مرايا – ناقش تقدير موقف صادر عن معهد السياسة والمجتمع أعده الدكتور أحمد جميل عزم الكاتب والباحث الفلسطيني في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، الانتخابات الإسرائيلية التي جرت مؤخراً طارحا تساؤل حول دولة صهيونية ثانية في فلسطين وشرعنة الفساد.
وتوقع تقدير الموقف، ازدياد عنف المستوطنين في القدس، وفي المسجد الأقصى، في المرحلة المقبلة، وازدياد الدعوات للرفض التام للوصاية الأردنية في الأقصى. لكن السياسة الخارجية عمومًا، ربما تبقى أقرب لحزب الليكود، الذي يريد المضي في خطط التطبيع مع العرب، وتقليل ردة الفعل الدولية على الحكومة الجديدة، بهدف المضي في مخططات الاستيطان وقطع الطريق على أي دولة فلسطينية بأقل معارضة خارجية ممكنة.
وقال عزم في تقدير الموقف، إن الأدق من تصنيف اليمين والوسط في إسرائيل، ربما هو الحديث عن حكومة المستوطنين والصهيونية المتدينة، وحكومة تؤمن أو لا تمانع من إحداث تغيير كبير في هيكل الدولة لصالح خلق كيانات موازية تلغي مؤسسات الدولة العميقة.
وأضاف أن لدى حكومة يقودها (نتنياهو، بن غفير، سموتريش) برنامج آخر، فعدا توسعة الاستيطان والاعتراف القانوني بعشرات البؤر الاستيطانية الجديدة (أي ما قد يكون بين متنقل أو خيمة، أو أي بناء آخر يقوم به مستوطنون)، وتحويلها لقرى ومدن معترف بها وتقديم الخدمات والدعم لها، تريد هذه القوى إلغاء أي رمز “يشبه الاستقلال” للسلطة الفلسطينية.
وتاليا ما جاء في تقدير الموقف:
رأى العالم عضو الكنيسيت إيتمار بن غفير، في كانون ثاني/ ديسمبر 2021، وهو ينتزع مسدسه رغم أنه محاط بالجنود الإسرائيليين، ويوجهه لفلسطينيي الشيخ جرّاح. هذا المشهد يجسدّ برنامجه الذي خاض الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة على أساسه، والآن هو ومن يشاطره البرنامج نفسه على الأغلب سيكونون جزءًا من الحكومة المرتقبة، والقوة الثانية فيها. يسعون صراحة لتأسيس قوات أمن جديدة، منفصلة عن الجيش الإسرائيلي، ووزارات جديدة، ومؤسسات مختلفة، وأنظمة قضائية مختلفة، مهمتها استهداف الوجود العربي في فلسطين، من البحر إلى النهر، وتريد شرعنة إطلاق النار عليهم فعليًّا، وسياسيًّا، دون تردد، ودون مساءلة، وتقليل سلطات المحاكم في متابعة السياسيين.
لا يكفي القول إنّ الحكومة الحالية في إسرائيل هي الأكثر يمينية في تاريخها لفهم المشهد السياسي وتداعياته المتوقعة، بل إنّ المتغير الأساسي هو فهم ماهية القواعد الانتخابية للقوى السياسية التي دخلت الكنيسيت الإسرائيلي، والمرشحة لقيادة الحكومة والسياسة الإسرائيليتين
لا يكفي القول إنّ الحكومة الحالية في إسرائيل هي الأكثر يمينية في تاريخها لفهم المشهد السياسي وتداعياته المتوقعة، بل إنّ المتغير الأساسي هو فهم ماهية القواعد الانتخابية للقوى السياسية التي دخلت الكنيسيت الإسرائيلي، والمرشحة لقيادة الحكومة والسياسة الإسرائيليتين. ربما الأدق من تصنيف اليمين والوسط في إسرائيل، هو الحديث عن حكومة المستوطنين والصهيونية المتدينة، وحكومة تؤمن أو لا تمانع من إحداث تغيير كبير في هيكل الدولة لصالح خلق كيانات موازية تلغي مؤسسات الدولة العميقة.
