مرايا – تُبدي الشابّة الكفيفة غادة زملط، انسجاماً كبيراً خلال حوارها الإذاعي مع إحدى السيدات من ذوي الإعاقة، التي نجحت مؤخراً في إثبات نفسها في عدد من المجالات الرياضية، وتمكنت من افتتاح مشروعها الخاص.
تُوجّه زملط للشابّة سؤال عن السبب وراء إقدامها على تلك الخطوات وتفاعل الناس معها، لتجيب “كلّ ذلك بالنسبة لي، جاء من أجل الانتصار على الواقع الذي فرضه علينا المجتمع، والذي يسعى لتعزيز فكرة أنّنا لسنا قادرون”.
تتوالى الأسئلة، وتختتم الشابّة غادة الحلقة الإذاعية قائلةً “إلى هنا تنتهي حلقة جديدة ضمن برنامج (أنا ريادي)، والذي عرضناه لكم عبر البث الإلكتروني الخاص بإذاعة (شمس) الأولى للمكفوفين، والتي تبث من داخل قطاع غزّة”.
وتذكر زملط التي تعمل في الإذاعة منذ انطلاقها، قبل عدّة أسابيع، لمراسل الأناضول، أنّها تقدم من خلال برنامجها ذاك، مختلف قصص النجاح التي حققها أشخاص من ذوي الإعاقة في فلسطين بشكلٍ عام، وقطاع غزّة تحديداً.
تشير وهي التي فقدت بصرها قبل عدّة سنوات، إلى أنّ الإذاعة كانت هي الحاضن الأول لها، بعد دراستها لتخصص اللغة العربية والإعلام، كون كثير من المؤسسات في القطاع، لا تمنح فرصة عمل للأشخاص ذوي الإعاقة، إلّا نادراً.
يقول مدير الإذاعة عمرو الحاج، إنّ فكرة الإذاعة انطلقت أساساً من الحاجة الماسة، التي يحتاجها الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل عام، كون وسائل الإعلام المحلية قليلاً ما تلفت لقضاياهم.
ويوضح أنّ مقرها في مدينة الزهراء وسط قطاع غزّة، وأتت ضمن برنامج مركز شمس للإعلام، التابع للاتحاد العام للمعاقين بصرياً، والذي يختص بتأهيل أصحاب المواهب الإعلامية من ذوي الإعاقة البصرية، وتحضيرهم لسوق العمل متسلحين بمعظم المعارف الخاصّة بالمجال.
وعن سبب تسمية الإذاعة باسم “شمس”، يجيب “مصدر النور في هذا الكون هي الشمس، والإذاعة كذلك بالنسبة للفئة التي أطلقتها، فهم يرون فيها، النور الذي سيمكن الأشخاص أصحاب الإعاقة من شق طريقهم والتعبير عن قضاياهم المختلفة”.
ويردف بقوله “نسعى لإيصال صوتنا من خلال هذه الإذاعة، التي تتخذ من منصة فيسبوك مكاناً لبثها، لمختلف الجهات المسؤولة في البلد، والتي يمكن أن تساهم في حل بعض المشكلات التي نعاني بها”.
ويتابع “لمسنا منذ بداية الانطلاق في شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، الماضي، تفاعلاً كبيراً من الجمهور مع مختلف القضايا التي نطرحها، من خلال المذيعين على الهواء مباشرة، أو من خلال الحلقات المسجلة”.
ويشير إلى أنّ بثهم حالياً يعتمد بشكلٍ أساسي على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ضعف الدعم الذي يصل لهم، وإذا ما تحسن الحال، فستكون خطوتهم الأولى هي الانطلاق عبر البث الإذاعي الأرضي المحلي (FM)، ثمّ الفضائي.
وتقدم الإذاعة البرامج بطريقتين، الأولى هي الإذاعية الخالصة المسجلة، التي تقدم بعض أصحاب التجارب والمواهب من ذوي الإعاقة، والثانية هي عبارة عن برامج مرئية مصورة بشكلٍ مباشر، تقدم المعارف والنصائح المختلفة.
