مرايا – تُخطط سلطات الاحتلال الإسرائيلي مجددًا لإعادة إغلاق مصلى باب الرحمة شرقي المسجد الأقصى المبارك، عبر تحريك دعوى قضائية بالغة الخطورة، لاستصدار أمر بتجديد إغلاقه بالكامل، تمهيدًا لتهويده، تزامنًا مع تكثيف الاعتداءات على المصلى وتضييق الخناق على المصلين والحراس.
وفي الآونة الأخيرة، عادت قضية باب الرحمة إلى الواجهة من جديد، وتصاعدت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية على المصلى ومحيطه، عبر تدنيسه وملاحقة المصلين والاعتداء عليهم واعتقالهم وإصدار قرارات إبعاد عنه.
ومع اقتراب مرور عامٍ على فتح المقدسيين المصلى في شباط/ فبراير الماضي بعد إغلاقه 16 عامًا، يحاول الاحتلال بكل الأدوات والوسائل الممكنة الحد من تواجد المصلين فيه ومنعهم من الوصول إليه، بالاعتقال والإبعاد ومنع إدخال الوجبات، لعله يصل إلى إعادة إغلاقه قبل أن يمر عامٌ على فتحه.
وكشف مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس المحتلة عن تحريك شرطة الاحتلال دعوى قضائية، قبل أيام قليلة تطالب فيه “محاكم الاحتلال استصدار أمر بتجديد إغلاق باب الرحمة، استنادًا لأوامر قضائية سابقة”.
وأكد أن “مصلى باب الرحمة كان وسيبقى جزءًا أصيلًا من الـمسجد الأقصى، ومسجدًا إسلاميًا خالصًا للمسلمين وحدهم لا ينازعهم فيه إلا هالك، فلا اعتبار ولا مكانة لأي قانون عابر وضعي، وأن أي قرارات تصدرها هذه الدوائر لن تكون ملزمة”.
صراع الهوية
الباحث المختص في شؤون القدس زياد إبحيص يقول لوكالة “صفا”: إن” المسجد الأقصى يقع في قلب الصراع مع المشروع الصهيوني منذ ثلاثة عقود، إذ تطور هذا الصراع ليتمحور حول الهوية، وهذا ما جعل الأقصى يمسي رمزًا له”.
وفي خضم هذا الصراع-يضيف ابحيص المقيم بالأردن-“جاءت هبة النفق عام 1996 وانتفاضة الأقصى عام 2000 وهبة باب الأسباط 2017، وصولًا إلى هبة باب الرحمة 2019، ففي هذه المواجهات الشعبية كان الأقصى العنوان الذي انطلقت من أجله”.
ويتابع “ومع تصاعد اليمين الإسرائيلي، وجماعات الهيكل، طُرحت أجندة التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، ونشط أيضًا مسار محاولة اقتطاع محيط باب الرحمة وتخصيصه لصلاة المتطرفين اليهود، باعتباره الخط الأسهل، لأن جهة باب المغاربة مقابلة للمسجد القبلي”.
ويشير إلى أن هبة باب الرحمة في العام الماضي وتمكن المقدسيين من إعادة فتح الباب واستعادته إلى حضن الأقصى كجزء لا يتجزأ منه، بدد وهم التقسيم المكاني بعد 16 عامًا من التحضير البطيء والمنهجي له.
و”اليوم يخشى الاحتلال من مرور عام على عودة هذا الحق لأهله، كما يقول ابحيص، تَكرَّس إفشال مخطط التقسيم المكاني الذي عمل عليه 16 عامًا من الزمن، وبالتالي يخشى من استمرار هذا الإنجاز الشعبي ماثلًا أمام الجماهير، ليكون نموذجًا قابلًا للتكرار”.
لذلك يحاول الاحتلال بالترهيب والاعتقال والضرب والتضييق على المقدسيين أن يدفعهم لأن يهجروا مصلى باب الرحمة، في وقت يزداد فيه الالتفاف المقدسي حوله والرباط فيه.
