مرايا – بعد ظهر يوم 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، استقرت كيليان كونواي، مديرة حملة دونالد ترامب التي أصبحت شخصية مركزية في عالم ترامب -بل ونجمته في واقع الأمر- في مكتبها الزجاجي في برج ترامب. وحتی الأسابيع الأخيرة من السباق، ظل مقر حملة ترامب مكاناً فاتراً. وكان كل ما يميزه عن مكتب خلفي في شركة هو بضعة ملصقات تحمل شعارات اليمين.
كانت كونواي الآن في مزاج رائق بطريقة مدهشة، باعتبار أنها على وشك اختبار هزيمة مدوية -إن لم تكن كارثية. سوف يخسر دونالد ترامب الانتخابات -كانت على يقين من هذا- لكنه ربما يبقي الهزيمة دون 6 نقاط. كان ذلك ليشكل انتصاراً مدهشاً. أما بالنسبة للهزيمة التي تلوح في الأفق نفسها، فقد نفضت خاطرها عن كاهلها: إنه خطأ بريبوس رين، وليس خطأها هي.
كانت قد أمضت جزءاً كبيراً من اليوم في مهاتفة الأصدقاء والحلفاء في العالم السياسي، وفي لوم بريبوس. والآن بعد أن قدمت إيجازات صحفية لبعض منتجي التلفزيون ومذيعي الأخبار الذين أقامت معهم علاقات قوية -وكانت تأمل، بعد أن أجرت معهم مقابلات نشطة في الأسابيع القليلة الماضية، في الحصول منهم على وظيفة دائمة في العمل التلفزيوني على الهواء بعد الانتخابات. كانت قد توددت بعناية إلى العديد منهم منذ الانضمام إلى حملة ترامب في منتصف آب (أغسطس)، وبعد أن أصبحت صوت الحملة المعتدل الموثوق، وصنعت -بابتساماتها المتقطعة الموجزة وذلك المزيج الغريب من الانجراح ورباطة الجأش- وجهاً تلفزيونياً مميزاً بشكل خاص.
بعيداً عن كل الأخطاء الفظيعة الأخرى في الحملة، كانت المشكلة الحقيقية، كما قالت، هي الشيطان الذي لا يستطيعون السيطرة عليه: اللجنة الوطنية الجمهورية التي كانت يديرها بريبوس، ومساعدته كاتي والش -32 عاماً- ومساعدوهما للدعاية. وبدلاً من أن تنخرط في جهود الحملة بالكامل، كانت اللجنة الوطنية الجمهورية، التي هي في نهاية المطاف أداة للمؤسسة الجمهورية، تتحوط في رهاناتها منذ أن فاز ترامب بالترشيح في أوائل الصيف. وعندما احتاج ترامب إلى دفعة، لم تكن هذه الدفعة هناك ببساطة.
كان هذا هو الجزء الأول من دوار كونواي. والجزء الآخر هو أن الحملة كانت، على الرغم من كل شيء، تشق طريقها متشبثة وعائدة حقاً من حافة الهاوية. كان الفريق الذي يعاني من نقص شديد في الموارد، مع ما هو الناحية العملية أسوأ مرشح في التاريخ السياسي الحديث، قد أبلى بلاء حسناً للغاية فعلياً -كانت كونواي كلما ذكر اسم ترامب تقلب عينيها أو تعرض تحديقة ميِّتة. وكانت كونواي -التي لم تكن قد شاركت قط في حملة وطنية، والتي أدارت، قبل ترامب، مؤسسة استطلاعات غير مهمة للمرشحين الهامشيين- تدرك تماماً أنها ستكون الآن، بعد الحملة، من أصوات المحافظين الرئيسية في أخبار الكابل.
في واقع الأمر، كان أحد مستطلعي حملة ترامب، جون ماكلوغلين، قد بدأ يقترح في الأسبوع السابق أو نحو ذلك أن أرقام بعض الولايات الرئيسية، التي كانت حتى ذلك الوقت سيئة، ربما أصبحت تتغير فعلاً لصالح ترامب. ولكن، لا كونواي ولا ترامب نفسه ولا صهره جاريد كوشنر -الرئيس الفعال للحملة، والمراقب المخصص لها من العائلة- اهتزوا في يقينهم: إن مغامرتهم غير المتوقعة سوف تأتي قريباً إلى النهاية.
إلا أن ستيف بانون، بنظرة الرجل الغريب، أصر على أن الأرقام سوف تصبح في صالحهم. لكن كون هذا الرأي لبانون -ستيف المجنون- كان يعني عكس التطمين تماماً.