ويكمل “أنّهم بدأوا أول خطوات التأسيس خلال أغسطس (آب) المنصرم، من خلال الإعلان عن الفكرة عبر منصات التواصل، وفي الثالث من كانون أول (ديسمبر) الماضي، وهو اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، أقاموا حفل الافتتاح، بعد أيام من انطلاق البث”.
ويشير إلى أنّ الإذاعة تضم 8 عاملين متطوعين، منهم المذيعين وهم جميعهم من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية، ومنهم المعدين للبرامج، وآخرون يشتغلون في قسم الهندسة الصوتية والمونتاج.
المذيعة الشابّة وردة الشنطي، تبلغ من العمر 27 عاماً، وتخرجت من قسم اللغة العربية والإعلام في الجامعة الإسلامية سنة 2015، تروي لمراسل أناضول، أنّ سعادتها بإطلاق هذه الإذاعة لا توصف، وشكّلت على صعيدها الشخصي نقلة نوعية في العمل.
وتبيّن الشنطي، أنّها عملت في الأوقات السابقة، في عدد من الإذاعات المحلية، ومؤخراً صارت تقدم برنامج يهتم بذوي الإعاقة عبر تلفزيون فلسطين الرسمي.
وفقدت الشنطي بصرها، جراء مرض نادر، يسبب تليّف الشبكية، أصابها حينما كانت في الشهر التاسع من عامها الأول.
وتقدم وردة عبر الإذاعة، برنامجا مرئيا، يهتم بتعليم مختلف الأشخاص، بلغة “برايل” الخاصّة بالمكفوفين، وتشرح لهم عبر البث المباشر تفاصيلها وكيفية التعامل معها، لتصير بالنسبة لهم سلسة.
وتنشغل كذلك الشابّة بإعداد وتقديم البرنامج الصباحي الذي تناقش من خلاله خلال موجة مفتوحة يومياً، مختلف القضايا الحياتية لسكان القطاع، وتستضيف فيه شخصيات متعددة، وتركز من خلاله على ربط القضايا بذوي الإعاقة البصرية بصورةٍ ذكية.
وإضافة لذلك، تهتم الشنطي كثيراً ببرنامج “من حقي”، وبرنامج “لوك جديد، حيث تناقش في الأول حقوق المكفوفين وتعمل على حشد مناصرة رقمية لهم، وفي الثاني تتحدث عن الموضة والألوان وغيرها من التفاصيل البارزة على الساحة.
عودة للشابةّ غادة زملط التي تسرد أنّها تسعى من خلال البرامج التي تقدمها في إذاعة “شمس”، لكسر النظرة النمطية السائدة عن الأشخاص ذوي الإعاقة، ولتعريف المجتمع بإمكانياتهم العظيمة التي يمكن أن تصبح مؤثرة جداً لو وجدت الحاضنة الداعمة لها.
وعن المعيقات التي تواجهها خلال العمل، تتحدث أنّ أمر الربط بين ما ينقله مهندس الصوت للمذيع، وبين التفاعلات التي يكتبها المتابعون على صفحة الإذاعة، خلال تقديم البرامج أمرٌ صعب للغاية ويحتاج لتركيز كبير.
وتضيف “هناك معيقات أخرى لها علاقة بمكان وجود الإذاعة التي تبعد عن مركز مدينة غزّة، الأمر الذي يكلفني كثيراً خلال التنقل بينها وبين بيتي، وتزداد تلك المعاناة، لأنّها متطوعة ولا تتلقى دخلاً عن عملها في الإذاعة”.
والجدير ذكره، أنّ دائرة تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة بوزارة التنمية الاجتماعية بغزة، كانت قد أعلنت بداية الشهر الماضي، عن أنّ تعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة بحسب بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني المركزي الأخيرة، بلغ (127962) فردا، أي ما نسبته 6.8 بالمائة من مجمل سكان القطاع.