مرايا – على بعد مئات الأمتار من الجدار الصهيوني الفاصل، غربي مدينة الخليل، يقع كهف ضخم، تتعدد الروايات حول استخداماته عبر التاريخ.

إحدى تلك الروايات تقول أنه كان منطلقا للفلسطيني في مقاومته الغزو الروماني خلال الفترة ما بين 63 قبل الميلاد و324 ميلادية.

يطلق على الكهف اسم “طور بِدّو”، وهو جزء من قرية “بيت لبان” الأثرية، جنوبي الضفة الغربية، حيث تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن مركز بلدة “إذنا”.

لكن الكهف يقع ضمن منطقة مصنفة “ج” من أراضي الضفة الغربية، الخاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة.

تأخذ الزائر إلى الكهف، طريق ترابية مهملة بطول عدة مئات من الأمتار، وصولا إلى مدخل ضخم، وكهف متشعب تصل بعض ارتفاعاته إلى 20 مترا.

ورغم وجود مبادرات محلية ورسمية لاستعادة مكانة الكهف، وتحويله إلى مزار سياحي، إلا أن قلة الإمكانيات وتدخل الاحتلال الإسرائيلي تحول دون تحقيق الهدف المنشود.

حُفر الكهف في صخر طباشيري، حيث يتكون من عدة مرافق بينها غرف وسراديب، وحسب مختصين فإن أجزاءه بنيت في عصور مختلفة، أقدمها العصر اليوناني (322 ق.م -63 ق.م).

ويبدأ الكهف من فتحات في الأعلى تتسع في الأسفل، وبه باحات واسعة تؤدي إلى مرافق متعددة الاستخدام، لكن مع تقدم الزمن استحدثت فتحات في جوانبه.

وقال الباحث في الآثار جبر محيسن، للأناضول: “طور (كهف) بِدّو، يقع في قرية بيت لبان الأثرية، والتي يعود تاريخها لأكثر من 5 آلاف سنة”.

وذكر أن بعض معالم القرية تبدأ “من العصر البرونزي المبكر، 3200 قبل الميلاد، وبإمكان الزائر أن يرى العديد من الشواهد كالمغاور والكهوف والمعاصر”.

وأردف: “الكهف أحد أكبر الكهوف في فلسطين، ومساحته تزيد عن ألف متر مربع، وأقدم فترة منه تعود للفترة اليونانية عام 322 قبل الميلاد”.

وأوضح أن الفترة اليونانية تمثلت في الكهف بوجود فوهات أشبه بنوافذ حفرت في جدرانه، حيث ساق علماء الآثار أكثر من نظرية حول وظيفتها.

واستدرك: “إحدى تلك الوظائف أنها كانت تستخدم لتربية الحمام للاستفادة من لحومها وسمادها، والثانية للاحتفاظ برفات الموتى داخل قوارير توضع فيها”.

كما أفاد محيسن، بأن الكهف استخدم لمقاومة الغزو “حين قاوم الفلسطيني آنذاك بثورتين الغازي الروماني، الذي احتل البلاد وأراد فرض أنظمته على السكان”.

وقال إن الكهف “يعكس أحد أهم الوسائل التي استخدمها الفلسطيني قديما ضد الغزو الروماني، مثل الأنفاق والسراديب المؤدية إلى الغرف”، مردفا أن طول بعضها يصل إلى 150 مترا.

وذكر أن الأنفاق “كانت من أنجح الوسائل للتصدي للحاميات الرومانية في المدن، ما دفعهم لحرق فوهاتها ومداخلها”.

وأضاف أن الكهف بدأ في الاتساع لاحقا وخاصة في الفترة الرومانية، واستخدم مقلعا للحجارة المستخدمة في بناء البيوت.

ويقول باحثون إن “كهف بِدّو” هو الوحيد بحجمه وتاريخه في الأراضي المحتلة عام 1967، لكنه يشبه مئات الكهوف بمدينة “بيت جبرين” (تبعد نحو 10 كلم غربي الكهف).

وفي عام 2014، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، كهوف بيت جبرين على قائمة التراث العالمي.

وميّز قرية بيت جبرين موقعها الاستراتيجي، على الطرق القديمة المؤدية إلى القدس وبيت لحم والبحر المتوسط.

وهُجّر سكان مدينة بيت جبرين على أيدي العصابات الصهيونية في النكبة عام 1948.

ووفق نشرة إرشادية لحديقة بيت جبرين ( صهيونية )، فإن الفجوات الصغيرة بجدران بعض الكهوف المشابهة استخدمت لتربية الحمام للاستفادة من لحومه وبيضه ومخلفاته.

كما استخدمت في بعض الطقوس الدينية خلال الفترة الهيلينية، حيث يطلق عليها أيضا “كولومباريوم” (Columbarium)، وتعني بيت الحمام.

وذكر الباحث محيسن، أن الجدار الصهيوني الفاصل (بدأ بناؤه عام 2002) دمّر نحو 10 آلاف معلم أثري من كهوف وقبور وغيرها.

وأردف: “فضلا عن تدمير 5 آلاف من بين نحو 12 ألفا معلم مسجل في الأراضي المحتلة عام 1967”.

وذكر أن 54 بالمئة من الـ7 آلاف معلم المتبقية تقع في المنطقة “ج”، الخاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة.

وبنا الكيان الجدار الفاصل بين الضفة الغربية والاحتلال بذرائع أمنية، وفي عام 2004 اتخذت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة قرارا استشاريا يقضي بإدانته وتجريمه.‎

ويتكون الجدار من ألواح إسمنتية بارتفاع يتراوح ما بين 4.5 و9 أمتار بطول 712 كيلومترا، حيث يمر داخل الضفة الغربية.

بدوره، قال سامي أبو عرقوب، ممثل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، بمحافظات جنوبي الضفة، إن الاحتلال هو التحدي الأكبر أمام جهود رعاية وحماية المعالم الأثرية في فلسطين.

ويضيف للاحتلال الصهيوني ، “أيدي بعض العابثين، الذين ينبشون تلك المواقع والمعالم لغايات مادية”.

وأفاد أبو عرقوب، بأن المتاح حاليا “تكاتف المجتمع المحلي والبلديات والمجالس المحلية في الحفاظ عليها وفتح الطرق إليها وترويجها سياحيا”.

وأوضح أن الكيان لا تسمح لأجهزة الأمن الفلسطينية بالوصول للمناطق المصنفة “ج”، وتتدخل أحيانا لمنع الجانب الفلسطيني من العمل والترميم.

​​​​​​​وصنفت اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان أراضي الضفة الغربية إلى ثلاثة مناطق: “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و “ب” تخضع لسيطرة أمنية صهيونية ومدنية وإدارية فلسطينية، و “ج” تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية صهيونية .

وتشكل المنطقة “ج” نحو 60 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، حيث تقع فيها أغلب المواقع والمعالم الأثرية.-(الاناضول)