مرايا – عُرف صائب عريقات الذي توفي الثلاثاء عن 65 عاما، لسنوات طويلة على أنه كبير المفاوضين الفلسطينيين وكان أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، ما جعله من الشخصيات السياسية البارزة، إذ نجح في بناء علاقات قوية بين الفلسطينيين والقوى الكبرى.

شارك عريقات الذي كان ضمن دائرة المقربين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مفاوضات عدّة في محاولة لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، قبل أن تعلن السلطة الفلسطينية قبل عدة سنوات تجميدها، وقطع العلاقات مع الإدارة الأميركية أيضا لانحيازها لإسرائيل.

وعليه، أصبح عريقات صوت الفلسطينيين الذين يعبرون من خلاله عن رفضهم لكثير من السياسات المتعلقة بقضيتهم.

كان عريقات شاهدا على انهيار خيار حل الدولتين، أمام التوسع الاستيطاني والعنف المتقطع بين الجانبين، وجهود السلام المتوقفة، وكذلك الانقسام الفلسطيني.

في العام 2015، وعندما نفذ الفلسطينيون سلسلة من الهجمات بالسكاكين والأسلحة النارية وعمليات الدهس، ألقى عريقات باللوم على سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو التي تسبب بارتفاع وتيرة العنف.

وفي معرض رده على سؤال لوكالة فرانس برس حول ما إذا كانت هناك ضرورة لإدانة الهجمات الفلسطينية، رد بالقول “أدين من يقضون على الأمل”.

وتابع “أدين أولئك الذين اختاروا المستوطنات والإملاءات بدلا من السلام والمفاوضات. قلت لكم إنني لا أوافق على قتل المدنيين، سواء إسرائيليين أو فلسطينيين”.

وأضاف عريقات حينها “أنا رجل سلام، أريد السلام، أعترف بحق إسرائيل في الوجود”.

صعد عريقات إلى الصدارة كشخصية إعلامية في مؤتمر مدريد للسلام في العام 1991 في مدريد، إذ كان يتوشح الكوفية الفلسطينية باللونين الأسود والأبيض. لكنه لم يكن ضمن الوفد الفلسطيني المفاوض في أوسلو في العام 1993.

مثّل الأستاذ الجامعي المولود في القدس في العام 1955، شخصية محورية في الساحة الفلسطينية ومحاور لا يمكن تجاوزه للمبعوثين الأجانب، يتحدث الإنكليزية بطلاقة، ويتمتع بحس الفكاهة.

كان عريقات عضوا في البرلمان الفلسطيني منذ العام 1996، وشخصية مقربة من الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لكنه لم يكن معه في منفاه في الخارج.

مؤخرا، بات عريقات من أشد المنتقدين لسياسة إسرائيل في احتجاز جثامين الفلسطينيين الذين قتلوا خلال هجمات نفذت ضد إسرائيليين، خصوصا بعد مقتل شاب من أقاربه عند حاجز عسكري في الضفة الغربية المحتلة في حزيران/يونيو الماضي.

عانى كبير المفاوضين الفلسطينيين لسنوات من التليف الرئوي، وخضع في العام 2017 لعملية زراعة رئة في مستشفى في الولايات المتحدة.

في 9 تشرين الأول/اكتوبر، أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية عن إصابته بفيروس كورونا.

نقل عريقات في 18 تشرين الأول/أكتوبر، إلى مستشفى (هداسا عين كارم) الإسرائيلي في القدس، حيث ألحق بقسم العناية المكثفة الخاص بالمصابين بالفيروس.

وفي 19 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن المتحدث باسم المستشفى عن تدهور حالة عريقات الصحية، واصفا إياها بأنها “حرجة”.

وفي 10 تشرين الثاني/نوفمبر أعلنت الرئاسة الفلسطينية وفاته متأثرا بالمرض.

– وثائق المفاوضات –

قام عريقات المناور الحذق والسلس الذي يمكن أن يستشيط غضبا أيضا، بدور أساسي في المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية السابقة وخصوصا أثناء قمة كامب ديفيد التي فشلت في تموز/يوليو 2000، ثم في الأشهر التالية خلال مفاوضات طابا بمصر التي تقاربت فيها كثيرا مواقف الطرفين لكنها لم تتوج باتفاق.

كذلك انخرط أمين سر منظمة التحرير، في أحدث محاولة لاستئناف جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية والتي بادرت إليها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لكنها انهارت في نيسان/أبريل 2014.

يلقب عريقات بكبير المفاوضين الفلسطينيين باعتباره رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية منذ 2003. وقد استقال من هذا المنصب في شباط/فبراير 2011 بسبب كشف وثائق حول مفاوضات السلام مع إسرائيل ما بين 1999 و2010، والتي بثتها قناة الجزيرة الفضائية.

وقال حينذاك إن استقالته “تأتي من منطلق تحملي كامل مسؤوليتي لخرق سرقة الوثائق من مكتبي وما لحقها من تحريف وتزوير”.

ونجح المسؤولون الفلسطينيون في التخفيف من وقع نشر هذه الوثائق التي بدا فيها المفاوضون الفلسطينيون مستعدين لتقديم تنازلات مهمة من دون مقابل من الجانب الإسرائيلي، في ملفات مهمة مثل القدس الشرقية واللاجئين.

ولم يؤد نشر الوثائق إلى ردود فعل كبيرة في الرأي العام الفلسطيني، إلا أنه أضعف موقف عريقات لأن الوثائق خرجت من مكتبه.

لكن عدم تحقيق المفاوضات التي قادها نجاحا، جعله لا يحظى بدعم شعبي كاف بين الفلسطينيين.

وفي 2009، انتخب عضوا في اللجنة المركزية لحركة فتح وفي اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

حصل عريقات على الشهادة الجامعية الأولى من جامعة سان فرانسيسكو الأميركية، ثم حصل من جامعة برادفورد البريطانية على شهادة الدكتوراه في دراسات السلام.

وعمل لاحقا محاضرا للعلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية في نابلس التي تعد من أكبر الجامعات الفلسطينية وأعرقها، في الضفة الغربية من 1979 إلى 1991.

وقد عمل صحافيا في جريدة القدس الفلسطينية لمدة 12 عاما. وألف نحو عشرة كتب، اتخذ من مدينة أريحا قرب القدس مسكنا له ولعائلته.

وهو متزوج من نعمة عريقات، وله من الأبناء دلال وسلام وعلي ومحمد.