قال رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، إن عالمنا بحاجة اليوم، إلى إرادة حقيقية من قبل ساسته وقادته، للوصول إلى السلام الحقيقي، الذي ينشده مجتمعنا الإنساني، وبحاجة أيضًا إلى قرارات حاسمة تجاه الدول المارقة والخارجة على القانون الدولي، وبحاجة إلى صحوة حقيقية للضمير الإنساني والأخلاقي، صحوة تعيد الأمن والاستقرار إلى الشعوب المضطهدة والجائعة والفقيرة، وتنهي سياسة الاستقطاب والهيمنة.
جاء ذلك في كلمة ألقاها الفايز، في المؤتمر السنوي الثاني للمجلس العالمي للتجديد السياسي الذي عقد في العاصمة الأميركية واشنطن، بهدف دعم السلام العالمي والعدالة الاجتماعية وحماية حقوق الإنسان، وبناء مجتمع إنساني خال من العنف، بمشاركة قادة سياسيين ورؤساء حكومات سابقين، وحزبيين وبرلمانيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، يمثلون مختلف دول العالم، بحسب ما جاء في بيان لمجلس الأعيان اليوم الأحد.
وبين الفايز، أن المجتمع الدولي ومنظماته الأممية سواء كانت عصبة الأمم أو خليفتها الأمم المتحدة، قد فشلا في تعزيز التعاون الدولي وتحقيق السلم والأمن الدوليين منذُ الحرب العالمية الأولى وحتى يومنا هذا، وانقسم المجتمع الدولي إلى محاور وأقطاب، ولم تستطع الأمم المتحدة، التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية، من تحقيق أهدافها ومنع الصراعات والحروب الدائرة في عالمنا، وللأسف بدا عالمنا اليوم أكثر انقسامًا بين شماله وجنوبه، وزادت هيمنة الدول العظمى على الدول الفقيرة والضعيفة.
وأكد “أن السلام الذي ينشده عالمنا ما زال مفقودًا، وما زال مجتمعنا الإنساني يُعاني من الصراعات والحروب، رغم المواثيق الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وحق الشعوب في الحرية والاستقلال والحياة الآمنة”.
وبين أن الفجوة اتسعت بين الدول الفقيرة والغنية، وما زالت العديد من دول العالم تُعاني من ويلات الصراعات، وخير دليل على ذلك أن الشعب الفلسطيني، الذي ما زال يعاني من أطول احتلال في تاريخ البشرية، بسبب عدم قدرة الأمم المتحدة على تنفيذ قراراتها، التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
ولفت الفايز إلى أنه “نتيجة لفشل المجتمع الدولي ببناء مجتمع إنساني خال من العنف وأسلحة الدمار الشامل، ولعدم قدرة الأمم المتحدة ومؤسساتها من فض النزاعات وإنهاء الصراعات، فإن المجتمع الإنساني يدفع اليوم ثمنا باهظا جراء الحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة”.
ومضى قائلًا: “من المحزن جدًا أنه ما زالت العديد من الدول تغذي هذه الصراعات والحروب وتدعمها بالمال والسلاح، رغم الأثمان الباهظة التي يدفعها المجتمع الدولي، ما أدى أيضًا إلى انتشار العنصرية والحروب الطائفية والدينية وخطاب الكراهية، ولم تنجح القوى الحية في التقريب بين الشعوب، وفشل حوار الحضارات، وسيطرت قوى الإرهاب والتطرف، وازدهرت تجارة المخدرات، وأسلحة الدمار الشامل، والأسلحة المحرمة دوليا، وزاد نفوذ العصابات المسلحة والمليشيات ومرتزقة الحروب”.
وأشار الفايز إلى أن الصراعات والأزمات السياسية والحروب الأهلية، والتي أغلبها في منطقة الشرق الأوسط، أدت إلى قتل وتهجير مئات الالاف، وانتشار الفقر والبطالة، وتراجع النمو الاقتصادي وانعدام التنمية، ويدخل التغير المناخي كتحدٍ إضافي، ليعمق أزمة الغذاء العالمية إلى مستويات مقلقة، قد تتسبب بمزيد من حالات النزوح واللجوء، وتراجع النمو الاقتصادي وانعدام التنمية.
