سبتمبر عام 1993م على عودة 189 مبعداً إلى ديارهم، فيما عاد الباقون في ديسمبر من العام نفسه.
لحق العار بالاحتلال، فلم يحقق مراده بإبعاد قادة العمل الوطني في تسعينيات القرن الماضي، فعادوا أكثر سعياً إلى مقاومة الاحتلال، بعدما كسبوا تعاطفاً عالمياً مع قضيتهم؛ لتفشل بذلك سياسة الإبعاد.