مرايا –
بات آلاف الأردنيين مهددين بالسجن إثر قرار الحكومة وقف العمل بقرار عدم حبس المدين والذي كان قد صدر في ظل جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية السلبية عام 2021.
وحسب إحصائية حكومية فإن نحو 158 ألفا باتوا متعثرين بسبب الديون المتراكمة، وسط تصريحات نيابية عن مغادرة أكثر من 10 آلاف متعثر البلاد تحت ضغط القرار الحكومي.
الناطق الإعلامي بوزارة العدل أعاد التأكيد على تصريح سابق للوزير قال فيه “بلغ عدد المدينين في جميع دوائر التنفيذ حتى 20 أبريل/نيسان الماضي 158 ألفا، 68% منهم يقل دينهم عن 5 آلاف دينار، و87% أقل من 20 ألفا”.
في هذا السياق، اكتفت مصادر أمنية بقولها إن نسبة النزلاء في مراكز الإصلاح وصلت حتى الرابع من مايو/أيار إلى 165% من سعتها الاستيعابية، وقال محافظ البنك المركزي عادل شركس إن 800 ألف مواطن مقترضون من البنوك قروضاً متفرقة.
وانتهى العمل بتأجيل تنفيذ قرار حبس المدين في المملكة، وفق أمر الدفاع رقم 28 في الأول من مايو/أيار الجاري، بتعديل البند الأول من أمر الدفاع والقاضي بتأجيل تنفيذ قرارات حبس المدين الصادرة بموجب قانون التنفيذ، شريطة ألا يتجاوز المبلغ 100 ألف دينار ليصبح 20 ألف دينار.
كما تضمن تعديل البند الثاني من أمر الدفاع ذاته والمتعلق بوقف تنفيذ الأحكام الجزائية التي تقضي بعقوبة الحبس في الجرائم المتعلقة بإصدار شيكات بدون رصيد في قضايا لا يتجاوز مجموع قيمة الشيكات 100 ألف دينار، حيث أصبحت القيمة 20 ألف دينار. وعاد الأصل لقانون التنفيذ الساري منذ عام 2017، وبموجبه يجوز الحبس التنفيذي للمبالغ المحكوم بها والتي تتجاوز 5 آلاف دينار.
حقوق المقرضين
يقول عبد الكريم الفارس الذي أقرض العشرات إن امر الدفاع وفر حماية للمتعثرين الذين يتلكأ كثيرون منهم، بل ويحجمون عن الوفاء بالسداد على الرغم من عديد الوثائق الثبوتية والتواقيع الشخصية.
ويتفرغ الفارس منذ سنوات لأعمال حرة ، وقد اضطرته طبيعة عمله لتسليف آلاف الدنانير لزبائن ومعارفه تعثرت ظروفهم المالية، موضحا أن بعضهم التزم التقسيط بين الحين والآخر، إلا أن قرار عدم الحبس عطل حصوله على حقوقه.
وفي حديثه ، يستعيد الفارس تهكم عديد من مدينيه حين كانوا يشيرون له -غير آبهين- صوب المركز الأمني لتقديم شكوى بحقهم، كلما جرى الحديث عن ديونهم والتزاماتهم، مضيفا “كان استغلالا بشعاً لأمر الدفاع الصادر عام 2021 والقاضي بعدم حبس المدين”.
وأكد تعمد البعض استفزازه بهدف القفز عن قضية الدين واختلاق مشاجرة، تنتهي بالمحاكم والمستشفيات ثم تضيع معها الحقوق المالية.
اليوم، يرفع الفارس أكف الضراعة والشكر لله غداة الانتهاء العمل بأمر الدفاع، والعودة لقانون عام 2017، والذي بموجبه يستطيع تحصيل حقوقه المتراكمة منذ أكثر من سنتين.
وعقب انتهاء العمل بأمر الدفاع بيومين، تلقى الفارس اتصالاً من متعثر، أبلغه بنية السداد في غضون أسبوع، بعد أن غير من مستوى الحديث ونبرته التي درج على انتهاجها معه سابقاً مستبدلها بلغة لينة بهدف ثنيه عن التوجه للقضاء، حسبما يروي الفارس.
استفادة المتعثرين
وهناك متعثرون استفادوا من قرار منع حبس المدين، واستطاعوا تسديد جزء من ديونهم خلال 24 شهراً، ومنهم التاجر أحمد السرخي، وهو الناطق باسم المتعثرين في المملكة، وكان يمتلك 3 محلات تجارية في عمان، إلا أنه مر بظروف تجارية صعبة عام 2014، انتهت به إلى السجن 90 يوماً، على ذمة قضية مالية، ليخرج عقبها ليجد محلاته مغلقة.
