* نظام مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ورثناه من نتائج الحرب العالمية الثانية ولا يستطيع حل المشاكل التي تضرب العالم
* القوى العالمية تغيرت.. ولم يعد مقبولا لدى العالم أن تكون أوروبا ممثلة بدولتين دائمتي العضوية بمجلس الأمن (فرنسا وبريطانيا) بينما باقي العالم ليس له تمثيل قوي
* الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن عجزت عن حل أبرز المشاكل الدولية.. وهذه الدول عطلت إصلاح وتوسيع عضوية المجلس الدائمة
* أؤيد مقولة الرئيس أردوغان أن “العالم أكبر من خمسة” وأدعو إلى “تمثيل قاري” فالنظام الحالي يخدم مصالح الدول الكبرى
* مشكلتنا (العرب) ليست في شكل النظام ولكن في موقفنا وقراراتنا السياسية المنحازة إلى التيار الغربي
مرايا –
اعتبر السياسي الأردني البارز رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري أن النظام العالمي بصورته الحالية “أصبح باليا لا يستطيع حلّ المشاكل”، ولن يقتصر مستقبلا على الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
وفي مقابلة مع الأناضول بمكتبه في العاصمة عمان، قال المصري (80 عاما) إن “النظام الدولي المتمثل في مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة هو نظام ورثناه من نتائج الحرب العالمية الثانية (1939-1945) وانتصار الحلفاء، وقد قُسّم في ذلك الوقت على أساس المنتصر والمنكسر، وبقي ساري المفعول لغاية هذه اللحظة”.
وتابع: “يبدو الآن أن هذا النظام أصبح باليا لا يستطيع حلّ المشاكل التي تضرب العالم”.
وأضاف أنه “من غير المعقول أن تبقى الدول الخمس دائمة العضوية في هذا الترتيب، فقد تغيّرت القوى العالمية تغيرا كبيرا في كثير من النواحي”.
ومجلس الأمن يضم 15 دولة، منها خمس دائمة العضوية هي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، و10 دول تنتخبها الجمعية العامة وفق التوزيع الجغرافي، وسنويا يتم تجديد نصف مقاعد الأعضاء المنتخبين.
وأردف المصري: “لم يعد مقبولا لدى العالم أن تكون أوروبا ممثلة بدولتين دائمتي العضوية (فرنسا وبريطانيا)، بينما باقي العالم ليس له تمثيل قوي”.
وأشار إلى أنه “جرت في السابق إعلانات حول ضرورة تغيير النظام الدولي، ولكن الدول الخمس وبعض الجهات الأخرى وقفت في طريق هذا التغيير، لأنه إذا حدث تغيير لن يعد لها دور مهم في الأمم المتحدة”.
وزاد بأنه “جرى طرح العديد من المقترحات والأفكار الجديدة، لكن لا يبدو أن أيا منها ليس مقبولا إما من الدول الكبرى أو من تجمعات القوى الدولية قي باقي أنحاء العالم”.
واستطرد: “أمريكا الجنوبية وإفريقيا غير ممثلتين والمنطقة العربية غير ممثلة، الآن العالم تغيّر ولابد من تمثيل واقعي أكثر لباقي الدول التي لا زالت تتغير باستمرار نتيجة الأوضاع الحالية وقوتها التكنولوجية وبالتالي قوتها السياسية”.
واعتبر أن “الولايات المتحدة لها الأسبقية في كل هذا وحتما ستحافظ على وضعها، أما أوروبا فطالما هناك اتحاد أوروبي، فيجب أن تكون هناك دولة واحدة تمثل كل الأوروبيين”.
ورأى أن “مواقف الأوروبيين في أوكرانيا تدل على أنهم أصبحوا مقتربين من بعضهم البعض ولهم اتفاقيات تؤشر على مواقف مشتركة”.
ويدعم الاتحاد الأوروبي كييف في مواجهة هجوم عسكري تشنه روسيا في جارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط الماضي.
وأوضح المصري أن “النظام العالمي لم يقدم للكتل الأخرى شيئا، وبقيت الدول الغربية هي التي تمسك بزمام مجلس الأمن”.
وشدد على أن “العالم تغير وهو بحاجة إلى تنظيم يناسب الوضع الحالي والتغيرات العميقة التي حدثت بالاقتصاد العالمي وتشكيلات الدول وتحالفها”.
** التحالفات المستقبلية
وعن شكل التحالفات المستقبلية، توقع المصري أن “موضوع أوكرانيا سيغير أشكالا كثيرة، ولغاية الآن لا نستطيع الجزم بما سيحدث وكيف سيسير حل الأمور”.
واستدرك: “إذا استطاعت أوكرانيا مع ما تم تزويدها بأسلحة (من الغرب) من إضعاف روسيا، سنتساءل ماذا ستفعل روسيا، لأن (رئيسها فلاديمير) بوتين لن يقبل بالخسارة والتراجع عن مواقف بلاده، فهو يقول بأننا قطب من أقطاب العالم، وليست أوكرانيا من تحاربنا”.
