مرايا – مسرعة بدأت هبة تبحث في غرف منزلها عن الجهاز الطبي الخاص بطفلها المريض بالربو. تُسابق الوقت لعلّها تكسب جلسة لمريضها قبل انقطاع التيار الكهربائي عن منطقتها. وما إن باشرت الجلسة التي قد تستغرق 15 دقيقة، قُطعت الكهرباء. بحرقة قلب تقول “من المفترض أنّ تستمر الكهرباء حتى العاشرة مساءً. ماذا يحصل في البلد؟ ممكن أن يموت المريض. لم ينهِ أيّ جلسة طوال اليوم بسبب استمرار انقطاع التيار”.
في الحقيقة، لا يمكن لوالدة الطفل المريض تشغيل الجهاز بعد الآن. فسلطة الطاقة الفلسطينية توقفت عن العمل بالكامل. ولا يمكنها تشغيل محطة توليد الكهرباء نهائياً، منذ اتخاذ الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قراراً بوقف نقل الوقود إلى محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزّة.
إيقاف كامل
يكشف مدير العلاقات العامة والإعلام في شركة توزيع الكهرباء محمد ثابت أن “سلطة الطاقة أطفأت مولدات توليد الكهرباء بشكلٍ نهائي، بعد توقفها بكامل قدرتها الإنتاجية بسبب نفاد الوقود من مخازنها، نتيجة إيقاف توريد الوقود اللازم لتشغيل المحطة من الطرف الإسرائيلي… نحن غير قادرين على إمداد غزّة بالكهرباء”.
فعلياً، أوقفت إسرائيل توريد الوقود إلى غزّة في 12 أغسطس (آب)، بعد استئناف إطلاق البالونات الحارقة من القطاع صوب التجمعات السكانية الإسرائيلية المحاذية لغزة. وبعد خمسة أيّام، أعلنت شركة توليد الكهرباء توقفها عن العمل بشكل نهائي.
ثلاث ساعات يوميّاً
يوضح ثابت أنّه لا توجد خزانات للوقود. ففي العام 2014 دمّرت إسرائيل المخازن التي كانت تستوعب 20 ميلون ليتر. وتمّ تعويض مخزن بقدرة 700 ألف ليتر للعمل، بينما لدى شركة توليد الكهرباء أربعة مولدات تعمل على إنتاج الكهرباء، يعمل منها فعلياً ثلاثة، يستهلك الواحد منها 160 ألف ليتر في اليوم لينتج أقل من 30 ميغاواط.
وتحتاج شركة توليد كهرباء غزّة إلى 650 ألف ليتر يومياً لتشغيل ثلاثة مولدات لإنتاج الكهرباء، ولا تسمح إسرائيل بإدخال أيّ أسطول من الوقود، يشير ثابت إلى أنّه بعد توقف إنتاج الكهرباء فإنّ نسبة العجز في التيار قد تزيد على 75 في المئة من الكمية التي كانت متوافرة وفيها عجز.
وتعمل شركة توزيع كهرباء غزّة وفق جدول ثماني ساعات يقابلها ما يماثلها بالقطع. مع عجز ساعتين خلال ساعات الوصل. لتصبح ست ساعات وبقية اليوم بلا تيار عن سكان القطاع. أما بعد توقف توليد الكهرباء، وفق ثابت، فإنّ “ساعات وصل التيار قد لا تصل إلى ثلاث ساعات خلال اليوم”.
قدرات معطلة
في التفاصيل، فإنّ قطاع غزّة يحتاج إلى 500 ميغاواط من الكهرباء يومياً. يتوافر منها فعليا 215 ميغاواط، من ثلاثة مصادر، الأوّل شركة الكهرباء الإسرائيلية بقدرة تصل إلى 120 ميغاواط، والثاني الخطوط المصرية بقدرة 25 ميغاواط لكنها معطلة منذ 2018، والثالث من محطة التوليد في غزّة في اليوم 75 ميغاواط.
وبعد توقف توريد الوقود، تخسر غزّة 25 ميغاواط المتوقفة أساساً من الخطوط المصرية، إلى جانب 75 ميغاواط التي تنتجها غزّة، وتكتفي بتوزيع 120 ميغاواط الواردة من الخطوط الإسرائيلية. يقول ثابت إنّ “الكمية الأخيرة لا تكفي لخمس محافظات في القطاع، ولتخدم مليوني نسمة، إضافة إلى المصانع والمؤسسات والوزارات والمستشفيات وقطاع التعليم. ما يعني أنّ غزّة ستحصل خلال الأيّام المقبلة على أقل من ثلاث ساعات تيار كل 24 ساعة.
