مرايا – لم يحمل العام 2019 سوى مزيدًا من المعاناة والويلات على مدينة القدس المحتلة وسكانها، جراء إجراءات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة والمتصاعدة، وعمليات التطهير العرقي، في مقابل تكثيف النشاط الاستيطاني، بهدف تهويد المدينة وتقليص حجم الوجود العربي فيها.
فكان هذا العام، الأسوأ في تاريخ القدس منذ احتلالها عام 1967، والأشد وطأة وقتامةً على المسجد الأقصى المبارك، بما شهده من تزايد في وتيرة الاقتحامات حتى وصلت أعداد المقتحمين لآلاف المستوطنين، والدعوات اليهودية لهدمه وإقامة “الهيكل” المزعوم فوق أنقاضه.
وشهد أيضًا تصاعدًا ملحوظًا في الهجمة الإسرائيلية الشرسة على القدس، من حيث عمليات الاعتقال والإبعاد للمقدسيين، ومصادرة مئات الدونمات من الأراضي لصالح بناء المستوطنات، وهدم المنازل، والهدم الذاتي، ناهيك عن التنكيل بالسكان، وفرض الضرائب والمخالفات المختلفة.
وخلال هذا العام، لم تسلم المؤسسات المقدسية من الاعتداءات الإسرائيلية، حيث أغلق الاحتلال عدة مؤسسات تعليمية وإعلامية، بقرار صادر عن وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، كما قمع العديد من الفعاليات التضامنية بالمدينة.
وما شجع الاحتلال على التمادي في عدوانه على المقدسات الاسلامية والمسيحية بالمدينة المقدسة، وإجراءاته ضد المقدسيين واستهدافهم في كافة مرافق حياتهم هو الصمت العربي الإسلامي، والظروف الإقليمية.
أشد وطأة
المختص في شؤون القدس جمال عمرو يرى ان العام 2019 كان أشد وطأة وكارثة على القدس والأقصى، مقارنةً بالأعوام السابقة، حيث مرت عليهما أيامًا عصيبة “شكلًا ومضمونًا”، مع استمرار مخططات الاحتلال الاستيطانية والتهويدية وفرض إجراءات جديدة.
وشهد العام 2019 عنصرية إسرائيلية أكثر فظاعة ضد المقدسيين، من حيث تزايد عدد هدم منازلهم ومصادرة أراضيهم، وملاحقتهم اقتصاديًا واجتماعيًا، وكذلك اعتقالهم وإبعادهم، وإغلاق محالهم التجارية ومؤسسات فلسطينية.
ويوضح عمرو لوكالة “صفا” أن أخطر ما مر على الأقصى، أن الاحتلال عمل على ترسيخ مفهوم التقسيم الزماني والمكاني خلال العام الجاري، بالإضافة إلى ما شهده من زيادة وتيرة المستوطنين المقتحمين مقارنةً بالعام 2018.
ومن المتوقع أن يواصل الاحتلال في العام 2020، تنفيذ مخططاته ومشاريعه بالمدينة بشكل متكامل، وذلك على ضوء المعطيات السياسية في المنطقة، وما لم يكون “هناك صحوة فلسطينية ورادع عربي وإسلامي رسمي لهذا الاحتلال”.
ويضيف أن” الاحتلال سيستخدم وسائل في العام المقبل ستكون أكثر فظاعة عن العام 2019، وسيستعمل سياسة القتل البطيء بحق المقدسيين، بهدف دفعهم إلى الرحيل وترك مدينتهم، لإحلال المستوطنين مكانهم”.
وبحسب عمرو، فإن العام المقبل قد يشهد ربط القدس ربطًا كاملًا بالكيان الإسرائيلي، وعزل كامل لأي تواصل فلسطيني عنها.
استهداف للهوية
وصعد الاحتلال في العام 2019 من سياساته الممنهجة، التي تستهدف هوية القدس والأقصى، ومحاولات تفريغه من المسلمين وتشجيع المستوطنين على اقتحامه وممارسة طقوسهم التلمودية فيه. وفق ما يقول المختص في شؤون القدس خالد زبارقة
ويوضح زبارقة لوكالة “صفا” أن هذا العام كان قاسيًا على المقدسيين، حيث فاقمت إجراءات الاحتلال من معاناتهم وآلامهم، بسبب الملاحقة المستمرة لهم بكافة شؤون حياتهم وحتى في مصدر رزقهم، ناهيك عن تفريغ عقاراتهم والاستيلاء عليها.
وحاول الاحتلال خلال هذا العام فرض طابع جديد وهوية تلمودية في المسجد الأقصى، عبر تكثيف الاقتحامات، والسماح للمستوطنين بأداء الشعائر والصلوات التلمودية بداخله، في مقابل تفريغه من هويته العربية الإسلامية.
فسياسة تفريغ الأقصى وفرض السيطرة الإسرائيلية على كل ما يحدث داخله وتحويله إلى “مقدس يهودي”، كانت، بحسب زبارقة، الأخطر على المسجد، حيث “شكل الاحتلال كتائب عسكرية من مخابرات وقوات خاصة وحرس حدود وجيش اتخذت من الأقصى ثكنة عسكرية لها بهدف التحكم والسيطرة”.
لكن رغم هذه الإجراءات، “إلا أننا نلمس صمودًا فلسطينيًا أسطوريًا ثابتًا في القدس والأقصى، لا مثيل له في تاريخ البشرية، وذلك في تحد واضح لعنصرية وهمجية الاحتلال ومواجهة سياساته”. يؤكد زبارقة
وحول ما تنتظره القدس خلال العام 2020، يتوقع زبارقة أن تشهد مزيدًا من الهجمة الإسرائيلية وفرض الهيمنة التهويدية الدينية على القدس والأقصى، وتفريغهما من الفلسطينيين، وكذلك تكثيف عمليات الهدم ومصادرة الأراضي والسيطرة على العقارات بشكل أكثر قساوة عن العام الحالي.
ومن المتوقع أن نشهد أيضًا مزيدًا من سحب الوصاية الهاشمية الأردنية من الأقصى، حيث يسعى الاحتلال إلى تفريغها من أي مضمون وجعلها وصاية شكلية لا تأثير لها، بالإضافة إلى مزيدًا من تهويد طابع القدس العربي عبر تنفيذ مشاريع تهويدية ضخمة بالمدينة.
لكنه يرى أن ذلك يتوقف على مدى ردة الفعل الفلسطينية العربية والإسلامية، “فإذا كان هناك وقفة بطولية وموقف حازم، فإن الاحتلال سيتراجع عن تنفيذ مشاريعه”.