رسالة حاخامات الصهيونية الدينية المتطرفة – المسيحانية، التي دعوا فيها إلى “فعل كل شيء لمنع تشكيل الحكومة”، وتوجيهات رئيس الحكومة، نتنياهو، لوزراء الليكود بمهاجمة وسائل الإعلام “المتعاونة مع اليسار”، تضاف إلى أحداث الإرهاب الأخيرة في إسرائيل بين اليهود والعرب. كل ذلك تعبير عن عملية بدأت قبل عقد تقريباً، والتي يريد فيها المجهولون المسيحانيون، في ظل حكم نتنياهو المهدد، قلب النظام الديمقراطي في إسرائيل رأساً على عقب للسماح بتوسيع حدودها. حسب فهمهم، لن يكون بالإمكان ضم الضفة الغربية طالما بقيت إسرائيل تطبق نظاماً ديمقراطياً يحتفظ الفلسطينيون فيه بالمواطنة الإسرائيلية.
هم يركزون الجهود على محاولات لمحو الخط الأخضر في كل المجالات – مجال الوعي، المجال الاجتماعي والقانوني – وتحويل كل أرض إسرائيل إلى ساحة ضد الفلسطينيين، وتحويل الحكم العسكري الموجود في مناطق الضفة إلى حكم فعلي لكل الدولة، الذي يكون فيه بالإمكان دفع الفلسطينيين إلى ما وراء نهر الأردن. بكلمات أخرى، إن اليهود الإسرائيليين الذين يجتازون الخط الأخضر غرباً نحو إسرائيل، يفعلون في العقد الأخير ذلك للمرة الأولى لا ليعودوا إلى دولتهم السيادية، بل لاحتلالها وتحويلها إلى نظام يهودي.
في كتاب “هذيان الضم”، 2020، يصف حاغي آرليخ، المحاولات الفاشلة التي قامت بها على مدى التاريخ دول المنطقة لتضم إليها دولاً ومناطق تحت شعارات وأفكار لا تتساوق مع الواقع السياسي والديمغرافي والمكاني: محاولة مصر لضم السودان تحت شعار “وحدة وادي النيل” (في القرن التاسع عشر)؛ ومحاولة المسيحيين في لبنان لضم مناطق إسلامية تحت شعار “لبنان الكبرى”، ووهم الفلسطينيين في إقامة دولة عربية من البحر إلى النهر.
هكذا أيضاً بخصوص هذيان “أرض إسرائيل الكاملة”. بعد إعادة شبه جزيرة سيناء لمصر في اتفاق السلام في 1979، وإخلاء قطاع غزة وشمال السامرة في خطة الانفصال في 2005، بقيت إسرائيل مع حلم ضم الضفة الغربية (وهضبة الجولان). ولكن سياسياً ديمغرافياً ومكانياً، فشلت إسرائيل مثل الدول العربية المذكورة أعلاه: معظم دول العالم تعترف بفلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة وفي مؤسساتها، ولن يسمح أي نظام أمريكي بعمليات ضم في الضفة. النسبة الديمغرافية في الضفة بين اليهود والفلسطينيين هي 14: 86، والنسبة المكانية هي 2: 98 لصالح الفلسطينيين. رغم الزيادة السنوية الثابتة في العقود الأخيرة التي تبلغ 14 ألف نسمة في أوساط الإسرائيليين في الضفة، إلا أن التوجهات متعددة السنوات تشير إلى تراجع مشروع الاستيطان (الذي يوجد الآن على شفا ميزان هجرة سلبية)، وتشير إلى تغير في التركيبة السكانية (40 في المئة أصوليين) وإلى تراجع مستمر في التصنيف الاجتماعي – الاقتصادي (ثلث السكان يتم تصنيفهم في العنقود رقم 1).
