مرايا – بين أزقّة شوارع مدينة غزة، يتجول الطفل “أحمد”، محاولا إقناع المارّة بشراء كِمامة، من بين مجموعةٍ يحملها، في إطار سعيه لكسب قوت يومه.

“أحمد” (فضل عدم الكشف عن اسم العائلة)، لم يتجاوز الـ12 عاما من عمره، يسعى جاهدا لبيع كافة الكمامات التي بحوزته قبل مغيب الشمس، وإلا سيتعرض لعنف جسدي من وليّ أمره، كما يقول لوكالة “الأناضول”.

يعد أحمد، حالة من بين المئات، الذين انضموا لـ”العمالة”، في سنّ مُبكرة، جرّاء حالة الفقر، الناتجة، بحسب مراكز حقوقية محلية، عن الاحتلال الصهيوني ، والانقسام الفلسطيني الداخلي.

وفي ذات الشارع، يتوزع عدد من الأطفال المستوّلين، الذين يسألون الناس المال أو الطعام.

وأما الطفل رامي الخطيب (8 أعوام)، فلم يحصل على حقّه كاملا في التعليم، خلال عام 2020، حيث لجأت الوزارة في غزة إلى التعليم الإلكتروني (عن بعد)، في ظل جائحة “كورونا”.

الخطيب، الذي ينتمي لعائلة فقيرة، لم يتوفر لديه البنى الأساسية للتعليم الإلكتروني، وفق قول والدته “دعاء”، لوكالة “الأناضول”.

وتابعت: “لم نتمكن من توفير خدمات الإنترنت، وجهاز اللاب توب أو الهاتف المحمول، يوميا لرامي، الأمر الذي حرمه من الوصول إلى المواد التعليمية وأثر على تحصيله”.

ويعيش في قطاع غزة، ما يزيد على مليوني فلسطيني، يعانون أوضاعا اقتصادية ومعيشية متردية جراء الحصار الصهيوني المتواصل منذ عام 2006.

وبحسب إحصائية نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، لعام 2020، فإن ما يقارب نصف المجتمع الفلسطيني (في غزة والضفة الغربية)، من الأطفال (دون سن الـ18).

ويوافق الإثنين (5 أبريل/ نيسان)، يوم الطفل الفلسطيني، الذي أقرّه الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 1995.

**تحديات متعددة

يواجه الطفل الفلسطيني تحديات متعددة، في مختلف القطاعات، الأمر الذي يقلل من فرص حصوله على حقوقه الأساسية، وفق حسين حمّاد، الباحث في وحدة الأبحاث والمساعدة الفنية، بمركز الميزان لحقوق الإنسان (غير حكومي).

وقال حمّاد، لـ”الأناضول”، إن الاحتلال الصهيوني له دور بارز في تقويض فرص حصول الطفل على حقوقه، خاصة فيما يتعلق بـ”التنقّل، والعلاج، والحياة”.

وأضاف أن “الكيان تواصل انتهاكاتها بحق الأطفال سواء بغزة أو بالضفة، من خلال الاعتقال، أو الإصابة، أو توجيه الأذى النفسي، أو منع الحركة”.

وأوضح أن حرمان الأطفال من حقّهم في التنقل، خاصة المرضى، في سياق التحويلات الطبية اللازمة لانتقالهم من غزة إلى مستشفيات الضفة أو الكيان، للحصول على العلاج اللازم.

واستكمل قائلا: “رفض طلبات المرضى يتسبب بعض الأحيان في حرمانهم من العلاج اللازم، والموت”.

من جانب آخر، فقد ساهم الانقسام الفلسطيني الداخلي في تقليص مساحات الخدمات والحرية التي يجب أن تُتاح للأطفال، وفق حمّاد.

وبيّن أن تداعيات هذه الأحداث المُضافة لوجود الاحتلال وانتهاكاته، أعاقت تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، ومنحه كامل حقوقه وفق نص القانون الدولي.

وبحسب المركز، قتلت الكيان خلال عام 2020 طفلين في غزة، وأصابت 16 آخرين، واعتقلت 7 قرب حدود القطاع.

