أقيمت الصلاة على جثمان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب في الدوحة الجمعة؛ حيث شارك الآلاف في تشييعه، قبل نقله إلى مثواه الأخير في شمال العاصمة، عقب اغتياله في طهران بضربة إسرائيلية أثارت مخاوف متزايدة من صراع إقليمي أوسع.

وتوافد المشيعون لإقامة صلاة الجنازة داخل المسجد، فيما صلّى آخرون على السجاد المفروش خارجه، في ظل درجة حرارة 44 مئوية.

وبعد الصلاة، حُمل النعش الملفوف بالعلم الفلسطيني على الأكتاف قبل نقله إلى مقبرة لوسيل ليوارى الثرى في قطر التي كانت مقرّ إقامته مع أعضاء آخرين في المكتب السياسي لحماس.

وكان من بين الحاضرين الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس خالد مشعل الذي قال في ختام المراسم، إن هنيّة “خدم قضيته وشعبه وقُدسه … خدمها مجاهداً، وخدمها داعية حافظاً للقرآن، وخدمها رئيساً للوزراء”.

وأضاف: “كان وسط شعبه لا يتخلف عنهم، لم يخرج من غزة إلا ليناضل من أجل قضيته على مدى العالم”.

انتهت المراسم بهتافات غاضبة، حيث حمل عشرات الشبان الغاضبين أحد المصلين الذي بُترت ذراعه وساقه، وُلِف بالعلم الفلسطيني، أثناء خروجهم من المسجد.

وقال طاهر عادل، وهو طالب أردني يبلغ من العمر 25 عاماً ويقيم في الدوحة، لوكالة فرانس برس خلال المراسم، “كان (هنية) رمزاً وزعيماً للمقاومة… الناس غاضبون”.

تستضيف قطر المكتب السياسي لحماس منذ العام 2012، بعدما أغلقت الحركة مكتبها في دمشق.

نُقل جثمان هنية إلى الدوحة عصر الخميس من طهران حيث اغتيل مع مرافقه الشخصي في مكان إقامته في العاصمة الإيرانية.

وقال أحمد محمود، وهو قطري يبلغ من العمر 48 عاماً، لفرانس برس خلال الجنازة “إسماعيل هنية رمز لكل المسلمين. يتعين على إيران تقييم القرار، ويجب أن يكون هناك رد فعل. ويجب أن تعلم إسرائيل أننا سندافع عن أنفسنا”.

صباح الخميس، شاركت حشود ضخمة في مراسم شعبية لتشييعه في العاصمة الإيرانية، حيث أمّ المرشد الإيراني علي خامنئي المصلّين في جنازة هنية في جامعة طهران، وحمل المشيّعون صور رئيس المكتب السياسي لحماس وأعلاماً فلسطينية.

شخصيات عربية وإسلامية

شارك في جنازة هنية في الدوحة أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إضافة إلى شخصيات دبلوماسية من خارج البلاد.

أعلنت إيران إرسال نائب الرئيس محمد رضا عارف. فيما أعلنت الخارجية التركية أن الوزير هاكان فيدان وصل إلى الدوحة لحضور الجنازة و”نقل تعازيه إلى نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في الدوحة” بحسب مصادر دبلوماسية تركية.

وصل المعزون قبل ساعات من الصلاة عليه إلى أكبر مساجد الدوحة، والتفّ معظمهم بأوشحة تحمل العلم الفلسطيني أو الكوفية الفلسطينية وسط إجراءات أمنية مشددة.

وانتشرت شرطة المرور وقوات الأمن الداخلي على كل الطرق المؤدية إلى المسجد، واصطف رجال الشرطة على طول حواجز الطرقات السريعة المجاورة.

اغتيل قائد حماس بعد ساعات فقط من قيام إسرائيل باغتيال القيادي العسكري البارز في حزب الله اللبناني فؤاد شكر، في ضربة زادت المخاوف من توسع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.

وتشهد الحدود اللبنانية الجنوبية تبادلا للقصف بصورة شبه يومية بين إسرائيل وحزب الله منذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

وتوعّد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الخميس إسرائيل بأنّ عليها انتظار “الردّ الآتي حتماً”.

ولاحقا خلال الليل، أعلن حزب الله أنه أطلق “عشرات” الصواريخ على شمال إسرائيل ردا على مقتل أربعة نازحين سوريين بغارة اسرائيلية في جنوب لبنان، في أول هجوم للحزب منذ استشهاد شكر مساء الثلاثاء.

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي بعدها، إن طائراته أغارت على “الموقع الذي أطلقت منه المقذوفات في منطقة ياطر” في جنوب لبنان، كما قصفت مدفعيته أهدافا في قريتي رميش ورامية.