وذكر الفايز، بتصريحات أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التي اعتبر فيها أن مجلس الأمن الدولي فشل في منع الحرب في أوكرانيا، وأنه فشل أيضًا في القيام بكل ما يمكنه لمنع هذه الحرب ووضع حد لها، والتي اعترف فيها أيضًا بإن مجلس الأمن مشلول بسبب الانقسامات الجيوستراتيجية، وأن المؤسسات العالمية ضعيفة وعفا عليها الزمن، وأنها لم تزل عالقة في فترة زمنية مضى عليها 80 عامًا.
وبخصوص العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أوضح غوتيريش، أنه ضغط على مجلس الأمن الدولي، من أجل تجنب وقوع كارثة إنسانية في غزة، لكن للأسف فشل في القيام بذلك.
ونوه الفايز إلى أنه في الوقت الذي نلتقي فيه اليوم، للوقوف على التحديات التي تواجه عالمنا وكيفية معالجتها، وصولا إلى السلم العالمي لينعم عالمنا بالأمن والاستقرار والسلام، “أود تذكيركم وتذكير مؤسسات حقوق الانسان والمنظمات الدولية، التي تدافع عن حرية الشعوب وحقها في الحياة والكرامة، أنه حتى نهاية الأسبوع الماضي وجراء العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فقد تجاوز عدد الشهداء 31 ألف شهيد، وأصيب أكثر من 80 ألفا، منهم 75 بالمئة من النساء والأطفال.
وأكد الفايز في كلمته، “أن كل هذا القتل يجري أمام صمت المجتمع الدولي، وأن لا شيء يمكن أن يبرر استمرار تدمير سبل عيش مليوني شخص في غزة، وتدمير المستشفيات ودور العبادة والمدارس ومصادر المياه، وتدمير 80 بالمئة من بيوت قطاع غزة وكافة البنى التحتية، وتهجير نحو مليون ونصف المليون فلسطيني من القطاع إلى رفح، إضافة إلى قتل الصحفيين والأطباء، ومنع موظفي المنظمات الإنسانية من القيام بعملها”.
وتوجه الفايز للحضور متسائلًا: “هل جرائم إسرائيل هذه هي جرائم حرب؟ وهل ما تقوم به من تطهير عرقي وحرب إبادة جماعية، من حق المجتمع الدولي ومحكمة العدل الدولية والجنائية الدولية أن تحاسب إسرائيل على جرائمها؟”.
ولفت الفايز إلى أن “استمرار هذه العدوان أمر غير مقبول، وأن استمرار المجتمع الدولي الاكتفاء بالتنديد أمر غير مبرر”، مستائلًا “إلى متى تبقى إسرائيل دولة خارجة على القانون، تدعمها دول تدعي الحرية وحماية حقوق الإنسان، تحت مبرر حق الدفاع عن النفس”.
كما أشار إلى أن “ما جرى في السابع من شهر أكتوبر العام الماضي، ما هو إلا نتيجة لحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة منذ قرابة الثمانية عقود، لقد تجاوزت إسرائيل كافة القوانين والقيم الأخلاقية والإنسانية، والمعايير القانونية”.
وبين رئيس مجلس الأعيان أيضًا أن حرب الإبادة التي تمارسها دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق سكان قطاع غزة والشعب الفلسطيني عموما، إضافة إلى مختلف الجرائم الأخرى، سواء كانت التطهير العرقي أو القتل المتعمد أو اتباع سياسة التجويع والتهجير القسري، وتدمير سبل العيش والحياة، هي جميعها جرائم حرب ينطبق عليها تعريف الأمم المتحدة لمفهوم حرب الابادة وجرائم الحرب.
وقال الفايز إن جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي يمثل صوت الحكمة والعقل، يحذر باستمرار من تداعيات عدم تطبيق إسرائيل قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وقد بين جلالته لشركائه وأصدقائه من قادة العالم وساسته، أن استمرار إسرائيل في سياساتها العدوانية، لن يحقق الأمن والاستقرار لها أو لمنطقة الشرق الأوسط والعالم.
وبين أنه خلال جولة جلالته الأخيرة، التي شملت الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا، هذه الدول التي يرتبط معها الأردن بعلاقات استراتيجية قوية ومتينة، مضى على بعضها أكثر من 10 عقود، لكنه يختلف معها في موضوع التعاطي السياسي والأمني المتعلق بالقضية الفلسطينية.