بموجب الانتخابات التي جرت يوم 1 تشرين ثاني/ نوفمبر، عاد رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، على صدارة المشهد السياسي الإسرائيلي، بفوز حزبه الليكود بـ 32 مقعدًا من مقاعد البرلمان الإسرائيلي (الكنيسيت) الـ 120، وهو الذي اضطر لترك الحكم، لصالح ائتلاف حكومي قاد إسرائيل بدءًا من حزيران/ يونيو 2021، بمشاركة ثمانية أحزاب توحدت لهدف أساسي هو منع نتنياهو من الاستمرار في قيادة الحكومة، وهو الذي استمر في قيادتها 12 عامًا (2009- 2021). لكن الجديد في نتائج الانتخابات كان صعود كتلة باسم “الصهيونية الدينية” لتكون القوة السياسية الثالثة في إسرائيل، والمرشحة لتكون ثاني أكبر قوة في حكومة يقودها نتنياهو، حيث حصلت على 14 مقعدًا، بعد فوزها بأصوات أكثر من 516 ألف ناخب. هذه الكتلة سرعان ما انقسمت إلى ثلاثة أحزاب (بموجب اتفاق مسبق بينها)، أولها باسم “الصهيونية الدينية” لها سبعة مقاعد بقيادة بزاليل سموتريش (42 عامًا)، والقوة اليهودية، لها ستة مقاعد بقيادة إيتمار بن غفير (46 عامًا)، ونوعام (مقعد واحد)، ويعني هذا الانقسام من بين أمور أخرى أن مفاوضات دخول الحكومة، ستجري مع كل حزب على حدة. ويبدو أن نتنياهو بإمكانه تشكيل حكومة يمينية بأغلبية تصل إلى 64 مقعدًا.
تبنت الحكومة الحالية برئاسة يائير لابيد، بيني غانتس، ونفتالي بينيت، سياسات رافضة للمفاوضات مع الفلسطينيين، وللعملية السياسية، ودعمت المستوطنين، لكنها تختلف نسبيًّا عن حكومات نتنياهو ويمينه، بأنّها تعتمد إلى حد كبير على قاعدة انتخابية إسرائيلية داخل الأرض المحتلة عام 1948، وهي امتداد لسياسات صهيونية إسرائيلية، تؤمن إلى حد ما ببناء الدولة الصهيونية على أسس قومية علمانية، على نحو تقليدي، أقل شعبويةً وأقل فئوية، بمعنى أنها لا تمثل تيار ديني أو عرقي فرعي محدد داخل المجتمع الإسرائيلي، ويحاولون تقديم أنفسهم بأنهم “رجال دولة”، وليسوا، تحديدًا لابيد وغانتس، جزءًا مباشرًا من الحركة الاستيطانية. إلّا أن رموز الحكومة المقبلة مختلفون في أمور عدّة، بما في ذلك ما يتعلق بالحياة السياسية الإسرائيلية الداخلية.
“دولة القانون؟
بينما يُحاكَم نَتنياهو بِتهم فسّاد مُنذ سَنوات، فإنّ آريه درعي، رئيس حركة شاس، التي فازت في الانتخابات أدين بجرائم مرتين سابقًا؛ إذ سجن 22 شهرًا عام 2000 بتهمة الرشوة إبّان عمله وزيرًا للداخلية، وحوكم مرة أخرى هذا العام (2022) على خلفية مخالفات ضريبية، واستقال من الكنيسيت ودفع 56 ألف دولار غرامة مع وقف عقوبة سجن، لتسوية الموضوع. والآن هناك محاولات لدى درعي ونتنياهو لإيجاد مخرج قانوني يسمح تعيينه وزيرًا، إذ فاز حزبه بقيادته بـ 11 مقعدًا، ويوجد رأي أن عقوبة الحبس مع وقف التنفيذ تجعل تعيينه غير قانوني، وقال في لقاءات صحافية: لا يجب إطاعة قرارات محكمة العدل العليا، وأشار أنه مع إصدار قانون جديد يلغي الحكم القانوني الذي يمنعه من الوزارة. وهو يقول إن يهودية الدولة (الدينية) أهم من القانون وأهم من الديمقراطية.
أمّا ايتمار بن غفير المرشح ليكون ضمن أبرز وزراء الحكومة، فقد منع في الماضي من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، لأنّه اعتبر أكثر تطرفًا من القبول به، وقد أُدين عدّة مرات بتهم من التحريض العنصري، وعضوية جماعة إرهابية.
لنتنياهو سجل في محاولة التدخل في تعيين المدعين العامين، والقضاة، أما سموتريش وبن غفير، فلديهم برنامج انتخابي محدد للقضاء، وبحسب صحيفة “تايمز أو إسرائيل”، واحد من نتائج التعديلات التي يطرحها سموتريش هو رفض و ردّ القضايا التي يحاكم بها نتنياهو، ويريد سموتريش إلغاء صلاحيات محكمة العدل العليا الإسرائيلية بمراقبة مدى اتفاق القوانين مع القانون الأساسي (الدستور)، أي يريد إعطاء الكنيسيت صلاحيات أي تشريع حتى لو كان غير دستوريّ، وقد حاول عام 2015، اقتراح قانون يقول إنّ التوراة هي مصدر الشريعة والقوانين، وإن أي قانون يجب فحصه من حيث اتفاقه مع التوراة، وأنّ التوراة تعلو على القانون. ويريد سموتريش وبن غفير، أن تقوم الحكومة بتعيين القضاة بمن فيهم قضاة محكمة العدل العليا التي قد تحاكم الوزراء والنواب، كما يريدان منع المحاكم من التدقيق بسلوك السياسيين (عمليًّا يعني هذا توسعة باب تقديم مصالح لشركات ورجال أعمال وقوى سياسية مقابل أموال وخدمات سياسية وإعلامية، وهي تعني عادةً تهم بالفساد).
