مرايا – من جديد، عادت البالونات الحارقة، التي يستخدمها الفلسطينيون في قطاع غزة، لإجبار دولة الاحتلال الإسرائيلي على “تخفيف الحصار”، لتُشعل الأوضاع “الهشة” من جديد.
فبعد شهور من التوقف، استأنفت “مجموعات شبابية”، الأسبوع الماضي، إطلاق بالونات تحمل موادا حارقة أو متفجّرة، وهو ما يتسبب باندلاع حرائق في الأراضي الزراعية الواقعة في الجانب الإسرائيلي من الحدود.
ويقول الفلسطينيون إنهم يستخدمون هذه الأساليب بهدف دفع الاحتلال على تخفيف الحصار عن قطاع غزة المفروض منذ عام 2007، والذي تسبب في تردي الأوضاع المعيشية للسكان.
وربط وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، في تصريح له، يوم الإثنين، “ازدهار” قطاع غزة، بإطلاق حركة حماس سراح 4 إسرائيليين، أسرتهم عام 2014، وتطالب بإطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابلهم.
وأقدمت دولة الاحتلال في ساعة متأخرة من مساء الاثنين، على إغلاق معبر “كرم أبو سالم”، وهو المنفذ التجاري الوحيد مع قطاع غزة، بداية من الثلاثاء وحتى إشعار آخر؛ باستثناء السماح بدخول الإمدادات الإنسانية والوقود؛ وقالت إن الخطوة ردا على “إطلاق البالونات”.
بدورها، قالت حركة “حماس”، في تصريح وصل “الأناضول” نسخة منه، تعقيبا على ذلك القرار، إن إغلاق المعبر يأتي في إطار “الضغط على غزة وتضييق الخناق وتشديد الحصار”.
وقال المتحدث باسم الحركة، عبد اللطيف القانوع، في بيان “من حق شعبنا أن يعيش بكرامة على أرضه، وأن يناضل من أجل رفع الحصار (…) وكل وسائل التهديد لم يعد لها أي جدوى أمام إرادة كسر الحصار”.
وشرع الفلسطينيون باستخدام هذه البالونات، في مايو/ أيار لعام 2018، كإحدى “الأدوات الخشنة” المرافقة لمسيرات العودة، التي انطلقت في مارس/ آذار من ذات العام، رفضا للحصار الإسرائيلي.
وتوقف إطلاق البالونات بشكل نسبي، مع تقدّم مفاوضات التهدئة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، نهاية 2018، بواسطة مصرية وأممية وقطرية، والتي تقضي بتخفيف الحصار عن القطاع، مقابل وقف تلك المسيرات وأدواتها.
لكن الحكومة الإسرائيلية، بحسب الفلسطينيين، تُماطل بتنفيذ بنود التفاهمات، ولم تخفف الحصار عن القطاع.
إطلاق البالونات
ويقول منسق إحدى الجماعات الشبابية التي تطلق البالونات (تتبع لفصائل فلسطينية لا تكشف عن هويتها)، أثناء تجهيز إطلاق دفعة جديدة من البالونات الحارقة باتجاه الجانب الإسرائيلي “نحن كشباب ثائر، ما زلنا على العهد، كلما تراجع الاحتلال في اتفاقياته، سيكون لنا كلمة في الميدان”.
وأضاف في حديث خاص لوكالة الأناضول “طالما العدو يماطل في تنفيذ التفاهمات، سنجعل سكان الغلاف يتألمون كما يتألم شعبنا (…) ولن نخشى الموت في ذلك”.
وبيّن أن مطالب هذه الجماعات واضحة وهي “رفع الحصار عن قطاع غزة”، محذرا من أن “تواصل فرض الحصار سيؤدي إلى المزيد من إشعال الحدود”.
من جانبه، قال داود شهاب، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، وعضو الهيئة القيادية العُليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، إن الهيئة “ليست بالضرورة أن تكون هي من تقرر إطلاق البالونات، فهناك رد فعل عفوي من مجموعات ووحدات العمل الشعبي”.
وبيّن شهاب، في حديث خاص لـ”الأناضول”، أن هذا العمل “الشعبي” يأتي “بسبب اعتداءات الاحتلال المتواصلة المتكررة بشكل شبه يومي من إطلاق نار على منازل المواطنين وحقول المزارعين وقوارب الصيد”.
