مرايا – لا يكاد يخلو يومًا إلا وتتعرض مدينة القدس المحتلة وسكانها لاعتداءات ممنهجة وهجمة صهيونية شرسة، تطال “البشر والحجر والشجر”، بموازاة المشاريع الاستيطانية التي لا تتوقف، بل تتسارع وتيرتها، في مسعى خطير لتفريغ المدينة بالكامل من سكانها الأصليين، وتكريسها عاصمة للكيان الصهيوني.
وتحارب سلطات الاحتلال المقدسيين بشتى الوسائل، وفي أدق تفاصيل حياتهم اقتصاديًا واجتماعيًا وتعليميًا وثقافيًا، بالمقابل تضخ ملايين الدولارات لـ”صهر وتطويع” وعيهم، بهدف إلغاء ومحو الهوية الوطنية الفلسطينية، وطمس حضارة وتاريخ القدس العريقة.
ومنذ بداية العام 2021، اشتدت الهجمة الصهيونية على القدس وسكانها، وتسارعت وتيرة المداهمات والاعتقالات، وعمليات الإخلاء وهدم المنازل ومخططات طردهم وتهجيرهم، ناهيك عن المخالفات والضرائب الباهظة، واعتداءات المستوطنين، والمشاريع الاستيطانية والتهويدية، التي طالت المدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك.
ورصد مركز معلومات وادي حلوة في شباط/ فبراير الماضي، هدم 20 منشأة في القدس، بحجة البناء دون ترخيص، 8 منها هُدمت ذاتيًا بقرار من بلدية الاحتلال، كما جرى اعتقال 135 مقدسيًا، من بينهم 39 قاصرًا.
وفي مقابل هذه الهجمة الشرسة، يقف المقدسيون وحيدين في ساحة المواجهة، متسلحين بالإرادة والصمود، لا يكترثون باعتداءات الاحتلال وعنصريته، في سبيل الحفاظ على بقائهم في مدينتهم، وعدم تركها “لقمة سائغة” للمستوطنين واليهود المتطرفين.
تغول الصهيوني
المختص في شؤون القدس جمال عمرو يقول لوكالة “صفا”: إن” سلطات الاحتلال بدأت بخطوات عملية وفعلية على الأرض لأجل تحضير القدس داخل جدار الفصل العنصري وخارجه، لأن تكون عاصمة عملاقة للكيان الصهيوني وحده”.
ويضيف أن المدينة تشهد منذ بداية العام الجاري تغولًا صهيونيا وهجمة استيطانية خطيرة تتصاعد يوميًا، وقد بدأ الاحتلال بتنفيذ خطوة إلى الأمام، لجعل المدينة عاصمة لليهود، لا للفلسطينيين، ولأن تكون 10% فقط من مساحة الضفة الغربية.
ويوضح أن الاحتلال يسعى إلى فصل مدينة القدس عن الضفة، ومنع أي تمدد أو تواصل جغرافي بينهما، وكذلك تقسيم الضفة إلى جزأين، لذلك يواصل اعتداءاته الممنهجة، وعمليات التطهير العرقي بحق المقدسيين.
وبحسب عمرو، فإن الاحتلال بدأ يتدحرج من خلال تنفيذ أضخم المشاريع التهويدية بالمدينة وبناء الأنفاق والشوارع العنصرية والطرقات على مدار الساعة، تمهيدًا لتنفيذ مشروع “القدس الكبرى”، مستغلًا الصمت العالمي والإسلامي على كل ما يجري.
ويشير إلى أن الاحتلال عمل على تدمير الآثار الإسلامية، وهدم المقابر وتجريفها، وطمس معالمها، والاستيلاء على العقارات بالقدس، وتهجير العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح وغيرها، في محاولة لإلغاء الهوية الوطنية.
ويتابع “نحن أمام حالة صهيونية هستيرية تهدف لإزالة الوجود الفلسطيني في القدس، وتغيير الحضارة العربية الإسلامية، لإحلال تاريخ وحضارة يهودية مصطنعة”.
ورغم كل هذه الاعتداءات والآلام، إلا أن المقدسيين صامدين، مستمرون في الدفاع عن مدينتهم ووجودهم بكل عزيمة وإرادة، وقد حققوا عديد الإنجازات بشأن ذلك، كما حصل في هبتي (بابي الأسباط والرحمة).
حرب على السيادة
وأما الكاتب المقدسي راسم عبيدات، فيقول إن الحرب في القدس تدور على السيادة والوجود الفلسطيني، بحيث يستخدم الاحتلال كل أجهزته الأمنية والمدنية لأجل إلغاء وجود المقدسيين واحتلال حيزهم المكاني.
ويوضح عبيدات في مقالة له، أن الاحتلال يعمل على تنفيذ خطة تسير في مسارين متوازيين، يتمثل في هدم منازل المقدسيين، وتكثيف الاستيطان و”تسمين” المستوطنات القائمة، لافتًا إلى أن الشهر الماضي شهد تكثيفًا في عمليات القمع والتنكيل بحق المقدسيين.
ولم تتوقف عمليات الهدم والإخطارات بالهدم في المدينة، وعلى مدار الساعة، مترافقة مع الاستيطان، بل تشهد عمليات تطهير عرقي ترتقي إلى جرائم حرب في حي بطن الهوى في بلدة سلوان، وكرم المفتي بحي الشيخ جراح، وغيرها.
ووفق عبيدات، هناك مخططات تسريع للمشاريع لأجل توسعة المستوطنات في شمال القدس وجنوبها، والترويج لخطة استراتيجية لتعزيز عدة مستوطنات، بالإضافة إلى خلق حزام استيطاني يعزل شمال المدينة عن مركزها.
ويؤكد أن الاحتلال يعمل على تحطيم واختراق جدار الوعي لدى أبناء القدس، وخاصة الفئات الشابة، عبر مؤسسات صهيونية متخصصة بذلك، تغسل أدمغتهم وتُغير قناعاتهم وتُسيطر على ذاكرتهم الجمعية، وتغرس في أذهانهم روايتها التلمودية والتوراتية، بدل الرواية العربية الفلسطينية.
ويضيف أن التعليم يجري أسرلته عبر إحلال المنهاج التعليمي صهيونية بدل المنهاج الفلسطيني، وإحلال المراكز الجماهيرية بدل الأندية والمؤسسات الشبابية الفلسطينية، وبما يضمن “كي” و”صهر” وعي المقدسيين.
ويشدد على أن حماية وإنقاذ القدس، يحتاج لأن تكون القدس حاضرة في كل عمل هيئات ومؤسسات المنظمة والسلطة الفلسطينية، وإلى خطة ممنهجة تدعم وتُعزز صمود وبقاء المقدسيين، وخاصة في قطاعات التعليم والإسكان والصحة والقطاع التجاري.