توسعة المستوطنات وإلغاء السلطة الفلسطينية و “حق القتل”
ازدياد عنف المستوطنين في القدس، وفي المسجد الأقصى، وأن تزداد الدعوات للرفض التام للوصاية الأردنية في الأقصى
مع ضرورة تذكر تشابه مواقف الحكومات الإسرائيلية في موضوعات مثل الحل السياسي، والموقف من الدولة الفلسطينية، وحقوق اللاجئين، فإنّه على الأرض هناك فروق محدودة، لكنها مؤثرة. في زمن حكومات نتنياهو يزيد الضغط على الوجود الفلسطيني، فمثلًا في مسألة منح حق “لم الشمل” أي وجود آلية تسمح للأزواج والزوجات، (من المتزوجين بأشخاص يحملون هوية فلسطينية تسمح لهم بالإقامة في فلسطين)، لم تقم حكومات نتنياهو بأي موافقات على ذلك. في حكومة (لابيد، بينيت، غانتس)، وافقت الحكومة على تسوية وضع الآلاف ممن يعيشون في فلسطين دون هذه الهوية، ومنحت لهم، وإن لم تعطِ لأناس يقيمون في الخارج، إلا بحالات قليلة لا تتجاوز أصابع اليد، وعملت على إعطاء تصريح عمل للفلسطينيين في قطاع غزة ليعملوا داخل الخط الأخضر.
لدى حكومة يقودها (نتنياهو، بن غفير، سموتريش) برنامج آخر، فعدا توسعة الاستيطان والاعتراف القانوني بعشرات البؤر الاستيطانية الجديدة (أي ما قد يكون بين متنقل أو خيمة، أو أي بناء آخر يقوم به مستوطنون)، وتحويلها لقرى ومدن معترف بها وتقديم الخدمات والدعم لها، تريد هذه القوى إلغاء أي رمز “يشبه الاستقلال” للسلطة الفلسطينية. كذلك يريد بن غفير بشكل خاص منح حصانة قانونية تمنع محاكمة جنود يطلقون النار على فلسطينيين، بغض النظر عن الظروف، وبحسب تقارير منها ما نشرته نيويورك تايمز، كان بن غفير يعلق في بيته حتى وقت قريب صورة باروخ غوولدشتاين الذي قتل 29 فلسطينيًّا أثناء أدائهم صلاة الفجر عام 1994، في الحرم الإبراهيمي. وقد توزعت مقاطع فيديو للجنود الإسرائيليين في الخليل يهددون الفلسطينيين، بأنّ المرحلة المقبلة و”مجيء بن غفير سيغير كل شيء وينهيه”.
كل من بن غفير وسموتريش يعيشان في مستوطنات في الضفة الغربية، بل إنّ سموتريش، كان حتى وقت قليل على الأقل، يقيم في مستوطنة تعتبر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي ذاته، وقاعدتهم الانتخابية هي بالدرجة الأولى من المستوطنين في الضفة والقدس.
القدس والأردن والتطبيع
بن غفير هو من أشد المتحمسين، لاقتحامات المستوطنين المستمر للمسجد الأقصى، وهو -كما مر- جزء من الهجمة الاستيطانية في الشيخ جراح وكل القدس، أما سموتريش، فموضوع الشريعة التوراتية لديه تسمو على أي اتفاق دولي أو وضع قانوني، ولذلك من المتوقع في المرحلة المقبلة، ازدياد عنف المستوطنين في القدس، وفي المسجد الأقصى، وأن تزداد الدعوات للرفض التام للوصاية الأردنية في الأقصى. لكن السياسة الخارجية عمومًا، ربما تبقى أقرب لحزب الليكود، الذي يريد المضي في خطط التطبيع مع العرب، وتقليل ردة الفعل الدولية على الحكومة الجديدة، بهدف المضي في مخططات الاستيطان وقطع الطريق على أي دولة فلسطينية بأقل معارضة خارجية ممكنة.
يؤمن حزبي بن غفير وسموتريش بسياسة الترحيل للفلسطينيين من فلسطين، ومستعدان لعمل ما يمكن لتسهيل ذلك، خصوصًا من حيث التضييق على الحياة اليومية، وكل ذلك وصفة للوصول لموجة جديدة من المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية بكل تداعياتها الإقليمية.