مرايا – تحضر فلسطين كلها، منذ أن جرى احتلالها عام 1948، مؤكدة عصيانها على الاندثار، وهي تشق عصا الطاعة في كل لحظة من عمر الاحتلال الصهيوني، بمقاومة لا تلين لها قناة طوال ثلاثة أرباع القرن.
وكأنّما كان استشهاد الزميلة شيرين أبو عاقلة لحظة قالت فيها فلسطين إنها لا تعرف ولا تعترف بالقسمة والتشظي، وهو ما يعد رسالة لوحدة وطنية جسدتها، حيث مثل اغتيالها علامة فارقة في سعي الفلسطينيين إلى سحر الرمز الوطني العابر للتقسيمات السياسية.
ففي مؤلفه الموسوم بـ”موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية”، يلفت الدكتور محمد اشتية إلى أنه على الرغم من أن مصطلح النكبة يعني لغوياً “المصيبة أو الكارثة”، إلا أنه في الوضع الفلسطيني يعبر عن هول الصدمة من الهزيمة العربية أمام عصابات الاحتلال عام 1948 وما تبعها من وقائع حددت مصير الشعب الفلسطيني، وأدت إلى انهيار واضح وتفكك في تركيبته الاجتماعية وفقدانه الهوية الخاصة، وذلك من خلال تهجير ما يقارب مليون لاجئ إلى الدول العربية والضفة الغربية وقطاع غزة، وتدمير 418 قرية فلسطينية وما رافقه من ارتكاب للمجازر الوحشية وعمليات القتل والترهيب من قبل العصابات الصهيونية.
أمّا الكاتب إيلان بابيه، فقد كشف في مقال بعنوان “التطهير العرقي لفلسطين عام 1948” عن الخطة التنفيذية للقادة الصهاينة الذين نفذوا مشروع الغزو، وشملت الطرد المنهجي لأكثر من نصف عدد الفلسطينيين من ديارهم، وعززت السيطرة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية، وفقا لما جاء في دراسة صادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية الصادرة في عام 2020 بعنوان النكبة 1948: التطهير العرقي للمُدن، البلدات والقرى.
ووفق احصائية فلسطينية رسمية، فإن عـدد الفلسطينيين في العالم، بلغ أواخر 2021 نحو 14 مليونا، منهم 5.3 مليون يقيمون فـي فلسطين بما نسبته 37.8 بالمئة من إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم، ونحو 1.7 مليون فلسطيني في أراضي 1948 بنسبة 12.0 بالمئة، بينما بلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية 6.3 مليون فلسطيني بنسبة بلغت 44.9 بالمئة، في حين بلغ عدد الفلسطينيين في الدول الأجنبية نحو 749 ألفاً بما نسبته 5.3 بالمئة من إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم.
وتوقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن يتساوى عدد الفلسطينيين والصهاينة مع نهاية العام الحالي، على أرض فلسطين المحتلة، بنحو 7.1 مليون لكل منهم.
ويؤكد خبراء في شؤون الصراع العربي الصهيوني، خلال أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) في ذكرى النكبة التي تصادف يوم غد الأحد، أن استمرار الشعب الفلسطيني وخصوصا الشباب في المقاومة والإيمان بعدالة قضيته وبالأمل، جنّب الهوية الفلسطينية من أن تتحول إلى هوية منكوبة ترتكز فقط إلى الضحية والحرمان.
ويعتبرون أن قدر الهوية الفلسطينية أن تتعايش مع التحديات والمنعطفات التاريخية خلال عقود طويلة، وأن تصمد أمام كل ما شهده التاريخ الفلسطيني الحديث من انعطافات وأزمات سياسية تاريخية .
ويلفت الخبراء إلى أن الأردن دائما من أكثر الدول العربية تأثرا بالقضية الفلسطينية وتطوراتها المختلفة، ودوره الوطني والإنساني في إيواء اللاجئين وتوفير الملجأ الآمن، ذلك أن نحو نصف اللاجئين المسجلين في وكالة الغوث الدولية (الأونروا) اتخذوا من الأردن مقرا لهم.
ويقول مدير عام دائرة الشؤون الفلسطينية المهندس رفيق خرفان، إن ذكرى النكبة لحظة لاستحضار البطولات والتضحيات التي بذلت من أجل مقاومة الاحتلال الصهيوني وبسالة الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يتصدى للاحتلال مستمرا دفاعا عن أرضه، وهنا يحضر الشهداء البواسل الذين قضوا في سبيل وطنهم وقضيتهم متمسكين بحقهم في العودة.
ويضيف: في هذه المناسبة، نؤكد تمسكنا جميعنا في الأردن قيادة وحكومة وشعبا بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة والثابتة بالتحرر والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحق العودة، ونرفض تقديم أية تنازلات تمس هذه الحقوق.
ويشير إلى موقف جلالة الملك الثابت من القضية الفلسطينية وحل الدولتين وقضية اللاجئين الفلسطينيين و”الأونروا” كشاهد على قضيتهم وتمسك الأردن بولاية “الأونروا” واستمرار عملها لحين ايجاد حل لقضيتهم، وفقا لقرارات الشرعية الدولية وعلى رأسها قرار رقم 194.
ويقول خرفان: نرفض محاولات الاحتلال تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس، مبينا الموقف المشرف لجلالة الملك من القضية الفلسطينية في المحافل الدولية كافة ودعم جلالته المتواصل للقدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وهي محط أنظار واهتمام ورعاية ملكية سامية وكانت وستبقى في قلب ووجدان جلالة الملك مثلما هي على الدوام في قلوب الهاشميين، انطلاقا من الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس.
ويقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة مؤتة الدكتور رضوان المجالي، إن الجنوح الصهيوني للقمع المفرط مردُّه، أنها لا تستطيع تغيير الحقائق التاريخية الماثلة للعيان، ويضيف أن الأردن ما يزال الدولة العربية الأكثر دعما لحقوق الشعب الفلسطيني، والأكثر دعوة إلى حماية المقدسات الاسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة.
ويبيّن أن القضية الفلسطينية حاضرة في لقاءات جلالة الملك عبدالله الثاني في المحافل العربية والدولية، وقد ركّز جلالته في أكثر من لقاء على أن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يعتمد بشكل كبير على حل الصراع العربي الصهيوني، والعودة الى مفهوم حل الدولتين، وضرورة عودة أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات، والذي سينعكس بشكل كبير على استقرار منطقة الشرق الأوسط.
ويوضح المجالي أن المقاوم الفلسطيني يعبر عن حقه في استعادة أرضه وحقوقه، ومثاله عندما انتفض أهالي حي الشيخ جراح، الذين قدموا نموذجا حقيقيا للمواطن العربي الفلسطيني الصامد لرفض سياسات التهويد الصهيوني لمدينة القدس.
ويشير إلى أن الكيان يحاول أن تنزع الصفتين الديموغرافية والجغرافية لمدينة القدس، بحيث تحولها إلى مدينة يهودية، لكن يأبى المواطن الحر العربي الفلسطيني إلا أن يؤكد هوية المدينة والكرامة الفلسطينية والعربية لمدينة القدس.
ويستطرد حديثه قائلا: إن هناك عنصرا مستجدّاً في الصراع، وهو الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 الذي بات يلقي بثقله في الصراع لنصرة القضية الفلسطينية”.
ويلفت المجالي إلى أن ما يحدث الآن في جنين وما يرتكبه الكيان من جرائم بحق الشعب الفلسطيني واستشهاد الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، يدل على أن العقلية الصهيونية لم تتغير بل زادت تطرفا في علاقتها تجاه الفلسطينيين.

بترا