بناء على ذلك، منذ حوالي عقد، أي تحت أجنحة نتنياهو كرئيس للحكومة، يقود نفتالي بينيت واييلت شكيد وبتسلئيل سموتريتش وغيرهم توجهاً معاكساً، وهو ضم إسرائيل للضفة الغربية. هذا غير مفاجئ، لأنه في العام 1988 كتب بوعز عبرون في كتابه “الحساب القومي” بأن المستوطنين لا يسعون إلى الاندماج داخل السكان الفلسطينيين في المناطق و”هدفهم الحقيقي ليس استعباد العرب، بل طردهم. فنجاحهم (في ضم المناطق) لن يؤدي إلى أي اختلاط سكاني”. والأكثر أهمية، أضاف عبرون: “كما اتضح (من حالات أخرى)… تعمل مجموعات السيطرة هذه جنباً إلى جنب مع القوى الرجعية والدوائر العسكرية داخل “الوطن الأم” وتحاول القيام بانقلابات عسكرية وإنشاء أنظمة فاشية ورجعية في الوطن الأم… النتائج بالتالي يمكن أن تكون شرخاً وطنياً، ديكتاتورية أو حرباً أهلية وخراباً في الأرض الأم”.
من أجل تدمير الديمقراطية الإسرائيلية قام القوميون المتطرفون – المسيحانيون بوضع عدد من الأهداف: الأول هو المحكمة العليا، التي مهمتها تقييد التعسف السلطوي – على أساس قوانين الدولة الديمقراطية – الليبرالية وبروح وثيقة الاستقلال، مع احترام القانون الدولي، وخلال ذلك رفض النزوات المسيحانية ومنع المس بالأقليات. تتفاخر شكيد بأنها قادت مبادرة المس بصلاحية المحكمة العليا بذريعة “يبدو في السنوات الأخيرة أن صنع القرار في أجهزة الحكم لم يكن في أيدي الشعب وممثليه المنتخبين في الكنيست، بل في يد النظام القانوني (مؤتمر المحامين في أيار 2015).
بني الأساس القانوني لعملية الضم المعاكس من قوانين غير ديمقراطية، على رأسها قانون التسوية (الذي تم إلغاؤه)، وقانون القومية وفقرة الاستقواء، وقانون “الاستيطان الشاب” وغيرها. كل ذلك استهدف ضمان أن الأولوية المطلقة ستعطى للاستيطان اليهودي في كل أرجاء أرض إسرائيل (حسب بيانات حركة “السلام الآن”، فإن 99.76 في المئة من أراضي الدولة التي خصصت للاستيطان في الضفة الغربية تم تخصيصها لليهود)، وسيكون بالإمكان مصادرة أراض فلسطينية خاصة لغرض بناء مستوطنات لليهود (منذ قيام الدولة أقامت إسرائيل 930 بلدة لليهود في أرض إسرائيل ولم تقم أي بلدة للعرب)، وشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية.
الهدف الثاني هو أنظمة التعليم. يعرف بينيت وشكيد وسموتريتش أن مواقف الشباب السياسية ستؤثر على النظام السياسي وعلى الطابع والنظام في إسرائيل في السنوات القادمة. ويريدون أن يطبقوا على كل الأولاد تعليماً يهودياً (دينياً – مسيحانياً) وصهيونياً (قومياً متطرفاً). وهذا يشمل “حب الوطن” الذي يقتضي ضم الضفة، واستمرار السيطرة على شعب آخر وانعزال دولي إلى أن “نعوّد العالم”. هذا عالم تعليمي كتب يشعياهو لايفوفيتش بسببه التحذير الشديد التالي: “عندما يوافق شخص على فكرة أن “الدولة”، “الأمة”، “الوطن”، “الأمن” وغيرها، هي القيم العليا، والإخلاص دون شرط لهذه القيم هو واجب مطلق ومقدس، فسيكون قادراً على تنفيذ كل حركة من أجل هذه المصلحة المقدسة، دون تأنيب ضمير”.
إن السعي نحو هذا الهدف يتمثل بتخصيص موارد التعليم الديني – القومي المتطرف – المسيحاني. وكما نذكر، كتب سموتريتش في 2011 في مقال بعنوان “نستحق أكثر” في مجلة “بشيفع”: “يجدر بالدولة أن تستثمر ميزانيات أكبر في تعليم الصهيونية الدينية. لماذا؟ لأن المهمة ألقيت على أبنائها، وهي قيادة شعب إسرائيل”. تعهد سموتريتش قبل الانتخابات الأخيرة بأن إذا أصبح عضواً في الحكومة التي ستشكل فسينفذ إصلاحات واسعة في التعليم، وأعلن عن تخفيض بنسبة 30 – 50 في المئة لرسوم التعليم في المدارس الدينية الثانوية والمعاهد.