يقول السرخي “قبل إعلان قرار وقف حبس المدين بقليل، كنت مهدداً بالحبس مرة أخرى نتيجة لقضايا جديدة رفعها بحقي تجار، لكن قرار وقف حبس المدين منحني فرصة حقيقية لجدولة ديوني والانخراط بالسوق، فتمكنت من سداد 8 آلاف دينار من أصل 28 ألف دينار”.
وفي حديثه ، يطالب السرخي بأوامر دفاع جديدة، تفتح باب التسويات بين الدائنين والمدينين من دون اشتراط أن يدفع المتعثر 15%، من مجمل دينه في المحكمة، حسب قانون التنفيذ الساري اليوم، مضيفا “لو امتلك المتعثر مبلغ 15% لاستطاع إنجاز تسوية مع الدائن بعيدا عن المحاكم”.
ويعيش السرخي مع زوجته وبناته الأربع وشقيقته اليتيمة في بيت مستأجر، وبتكلفة شهرية تصل قرابة 600 دينار.
لكن وجوده حرا طليقا، وبعيداً عن السجون، فتح الباب أمامه واسعاً على إدارة أعماله التجارية، وتقسيط باقي دينه على التجار، مطالباً باسم عموم المتعثرين برفع الحماية الجزائية عن الشيكات، بوصفها كوابيس دائمة أمامهم، تهددهم بالسجن عاما كاملا لإصدارهم شيكا بدون رصيد، رغم أن الشيك أداة وفاء وليس أداة ائتمان، بحسب وصفه.
تواطؤ بين التاجر والمدين
الأكاديمي حسين محادين، أستاذ علم الاجتماع والجريمة في جامعة مؤتة، يذهب في تحليليه لفلسفة الدين إلى وجود تواطؤ بين التاجر والمدين بهدف تحقيق المنفعة والربح لكليهما، بغض النظر عن الوسيلة، لا سيما وأن التاجر يعرف مسبقاً أن لا ملاءة مالية للمدين، لكنه يسعى للربح.
لكن محادين يخشى من أن “يأكل القوي الضعيف في المجتمع” بحسب حديثه.
واعتبر محادين أن القانون الأردني هو الوحيد الذي يضع عقوبتين على فعل واحد، العقوبة والسداد على الضعيف، مطالباً الوجدان الجمعي بالانتفاضة لمساعدة هؤلاء المتعثرين، كل بحسب إمكاناته، حتى لا يستيقظ المجتمع على قضايا اجتماعية تمس أمنه وتهدد استقراره.
وتداعيات المشهد لا تقف عن هذا الحد وحسب، حسبما يتخوف المحادين من وصولها إلى “حركة الاقتصاد وعلى الأمن المجتمعي، وعلى حالة الثقة في التعامل بين التجار وأبناء السوق، ولا سيما أن السيولة النقدية ليست متوافرة بينهم كما كانت من قبل”.
مخاوف من انفلات اجتماعي
أما الخطورة على الأمن المجتمعي، فستظهر جلية على الأسر التي سيتعرض معيلها للحبس، حسبما يقول أستاذ علم الاجتماع والجريمة مفصلاً قوله إنه “ستكون هناك أزمة كبيرة لا تقل عن خطورة أزمة كورونا، وستفتح الباب أمام الانفلات الاجتماعي، وسنكون حينها بمواجهة قضايا اقتصادية واجتماعية، وقد تكون أخلاقية أحياناً بعد أن انتقل الأردن من القيم الجماعية إلى الفردية بعيد العولمة”.
وأضاف “في زمن الخصخصة صارت علاقة الناس مع بعضها رقمية، والقيم المادية تقدمت على كل القيم” مطالبا صانع القرار بإعادة النظر في التخطيط الاقتصادي الاجتماعي على مستوى الوطن ومؤسساته.
إعادة الحقوق لأصحابها
بدوره، يقول المحامي صخر الخصاونة إن العمل بقانون التنفيذ أدى إلى إعادة الحقوق لأصحابها مكرساً مبدأ العدالة بين الجميع.
وعلق الخصاونة على تصريحات سابقة لمدير السجون العميد فلاح المجالي، خلال اجتماعه باللجنة القانونية النيابية، أواخر أبريل/نيسان الماضي، أكد فيها أن نسبة إشغال السجون وصلت 163% من طاقتها الاستيعابية، بقوله “أول إشكالية ستكون بزيادة أعداد المساجين داخل مراكز الإصلاح والتأهيل مع عدم الفصل بينهم في المهاجع وبين أصحاب الأسبقيات”.
وتكمن الإشكالية الثانية -حسب الخصاونة- بإمكانية تعلم المسجونين على خلفية قضايا مالية أنماطاً جرمية متطورة، تحولهم مستقبلاً إلى مشاريع محتالين أو مجرمين، ولا سيما أن السجون مكتظة بشتى الجرائم، فتشكل مع الأيام مناخاً سلبياً قد يعرضهم لضغوطات نفسية ويحيلهم إلى أشخاص آخرين”.