ورأى أن “حرب أوكرانيا سخيفة وأسبابها معروفة، وروسيا لن تسمح لأمريكا بهزيمتها”.
وأضاف أن “التغير حاصل في شكل التحالفات الدولية، وأمريكا أظهرت عداوتها الشديدة للصين وهو خلاف لا على احتلال ولا على شيء آخر، وإنما تعامل الصين مع روسيا والولايات المتحدة من منطلق المصلحة وغنى الصين”.
ورجح أنه “إن بقيت الأمور على حالها، يبدو أننا سندخل بحرب عالمية تفسد كل ما أُنجز في الغرب من تكنولوجيا بعد الحرب العالمية الثانية”.
** “العالم أكبر من خمسة”
وعن صيغة مناسبة لشكل مجلس الأمن، قال المصري إن “اقتصار العضوية على خمسة لا يحقق العدالة الدولية”.
وتابع: “علينا أن نأخذ الحاجات الدولية ونضعها في قالب قانوني، وربما من المنطقي أن نأخذ بحسب القارات، فالهند مثلا ليست دائمة العضوية وفيها مليار و200 ألف نسمة”.
وشدد على أنه “لن يكون النظام العالمي 5 بعد الآن.. إصلاح وتعديل المجلس لم يتهيأ الجو له لغاية الآن في العالم، بحيث يتم القبول بهذا التفكير وتسعى به دول كثيرة”.
واستطرد: “قد يكون هناك قرار أممي، عبر اتفاق أعضاء الجمعية العمومية الـ193 والمطالبة بذلك بشكل محدد ولكن هذا ليس حاصلا؛ لأن الدول الخمس الكبرى عطلت هذا الإصلاح”.
وعن مقولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهيرة من 2019 بأن “العالم أكبر من خمسة”، أيّد المصري ذلك وقال إن “العالم أكبر من خمسة وكلام أردوغان صحيح، ونحتاج إلى دول تقول لهم إن هذا كان مقبولا في الماضي، وشكل النظام الحالي لا يناسب ولا يحل مشاكل”.
وأردف: “هذه الخمس دول عجزت عن حل أبرز المشاكل الدولية، وبالتالي بات من الضروري تحقيق التغيير العالمي ابتداء من مجلس الامن الدولي”.
** تمثيل قاري
وبالنسبة للآلية المناسبة لتوسيع المشاركة، دعا المصري إلى “تمثيل قاري، ولا حل سوى بإيلاء هذا الموضوع أهمية كبيرة لتمثيل حاجات ومصالح الدول”.
واعتبر أن “الإصلاح يكون بتغيير النظام الحالي، وبصورته الحالية يخدم بعض مصالح الدول الكبرى، لذلك نجد تعطيل وعدم جدية بالإصلاح داخل المجلس”.
وعن دور العرب، قال إن “هناك 22 دولة عربية أعضاء بالجمعية العامة ودائما لهم كرسي في مجلس الأمن (عضوية غير دائمة) يتيح لهم المشاركة الحقيقية في لعب دور معين”.
واعتبر أن “مشكلتنا (العرب) ليست في شكل النظام، ولكن في موقفنا وقراراتنا السياسية المنحازة إلى التيار الغربي”.
وتابع: “لذلك أعتقد أن الاعتبارات السياسية للدول العربية هي التي تحرك تصويت ومشاركة بعضها في اتخاذ المواقف، ولم أسمع إطلاقا أي رغبة أو أي مطلب عربي بتغيير النظام الدولي الحالي”.
وزاد بأن “العرب فرحوا بأن اللغة العربية لغة رسمية بالأمم المتحدة واكتفوا بذلك، يجب أن يكون هناك استقلالية للقرار العربي، مع ضرورة وجود قرار عربي جماعي خاصة في القضايا الرئيسية بما فيها تغيير شكل المنظومة”.
وبخصوص احتمال حدوث تنسيق عربي إقليمي لتغيير النظام العالمي، اعتبر أن ذلك “سيكون خاضعا لقرارات سياسية متشعبة ومتنوعة (..) نحن لم نقم بواجبنا نحو تجميع القوة العربية في مجال محدد”.
واختتم بأن “موقفنا لم يكن موحدا إلا بالقضية الفلسطينية، والآن تراجع بشكل كبير وملحوظ، مع العلم أن الجامعة العربية أول منظمة إقليمية أُقيمت بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت رائدة في عملها وتنظيمها، والآن تفككت هذه الرابطة وأصبحت جامعة الدول العربية في سبات عميق”.
وتواصل دول إقليمية بارزة، في مقدمتها تركيا، كفاحها لإصلاح مجلس الأمن، إلا أن الوعود الأمريكية بشأن تفعيل هذا الإصلاح تراوح مكانها منذ سنوات دون تنفيذ.
والثلاثاء، تُفتتح الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، على وقع مناداة لا تتوقف من غالبية دولها الأعضاء، وعلى رأسها تركيا وألمانيا والهند والبرازيل ومصر وجنوب إفريقيا، بضرورة إصلاح مجلس الأمن، باعتباره “حجر الزاوية في الحفاظ على السلام والأمن الدوليين”.