وأضاف إن من أسباب إطلاق البالونات “تشديد الحصار والظروف القاهرة التي نتجت عنه، وتلكؤ الاحتلال في تنفيذ إجراءات كسر الحصار بذرائع مختلفة، وإغراق البلد في أزمات متلاحقة”.
وعدّ شهاب “ردود الفعل الشعبية (بإطلاق البالونات) بمثابة الرسالة التي تطالب بوقف الحصار والعدوان وأن من حق غزة العيش الآمن”.
واستكمل قائلا “البالونات أداة فعل وضغط شعبي، والمقاومة تراقب وتتابع المشهد وقد تتدخل في أي وقت في حال تعرض شعبنا لعدوان”.
وأوضح شهاب أن “استخدام هذه الأدوات الشعبية قد تزداد في الفترة المقبلة، في حال لم يلتزم الاحتلال بوقف العدوان بحق غزة، ولم يبدأ بإجراءات تخفيف الحصار”.
رسائل أُخرى
وإلى جانب البالونات الحارقة، أطلق فصيل مسلح يُعتقد أنه كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، صباح الاثنين الماضي، دفعات من الصواريخ “التجريبية” باتجاه البحر.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن إطلاق الصواريخ، يعد بمثابة “رسائل تحذيرية لإسرائيل بأن الهدوء لن يطول”.
كما أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد الماضي، أن فلسطينيين أطلقوا النار باتجاه الشريط الحدودي مع غزة، نحو قوة عسكرية إسرائيلية، دون وقوع إصابات.
وقال الناطق باسم الجيش أفيخاي أدرعي، في بيان وصل وكالة الأناضول “سُمع صوت إطلاق نار باتجاه أعمال إسرائيلية على السياج الأمني جنوب قطاع غزة”.
وبداية الشهر الجاري، أعلن الجيش رصده إطلاق قذيفة صاروخية من باتجاه المستوطنات المحاذية لقطاع غزة؛ فيما اعترضتها منظومة القبة الحديدية.
رسائل بالنار
الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى إبراهيم، قال إن إطلاق البالونات الحارقة من غزة، هي أدوات شعبية يتكرر استخدامها كلما ساءت الأوضاع الاقتصادية بالقطاع.
وأضاف، لوكالة “الأناضول”، أو في حين لم “تلتزم إسرائيل في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بتفاهمات التهدئة”.
ورأى أن استخدام البالونات الحارقة أو المتفجرة يأتي في سياق أن تبقى “المطالبات شعبية، لا تجر القطاع لتصعيد واسع، إنما ترسل رسائل بضرورة التخفيف من الحصار”.
وأوضح أن الرد الإسرائيلي على إطلاق تلك البالونات، رغم محدوديته، إلا أنه يحدث “انتهاكات بحق المزارعين وأضرارا ربما للفصائل المقاومة، أو المناطق المحيطة بالمكان المستهدف”.
وعدّ إبراهيم “إطلاق فصائل المقاومة لصواريخ (تجريبية)، الإثنين الماضي، بمثابة رسالة لإسرائيل أكثر من كونها تجارب؛ في ظل التهديدات الإسرائيلية بضرب غزة”.
وأعرب عن تخوفاته من ازدياد التوتر في ظل “تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي غانتس، التي اشترط فيها رفع الحصار عن غزة بإطلاق سراح 4 إسرائيليين، تحتجزهم حركة حماس، منذ الحرب الأخيرة في عام 2014”.
واستكمل قائلا “يبقى ذلك في إطار الرسائل المتبادلة، لكن أخشى أن يتطور الوضع، إلا إذا كان هناك تحرك عاجل لإرسال أموال أو مساعدات لغزة”.
وتوقع استمرار حالة التصعيد الشعبي بغزة “طالما لم تلتزم إسرائيل بوعدها في تقديم التسهيلات والتحسينات لغزة”.
ويعاني أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في غزة، من حرمانهم من السفر إلى خارج القطاع، بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ نحو 14 عاما.
كما تسبب هذا الحصار بتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لدى السكان، ما أدى إلى ارتفاع مؤشري الفقر والبطالة إلى 52 بالمئة، و50 بالمئة، على التوالي، بحسب إحصائيات رسمية.