وكان جدعون ساعر وشاي بيرون شركاء في تخصيص الموارد للتعليم الديني – القومي المتطرف – المسيحاني. حسب معطيات وزارة التعليم، فإن الوزارة زادت ميزانية طلاب المرحلة الثانوية الدينية بالنسبة الاعلى مقارنة مع القطاعات الأخرى في الأعوام 2012 – 2016، وبلغت الميزانية ذروة 33 ألف شيكل للطالب في السنة. هذا المبلغ أعلى 22 في المئة من الميزانيات المخصصة لطلاب المرحلة الثانوية الحكومية، وأعلى 67 في المئة من الميزانيات المخصصة للطلاب العرب في المرحلة الثانوية.
الهدف الثالث: قال بينيت إنه يجب تغيير شعب إسرائيل ودولة إسرائيل من أجل أرض إسرائيل الكاملة (أي ضم المناطق). هو وأصدقاؤه يركزون على “الاستيطان في قلوب” الإسرائيليين الذين يعيشون داخل الخط الأخضر. حافلات اليهود الذين يثيرون الشغب، الذين جاءوا إلى المدن المختلطة من المستوطنات، سبقتها الأنوية التوراتية. امنون باري (مبادرات إبراهيم) كتب عن ذلك في منشور في “فيسبوك” الشهر الماضي: “جراء العنف بين العرب واليهود في الأسبوع الماضي، كانت أنوية الفصائل الطلائعية هي التي مهدت الطريق وأعدت البنية التحتية واللوجستية لكتائب مستوطنين وكهانيين اقتحموا المدن بشكل منظم من أجل المس بالعرب. هذا شاهدناه في هذا الأسبوع، لا سيما في اللد ويافا والرملة وعكا… في السنوات الثلاث الأخيرة حول للأنوية الرائدة فقط دعم حكومي بمبلغ 20.5 مليون شيكل… ويظهر تحقيق معمق لمنظمة “مولاد” من العام 2014 أنه في تلك السنة فقط حصلت 68 نواة استيطانية وتوراتية على دعم بمبلغ 24 مليون شيكل، ازداد دعمهم أكثر منذ ذلك الحين.
الهدف الرابع هو وسائل الإعلام. فهي لم تتمكن من تجنب قبضات نتنياهو وشركائه وأبواقهم. وبعد أن بقي عدد من وسائل الإعلام غير خاضع لفسادهم ونفوذهم، “تم تعيين” يئير نتنياهو ليرسم أهدافاً على ظهور مراسلين مستقلين لا يسيرون في تلم الاستخذاء والتضليل والحيونة والوطنية المصطنعة وما شابه. وقد رافق ذلك في الأحداث الأخيرة عدد لا يحصى من التهديدات ومحاولة المس برجال إعلام أرادوا الإبلاغ عن تشكيل تنظيمات عنيفة لعصابات يهود خططوا للمس بالعرب.
هذه الخطوات في النهاية ستقود إلى إقامة دولة ذات نظام يهودي، لها خصائص توجد الآن في مناطق الضفة الغربية، أو في الحالة الأقل سوءاً، على شكل نموذج للقدس الموحدة الأصولية القومية المتطرفة ذات الأغلبية غير الصهيونية، الفقيرة، المليئة بالعصابات العنيفة، والتي تعاني من مصادمات قومية وتطبق نظاماً مميزاً تجاه سكانها غير اليهود – الذين سيتحولون خلال سنوات معدودة إلى أغلبية.
هذه التوجهات تدفع السياسيين الذين ينظرون للعالم كساحة يسيطر فيها وعي “الشعب المختار” ومنطق “اللعبة التي مجموعها صفر”، هذه مسيرة حكومية غير ديمقراطية، تقول: إذا لم تقنع فعليك أن تشهر وتسكت وتخرج إلى خارج القانون. على من يهمهم مستقبل المشروع الصهيوني الإدراك بأن الخط الأخضر قد تم اقتحامه مرة أخرى، لكن في هذه المرة نحو الغرب. لم يعد الصراع على مستقبل المستوطنات، بل على مستقبل دولة إسرائيل وطابعها ونظامها.
بقلم: شاؤول ارئيلي
هآرتس 11/6/2021