والأحد، قال نادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي)، إن 140 طفلا في السجون الصهيونية، بينهم اثنان تم اعتقالهم إداريا (بدون محاكمة)، يواجهون أوضاعا قاسية.

**”كورونا” والفقر

وصف حمّاد، عام 2020 بـ”السيئ” على الطفل الفلسطيني جرّاء تداعيات جائحة “كورونا” وزيادة الفقر، فضلا عن انتهاكات الكيان.

وفيما يتعلق بجائحة “كورونا”، فإن فرص الحماية للطفل من الإصابة بالفيروس، تنخفض جراء الفقر، وحالة الاكتظاظ الصفّي (في المدرسة).

ودفعت حالة الفقر التي يعشيها القطاع، وفاقمتها “كورونا”، إلى توجّه عشرات الأطفال للعمالة، والتسوّل، وفق حمّاد.

وتابع: “إن هذه الظاهرة بمثابة الجريمة بحق الطفل، وممنوعة ضمن القانون الدولي لحقوق الإنسان، كونها تنتهك الحقوق”.

وأشار إلى أن هذه الظاهرة تزيد من العنف المُمارس بحق الأطفال، سواء من محيط الأسرة أو المجتمع.

ودعا إلى محاربة التسوّل من خلال “إيجاد برامج علمية واجتماعية تُعيد تأهيل الأطفال في المجتمع”، وإصدار قوانين من شأنها حماية الطفل.

بدورها، تقدّر عزيزة الكحلوت، المتحدث الرسمي باسم وزارة “التنمية الاجتماعية”، أعداد الأطفال المستولين بغزة، بحوالي 400 طفل.

وأرجعت الكحلوت، في حديث لوكالة “الأناضول”، ذلك إلى استمرار الحصار الصهيوني والانقسام الداخلي.

وتابعت أن “الظروف الصعبة التي يعيشها قطاع غزة، أدت إلى تزايد نسبة الطلاق (دون تحديدها)، الذي نتج عنه حالة التفكك الأسري، وتشريد الأطفال”.

ولفتت إلى زيادة أعداد الأطفال المستولين منذ عام 2020، وذلك جرّاء تداعيات جائحة “كورونا”، التي دفعتهم للخروج بحثا عن قوت يومهم.

وفي إطار الخدمات المُقدّمة للأطفال، قالت الكحلوت إن وزارتها تطرح البرنامج الوطني الفلسطيني لـ”الحماية الاجتماعية”، بحيث يزيد عدد المستفيدين منه على 195 ألف طفل دون سن الـ18.

**تعليم إلكتروني

من جانب آخر، قال باسم أبو جري، الباحث في مركز “الميزان”، لـ”الأناضول”، إن مستويات الفقر والقيود المفروضة على سكان غزة، حالت دون حصول الأطفال على تعليم إلكتروني ناجح.

وتابع:” ذلك يأتي بسبب عدم امتلاك أسر الأطفال، أجهزة ذكية أو خط نفاذ لشبكة الإنترنت”.

وأضاف أن ما نسبته 34.83 بالمئة، من إجمالي عدد الطلاب في المدارس، لم يتمكّنوا من الانضمام للصفوف الافتراضية.

وبيّن أن التعليم عن بعد “لم يكفل تكافؤ الفرص كما أنه لم يحقق المساواة بين الجميع في الحصول على التعليم”.

واستكمل قائلا: “العائلات بغزة لا تتمكن من توفير متطلبات التعليم الإلكتروني، فهي بالكاد توفّر الضروريات الأساسية لأبنائها”.

وحذّر من إمكانية زيادة معدلات تسرّب الأطفال من المدارس، في ظل هذا الواقع، “الأمر الذي قد يقود الأطفال لممارسة سلوكيات خطيرة، كالتسلل نحو الحدود مع الكيان”.

وأشار إلى أن ما نسبته 71.4 بالمئة، من الأطفال الذين اجتازوا السياج الفاصل بين غزة والكيان، وتم اعتقالهم، هم من المتسرّبين من المدارس، ولم يكملوا تعليمهم.-(الاناضول)