تحقيقات وقلق من التصعيد

وتعدّ عمليتا اغتيال هنية وشكر التطوّر الأكبر في سلسلة من الأحداث أشعلت التوترات الإقليمية على خلفية حرب غزة واستنفرت الفصائل المدعومة من إيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن.

وتوعّد خامنئي إثر اغتيال هنية بإنزال “أشدّ العقاب” بإسرائيل، معتبراً أن “من واجبنا الثأر لدماء” هنية.

وكان هنية في طهران للمشاركة في مراسم أداء الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اليمين الدستورية الثلاثاء. وبينما حمّلت إيران إسرائيل مسؤولية الاغتيال، رفضت الحكومة الإسرائيلية التعليق على مقتله.

وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي من جانبه أن الضربة الوحيدة التي نفذت في تلك الليلة في الشرق الأوسط هي التي استهدفت فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية.

وذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” نقلاً عن مسؤولين في الشرق الأوسط أن هنية قُتل بعبوة ناسفة زرعت قبل عدة أسابيع في دار ضيافة في طهران.

غير أن وكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية فارس اتهمت “نيويورك تايمز” ووسائل إعلام دولية أخرى بترويج روايات “كاذبة”.

وأضافت أن “نيويورك تايمز تكذب بشأن اغتيال هنية … إن وسائل الإعلام التابعة للصهيونية العالمية تروج لهذه الكذبة حول طريقة اغتيال هنية لتجنب عواقب هذا الإجراء (على إسرائيل). وتحاول تبرئة النظام الصهيوني من جريمة انتهاك سيادة إيران الإقليمية”.

وأكدت أن “نتائج التحقيق الذي أجراه الخبراء تظهر أن إسماعيل هنية قُتل بقذيفة، ولا يمكن إنكار دور النظام الصهيوني في ذلك”.

وأكّد الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال مكالمة هاتفية الخميس “التزام” الولايات المتّحدة أمن إسرائيل في مواجهة “أيّ تهديدات من إيران” بحسب ما أعلن البيت الأبيض.

كما أعرب بايدن للصحفيين عن “قلقه الشديد” إزاء التصعيد في المنطقة مضيفا أن عمليتي الاغتيال “لم تساعدا” في خفض التوتر.

من جانبها، دعت فرنسا الجمعة، رعاياها “الذين لا يزالوا في إيران” إلى مغادرة البلد “في أقرب وقت” بسبب “تزايد” خطر حدوث تصعيد عسكري. كما عززت الأمن في المناطق التي يقطنها يهود فرنسيون.

“يوم غضب”

ودعت حماس إلى “يوم غضب” شعبي عقب صلاة الجمعة، تزامناً مع تشييع هنية.

وقالت الحركة الفلسطينية في بيان الخميس: “يا جماهير شعبنا الفلسطيني الأبي، ويا جماهير أمتنا العربية والإسلامية: ندعوكم … لأداء صلاة الغائب على روح القائد الشهيد إسماعيل هنية، بعد صلاة الجمعة، في كل المساجد، وفاءً له ولرسالته ولدماء الشهداء”.

وأضافت الحركة “ولتنطلق مسيرات الغضب الهادر من كل مسجد، تنديداً بجريمة الاغتيال الجبانة، وإدانة لتواصل حرب الإبادة ضد شعبنا في قطاع غزة، ودفاعاً عن أرضنا وقدسنا والمسجد الأقصى المبارك”.

وتعهد نتنياهو القضاء على حماس رداً على عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الذي أشعل الحرب في غزة.

وأدّى هنية دوراً رئيسياً في المفاوضات للتوصل إلى هدنة في غزة عبر الوسطاء في قطر، التي قادت شهوراً من المفاوضات خلف الكواليس إلى جانب مصر والولايات المتحدة.

وقال هيو لوفات، المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن مقتل هنية، على أقل تقدير: “سيعني أن اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل أصبح الآن خارج النقاش تماماً”.

وأدانت قطر اغتيال هنية ووصفته بأنه “جريمة شنيعة” و”تصعيد خطير”.

وشكّك رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الأربعاء في جدوى المفاوضات التي ترعاها الدوحة بين الدولتين.

وعلى منصة إكس كتب رئيس الوزراء الذي يقود جهود قطر للوساطة، إنّ “نهج الاغتيالات السياسية والتصعيد المقصود ضد المدنيين في غزة في كل مرحلة من مراحل التفاوض، يدفع إلى التساؤل كيف يمكن أن تجري مفاوضات يقوم فيها طرف بقتل من يفاوضه في الوقت ذاته؟”.