وحول تحريك الاحتلال دعوى قضائية لإعادة إغلاق المصلى مجددًا، يقول ابحيص إن عودة الاحتلال إلى مسار المحاكم بشأن قضية باب الرحمة يأتي ليحقق أحد سقفين، السقف الأعلى هو تكريس “سيادة” إسرائيلية عليه باعتبار القانون الإسرائيلي وأحكام المحاكم تسري عليه.
وأما السقف الأدنى فهو أن “يضع الأوقاف الإسلامية تحت ضغط هذا الحكم ويعوّل على دفعها لإغلاق المصلى بنفسها تحت أي ذريعة، تجنبًا للمواجهة معه”
“لكن قرار مجلس الأوقاف والحكومة الأردنية عاد ليؤكد مجددًا أن قرارات المحاكم الإسرائيلية لا تعنيها، وأن المسجد الأقصى مقدس إسلامي لا يقع تحت سلطة تلك المحاكم، وهو ما يفتح الباب أمام المواجهة وأمام غضبة شعبية جديدة لأجل باب الرحمة”. يؤكد ابحيص
ويضيف “إذا ما وجد الحشد الجماهيري والإصرار على حماية باب الرحمة، فإن فرص الاحتلال في إعادة إغلاقه تمسي صفرًا”.
ويؤكد أن المسجد الأقصى وإن تعرض لمحاولة التقسيم المكاني بإغلاق باب الرحمة من جديد فلن يبقى وحيدًا، وستهب جماهير القدس وفلسطين للدفاع عنه.
وبحسب ابحيص “فمن تمكن من فرض فتح المصلى بقوة 70 ألف من الجماهير قادر على إبقائه مفتوحًا، لأنه بالإرادة الجماهيرية والاستعداد للمواجهة يتراجع الاحتلال رغم أنفه”.
إرادة شعبية
وتحاول شرطة الاحتلال مع اقتراب الذكرى الأولى لهبة باب الرحمة إعادة إغلاق الباب بالكامل وبشكل دائم والتضييق على المصلين، بحيث تعود الأمور لما كانت عليه قبل الهبة، في “محاولة على ما يبدو لترجيح كفة المستوطنين الذين يطالبون بتحويله إلى كنيس يهودي”. يقول أستاذ دراسات بيت المقدس عبد الله معروف.
ويوضح معروف لوكالة “صفا” أن الاحتلال يخشى أن تكون هذه الذكرى تثبيتًا للواقع الحقيقي في المصلى، وهو افتتاحه كمصلى للصلاة وتثبيت واقعه بشكل دائم.
لذلك “يسعى الاحتلال بكل قوة لئلا تصبح الهبة الشعبية واقعًا حقيقيًا على الأرض، كونه يتعامل مع نتائجها على أنها لم تكن، ويحاول تثبيت هذه الفكرة من خلال الاعتداء المباشر على باب الرحمة والتعامل معه كمكان عام، وليس مصلى”.
ويشير معروف إلى أن الاحتلال يحاول بكل الطرق أن يثبت في أذهان المقدسيين فكرة أنهم فشلوا في افتتاح المكان للصلاة، وفي تثبيت إرادتهم فعليًا على الأرض.
وبنظره، فإن الاحتلال لا يملك أي قدرة قانونية فعليَة لإعطاء أحكام تتعلق بالواقع داخل المسجد الأقصى، الذي لا يخضع لأي محاكم إسرائيلية، وبالتالي فإن شرطة الاحتلال لن تنجح في مساعيها لإعادة إغلاق باب الرحمة مجددًا.
ويؤكد أن الإرادة الشعبية المقدسية هي الضامن الوحيد لكسر قرارات الاحتلال وإرغامه على التراجع ووقف مخططاته، مثلما حدث في هبة باب الأسباط، وكذلك باب الرحمة.