مئة يوم مرت على حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة المحاصر، حوّلت القطاع إلى خراب مع أحياء كاملة لم يبق منها سوى أنقاض ونظام صحي منهار ومشارح تغص بالعائلات الثكلى ومواطنين منهكين يسيطر عليهم الرعب.

في مخيم مستحدث في مدينة رفح جنوب القطاع، يقول عبد العزيز سعدات “إنها مئة يوم فقط، لكن كأنها مئة سنة”. نزح سعدات من منزله على غرار غالبية أبناء الشعب في قطاع غزة. وفي خيمته، يشعر ببرد قارس في الليل.

وترك العدوان الإسرائيلي بصمات بدّلت تماما شكل القطاع الساحلي الصغير المكتظ بـ2,4 مليون نسمة، فبعدما كانت أحياؤه تضجّ بالحركة والسيارات، باتت الآن مليئة بالركام والمباني المهدمة.

ويقول سعدات “يعيش البعض في مدارس، والبعض الآخر في الشوارع، ينامون على الأرض أو على مقاعد. لم توفّر الحرب أيا كان”.

ونزح قرابة 1,9 مليون شخص يمثلون 85% من سكان القطاع المحاصر من منازلهم، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

ووصف منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث قطاع غزة بأنه بات “بكل بساطة غير صالح للسكن… مكانا للموت واليأس”.

ويسعى المواطنون للاستمرار كما يتيسّر لهم، وتمكن بضع مئات منهم فقط من الخروج من القطاع.

وفي حصيلة غير نهائية، أدى العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر إلى استشهاد 23469 مواطنا غالبيتهم من النساء والأطفال وإصابة قرابة 60 ألفا بجروح، فيما لا يزال الآلاف تحت الأنقاض.

وخلّف القصف الإسرائيلي حفرا في مخيمات اللاجئين والطرق، وتضرّرت مدارس وجامعات ومساجد وكنائس ومرافق عامة.

وخلص أستاذان جامعيان أميركيان هما خامون فان دين هوك وكوري شير استنادا إلى صور عبر الأقمار الصناعية، إلى أن 45 إلى 56% من مباني قطاع غزة دمرت أو تضررت حتى الخامس من كانون الثاني/يناير الحالي.

ورأى كوري شير أن الدمار “واسع جدا وكان سريعا للغاية”، معتبرا أن حجم الأضرار “مماثل للدمار في المناطق الأكثر عرضة للقصف في أوكرانيا”.

وكشفت دراسة أجراها مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية أن 18% من المباني دمرت أو تضررت بعد خمسين يوما من العدوان.

وفي حال وقف العدوان، فهذا لا يعني أنه سيكون بإمكان سكان القطاع العودة إلى منازلهم، إذ إن إعادة الإعمار ستكون عملية شاقة تتطلب مجهودا هائلا.

فقد أصيبت مواقع أثرية ومعالم مهمة في قطاع غزة، وعلى الأخص بين الأزقة الضيقة المتشابكة في وسط مدينة غزة التاريخي، حيث دمر المسجد العمري، أقدم مساجد القطاع.

وضاقت المقابر بالشهداء فدفنوا في مقابر جماعية حفرت في البساتين وباحات المستشفيات وحتى في ملعب لكرة القدم، على ما أفاد صحفيون في وكالة فرانس برس.

تتوالى الأيّام والمشهد واحد: رجال ونساء ينتحبون وهم يتعرفون على الجثث الملفوفة بأغطية بلاستيكية بيضاء، فتكتب عليها الأسماء بقلم حبر أسود.

وحين يتمكن الجرحى من الوصول إلى واحد من المستشفيات الـ15 التي لا تزال في الخدمة جزئيا من أصل 36، يكتشفون “ساحة معركة” من نوع آخر، بحسب ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية ريتشارد بيبركورن.

في المستشفيات التي تمكن من زيارتها، وصف “الفوضى” و”بقع الدماء على الأرض” وصراخ الجرحى الذين ينتظرون أحيانا أياما قبل تلقي العلاج، مشيرا إلى أن بعض غرف العمليات تضاء بالهواتف النقالة لانقطاع الكهرباء وتجري العمليات الجراحية أحيانا بدون تخدير.

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية “هناك انقطاع في كل المعدات الطبية تقريبا”، مضيفا “لم أر في حياتي هذا العدد من الأطراف المبتورة”.

ويقول إبراهيم سعدات النازح أيضا إلى رفح “فقدنا الأمل”، مضيفا “لا ماء ولا كهرباء، وبسبب نقص الماء لا نستحمّ إلا مرة في الشهر، حالتنا النفسية متعَبة وانتشرت الأمراض في كل مكان”.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، ازدادت حالات الإسهال لدى الأطفال الشهر الماضي من 48 ألف حالة إلى 71 ألفا خلال أسبوع، بالمقارنة مع ألفي حالة في الشهر قبل العدوان.

وحذّرت مديرة برنامج الأغذية العالمي في المنطقة كورين فلايشر “لم أرّ خلال ثلاثين عاما نقصا في الأغذية بهذا الحجم”.

وقالت لوكالة فرانس برس “إنتاج الأغذية متوقف تماما ولا يستطيع الناس التوجه إلى حقولهم ولا الصيد في البحر، لا سيما مع قصف مرفأ غزة” الذي كان الصيادون يفرغون أسماكهم فيه كل يوم.

أما الأراضي الزراعية، فلا يمكن الوصول إليها. وأصيب العديد من المخابز أو أغلقت لعدم توافر الوقود.

وقالت فلايشر “المتاجر فارغة، ليس هناك ما يمكن شراؤه لتناول الطعام” مضيفة “الناس يتضورون جوعا”.

وتعبّر هديل شحاتة (23 عاما) المقيمة في خيمة في مدينة رفح عن يأس الشباب الذين يشكّلون نصف سكان القطاع، فتقول “كل أحلامنا راحت… سنون راحت من عمرنا”.