وأكد الفايز أن جلالته وضع قادة تلك الدول ومسؤوليها، بحقيقة ما يجب عمله لوقف الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، حيثُ حمل جلالته مشروعا بخطة واضحة للتعامل مع العدوان الإسرائيلي، أساسه عدم السماح لإسرائيل باجتياح مدينة رفح لأن النتيجة ستكون كارثية على الجميع، وضرورة انضاج صفقة وقف الحرب عبر هدنة طويلة تبدأ بتبادل الأسرى إضافة إلى فتح كافة المعابر لتدفق أكبر كميات من المعونات الإنسانية، وإنهاء التصعيد في الضفة الغربية ولجم المستوطنين، وفتح المسجد الأقصى أمام المصلين، وإطلاق مبادرة الحل السياسي الشامل وفق جدول زمني محدد، من خلال مؤتمر دولي يفرض الحل العادل للقضية الفلسطينية على إسرائيل، وفق حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية، وصولًا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، إضافة إلى رفض الأردن توسيع الحرب والتهجير القسري للفلسطينيين تحت أي ذريعة.
وأشار الفايز إلى أن الأردن لديه 2.5 مليون من اللاجئين الفلسطينيين، يوفر لهم الرعاية الكريمة والعمل بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، وهؤلاء من حقهم العودة إلى وطنهم الذي هجروا منه قسرا.
وأضاف أن جلالة الملك عبدالله الثاني أبلغ كافة الأطراف الفاعلة، في البيت الأبيض والكونغرس والعواصم الأوروبية وغيرها، بأن أي محاولة أو خيار لتصفية القضية الفلسطينية، على حساب الأردن أمر مرفوض تمامًا، وقيام إسرائيل بأي عملية تهجير للفلسطينيين من الضفة الغربية هو بمثابة خط أحمر، وسيتعامل الأردن مع هذه العملية بمنتهى الحزم باعتبارها تهديدا للأمن الوطني الأردني.
كما أشار الفايز أيضًا إلى أن العالم اليوم يواجه تحدي اللجوء والنزوح، بسبب الاضطهاد والصراعات والعنف أو نتيجة الخوف من التعرض للاضطهاد، أو بسبب العرق أو الدين أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة، أو الآراء السياسية، مبينًا أن أرقام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تشير إلى أنه في عام 2017 رحل حوالي 65 مليون شخص قسراً في جميع أنحاء العالم، تاركين بيوتهم ومقدراتهم، فهناك مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، والملايين من اللاجئين والنازحين الفلسطينيين، ومثلهم أيضًا من الدول الأفريقية، خاصة الذي هاجروا بسبب الجوع والفقر والاضطهاد الديني والعرقي.
وأكد أن هذه التحديات ترتب على المجتمع الدولي، المزيد من التشاركية المبنية على الثقة لتجاوزها، من خلال بناء علاقات قائمة على الاحترام والمنافع المشتركة، وعلى نحو يبني مستقبلا تشاركي للمجتمع الإنساني يحقق الرفاه للجميع، ويعيد المتانة والقوة للقيم الإنسانية والأخلاقية، وقيم الحرية والعدالة، بعيدا عن السيطرة والاستحواذ والهيمنه، وسياسة الاستقطاب وتحقيق المنافع الخاصة، على حساب كرامة الشعوب وحريتها وأمنها واستقرار الدول وسيادتها.
وطالب الفايز المجتمع الدولي بذل جهود أكبر لتذليل كافة العقبات والتحديات، من خلال الحوار المسؤول والجاد، وإيجاد الترابط الاقتصادي المتبادل بين الدول، وتعزيز العلاقات في المجال الثقافي والاجتماعي، فالاعتراف المتبادل بالحقوق وتحقيق العدالة للجميع، يصل بالجميع إلى معادلة أمن ورخاء دائمين.
يشار إلى أن المجلس العالمي للتجديد السياسي (GCPR) هو منظمة عالمية تجمع السياسيين على جميع المستويات من مختلف أنحاء العالم، وقد تم إطلاقه عام 2022 ، بهدف تعزيز تعاون السياسيين والسعي لتحقيق السلام والعدالة العالميين.