ذريعة
تبرّر الرواية الإسرائيلية وقف إمداد غزّة بالوقود بردّ فعل طبيعي، بعد استئناف إطلاق البالونات الحارقة (بالونات مربوطة تحتوي على مواد مشتعلة وقابلة للانفجار)، من القطاع صوب التجمعات السكانية الإسرائيلية المحاذية لغزة، وعودة فعاليات الإرباك الليلي على الحدود معها. ما تسبب في تسجيل رقمٍ قياسي من الحرائق في أراضيها وصل إلى 90 حريقاً خلال يوم واحد، ولكن من دون تسجيل إصابات.
ولم يكن هذا العقاب الأوّل. فالأسبوع الماضي، أغلقت إسرائيل المعبر التجاري الوحيد مع غزّة، ومنعت إدخال مواد البناء للقطاع. كذلك أغلقت المجال البحري أمام صيادي الأسماك ومنعتهم من النزول في مراكبهم إلى شاطئ القطاع القصير (طوله 40 كيلومتراً)، وشنّت مقاتلاتها الحربية سلسلة غارات على مناطق متفرقة في غزّة (سجلت الصحة ثلاث إصابات لمدنيين).
في الحقيقة، كانت إسرائيل تتعامل مع مطلقي البالونات الحارقة والمشاركين في فعاليات الإرباك الليلي (شباب ثائر يطلق قنابل الصوت والإنارة بالقرب من الحدود الإسرائيلية)، بالاستهداف المباشر وإلحاق الضرر بهم، لكنّ الجهات الأمنية الإسرائيلية غيّرت القواعد إلى عقابٍ جماعي لسكان القطاع.
توتّر
يشهد قطاع غزّة منذ أكثر من أسبوع توتراً ساخناً مع إسرائيل، بعد انتهاء فترة الهدوء المبرمة بين إسرائيل وحركة “حماس”، برعاية مصرية وأممية. وعدم التزام إسرائيل تنفيذ اتفاقية التفاهمات بين الطرفين وأسفرت عن توقف الحراك السلمي (مسيرة العودة) على حدود غزّة مع إسرائيل.
هذا الموضوع أثار غضب “حماس”، فأرسلت تحذيرين إلى إسرائيل، الأوّل من خلال رسالة تهديد عبر الوسيط المصري، والثاني مباشر، يقول المتحدث باسم حماس فوزي برهوم إنّ “إسرائيل مسؤولة عن تدهور الأوضاع وما ستؤول إليه في القطاع، عقب تراجعها عن تنفيذ تفاهمات التهدئة، ووقف توريد وقود الكهرباء، لدينا الحق المشروع في مقاومة الظلم والحصار بكلّ أدوات وأشكال النضال والكفاح، ما دام لم يتوقف العدوان وينتهِ الحصار”.
وقد وصل رئيس جهاز الاستخبارات المصرية إلى قطاع غزّة، ليجري مباحثات مع الفصائل الفلسطينية، تهدف إلى إعادة الهدوء إلى غزّة، وعدم الانجرار إلى تصعيدٍ عسكري مفتوح، مقابل إعادة توريد الوقود، وعمل شركة الكهرباء، والسماح للصيادين بالنزول إلى المياه، ووفقاً للتقديرات فإنّ الفصائل شبه موافقة على ذلك ضمن محددات.
قصف وتوتر
في الأثناء، قصفت طائرات ودبابات إسرائيلية مواقع لحركة “حماس” في قطاع غزة فجر الاثنين، بحسب الجيش الإسرائيلي ومصادر أمنية فلسطينية، في إطار ما تحوّل إلى رد يومي على إطلاق بالونات حارقة وصواريخ على مناطق في جنوب إسرائيل.
وكشف الجيش في بيان عن أن “الدبابات الإسرائيلية استهدفت عدداً من نقاط المراقبة العسكرية التابعة لحماس الإرهابية في قطاع غزة”.
وأضاف أن عشرات الأشخاص قاموا مساء الأحد “بإثارة أعمال شغب على طول السياج الأمني لقطاع غزة”.
ولم ترد تقارير فورية عن سقوط ضحايا جراء القصف.
وأكد مصدر أمني في غزة “نفذت طائرات الاحتلال ودباباته عدواناً جديداً على قطاع غزة واستهدفت عدداً من المواقع ونقاط الرصد تابعة للمقاومة قرب السياج” الفاصل بين الجيب الفلسطيني وإسرائيل “ما أحدث أضراراً متفاوتة”.
واعتبر الناطق باسم “حماس” حازم قاسم القصف الإسرائيلي “استمراراً للعدوان على شعبنا بهدف تصدير أزمات قادة الاحتلال الداخلية”.