أمام دكانه على مدخل مخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية، يجلس الستيني صالح أبو شريم وإلى جانبه عكازين من البلاستيك يسندهما على الحائط، فيما تستمر جرافة تابعة لبلدية جنين في محاولة لإزالة الركام والردم في الشارع الرئيسي للمخيم، الذي أحدثته جرافات وآليات الاحتلال العسكرية في آخر اقتحام لمدينة جنين ومخيمها.
“وصلت متأخراً إلى دكاني، المسافة التي كنت أقطعها في نصف ساعة، صارت تأخذ مني وقتاً مضاعفاً”، يحدث أبو شريم جاره الذي كان يسأله عن حاله.
ويسكن أبو شريم حارة الحواشين في المخيم، التي تعرضت خلال اقتحام قوات الاحتلال الأسبوع الماضي، إلى تدمير في شوارعها بشكل كامل.
يقول أبو شريم إنه اعتاد التنقل مستعينا بعكازه في الأيام العادية، فهو يسير في شوارع المخيم، ويقضي حوائجه، لكنه أصبح يخشى الخروج من المنزل، لأن التجريف في الشوارع وأكوام الردم أمام المنازل تعيق حركته بشكل كبير.
“أحاول السير خطوة خطوة، لكن أكوام الركام صعبت حركتي خاصة مع هذه العكازات، الأوضاع في المخيم أصبحت صعبة جداً، فالتجريف متكرر ومستمر، يحاولون تدمير كل شيء، وهذا بالتأكيد يؤثر علينا”، يقول أبو شريم.
ويضيف: “في حارة الحواشين وهي الحارة التي أسكن بها، الطرق صعبة جداً، حتى على السيارات، التجريف طال كل الشوارع في تلك المنطقة، والسيارات لا تصل إلى هناك، لذا اضطر للنزول من منزلي مشيا حتى أصل إلى هنا”.
ولا يجد أبو شريم مركبة تقله من أمام دكانه إلى منزله، فالطرق بين الحارات مقطوعة، وحركة المركبات فيها معدومة، لذا يضطر للسير مسافات طويلة والاستراحة بين الفينة والأخرى، إلى أن يصل وجهته.
وتعمدت جرافات الاحتلال تدمير الشوارع في محيط المخيم وفي بعض حاراته، وكانت تعمد إلى تجريف الطرق المؤدية إلى الشارع عند كل اقتحام، وهو ما يصعب عمل سيارات الإسعاف وطواقم الدفاع المدني التي كانت تحاول الوصول إلى الجرحى وقت الاقتحام.
وعند مدخل مخيم جنين، كان محمود الرحال (38 عاما)، يقف وسط الشارع منتظرا مرور الشاحنات التي تنقل الركام من داخل المخيم إلى منطقة مفتوحة قريبة منه.
ويقول الرحال إن حركته خفت كثيرا منذ تجريق قوات الاحتلال شوارع المخيم، وأنه يحاول أن يبقى في المنزل أطول وقت ممكن، حيث بات خروجه “للضرورات فقط”.
والرحال مصاب بكسور مركبة في قدميه، وخضع لعملية تركيب “بلاتين” في قدمه اليسرى، لذلك يعتمد في حركته على العكازات.
“في الشارع الطبيعي كانت الحركة صعبة، فما بالك مع وجود كل هذا التجريف والدمار، الآن حتى السيارات لا يمكنها السير في بعض الشوارع، وأنا أصبحت حركتي داخل المخيم صعبة جداً””، يضيف الرحال.
ويتابع: “أحاول تجاوز الأمر بالسير في طرق أخرى، والالتفاف عبر الحارات، لكن الوضع صعب، وفي كل مرة نحاول إزالة الركام وتعبيد الشوارع، تدخل جرافات الاحتلال وتستأنف التجريف من جديد”.
ويقول الرحال إن معاناته هو وأصحاب الإعاقات الحركية في المخيم تتضاعف بسبب تكرار اعتداءات قوات الاحتلال، وتجريف البنية التحتية في المخيم، الأمر الذي حد من حركتهم ومنعهم من الخروج لقضاء حوائجهم اليومية.
وبحسب مركز الرعاية والتأهيل في مخيم جنين، فإنه يوجد قرابة 4720 حالة إعاقة حركية في المخيم، من ضمنها حالات تسبب بها رصاص الاحتلال الإسرائيلي.
وتضاعف ممارسات الاحتلال المتمثلة بتجريف وتدمير الشوارع والبنى التحتية في المخيم من معاناة هذه الفئة من المواطنين، وتصعب تنقلهم ووصولهم إلى مراكز الرعاية، والمستشفيات والعيادات الطبية.
وتركزت سياسة اقتحامات الاحتلال لمخيم جنين مؤخرا، إلى جانب عمليات قتل المواطنين والإعدامات الميدانية، على تدمير شوارع وطرق المخيم وتعطيل حركة المركبات في داخله، إضافة إلى تدمير شبكات الكهرباء والمياه.