الجميع في الحملة تقريباً، الذين كانوا ما يزالون مجموعة صغيرة للغاية، فكروا في أنفسهم على أنهم فريق واضح الرؤية، وأشخاص واقعيون إزاء آفاقهم كما قد يكون أي منها في عالَم السياسة. كان الاتفاق غير المعلن فيما بينهم: ليس الأمر فقط أن دونالد ترامب لن يكون رئيساً، وإنما ربما لا يجب يكون. وبصورة مريحة، عنى الاعتقاد الأول أنه ليس على أحد أن يتعامل مع الثاني.
بينما كان قطار الحملة يصل إلى محطة النهاية، كان ترامب نفسه متفائلاً. فقد نجا من نشر شريط بيلي بوش، عندما أصبح لدى اللجنة الوطنية الجمهورية، في الضجة التي أعقبته، ما يكفي السخط للضغط عليه لكي ينهي سباقه الرئاسي. وكان مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي، بعد أن فضح غسيل بإعلان نيته فتح التحقيق في رسائل بريدها الإلكتروني قبل أحد عشر يوماً من الانتخابات، قد ساعد على تجنب تحقيق أغلبية ساحقة وكاملة لصالح لكلينتون.
في بداية الحملة، كان ترامب قد قال لمساعده الذي يعمل معه تارة ويتركه تارة أخرى، سامب نونبرغ: “يمكنني أن أكون أشهر رجل في العالم”.
“ولكن هل تريد أن تكون الرئيس؟”، سأل نونبرغ (وهو سؤال مختلف نوعياً عن اختبار المرشح الوجودي المعتاد: “لماذا تريد أن تكون رئيساً؟”). ولم يحصل نونبرغ على جواب.
كانت الفكرة أنها لم تكن ثمة حاجة إلى جواب، لأنه لن يكون رئيساً، ببساطة.
كان صديق ترامب منذ وقت طويل، روجر آيلز، يحب أن يقول إنك إذا كنت ترغب في وظيفة في عالم التلفاز، فعليك أن تترشح أولاً لمنصب الرئيس. والآن، كان ترامب، بتشجيع من آيلز، ينشر إشاعات حول شبكة تلفزة قادمة لترامب. كان ذلك مستقبلاً عظيماً.
سوف يخرج من هذه الحملة، كما أكَّد ترامب لآيلز، بعلامة تجارية أقوى بكثير وفرص لا توصف. وقال لآيلز في محادثة قبل أسبوع من الانتخابات: “هذا أكبر مما أحلم به. أنا لا أفكر في الخسارة لأن هذه ليست خسارة. لقد كسبنا تماماً”. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه كان يهيئ رده العلني على خسارة الانتخابات: لقد سُرقَت!
كان دونالد ترامب وفريقه الصغير من المحاربين في الحملة جاهزين للخسارة بالنار والغضب. لم يكونوا مهيئين للفوز.
* C* *
في السياسة يجب أن يخسر أحد ما، لكن الجميع يعتقدون دائماً وبلا استثناء أنهم يمكن أن يفوزوا. ربما لا يمكنك الفوز إلا إذا آمنتَ بأنك ستفوز -إلا في حملة ترامب.
كان فكرة ترامب المهيمنة عن حملته الخاصة هي كيف أنها سيئة الجودة، وكيف أن كل مشارك فيها هو شخص خاسر. كما كان مقتنعاً بالمقدار نفسه أن جماعة كلينتون كانوا كاسبين بارعين -كان يقول في كثير من الأحيان: “لقد حصلوا على الأفضل وحصلنا على الأسوأ”. وكان قضاء الوقت مع ترامب على متن الطائرة في كثير من الأحيان تجربة ملحمية في النقد والتجريح: كل واحد من حوله كان أحمق.
كثيرا ما تعرض كوري ليفاندوفسكي، الذي عمل في البداية مديراً رسمياً لحملة ترامب -أكثر أو أقل- للتوبيخ العنيف من المرشح. وعلى مدى أشهر وصفه ترامب بأنه “الأسوأ”. وفي حزيران (يوليو) 2016 طرده أخيراً. وكل الوقت بعد ذلك، أكد ترامب أن حملته منذورة للفشل من دون ليفاندوفسكي. كان يقول: “كلنا خاسرون. كل جماعتنا مريعون، لا أحد منهم يعرف ما يفعله… أتمنى لو يعود كوري”. وسرعان ما ضاق ترامب ذرعاً بمدير حملته الثاني، بول مانافورت، أيضاً.
بحلول آب (أغسطس)، عندما كان متخلفاً عن كلينتون بنحو 12 إلى 17 نقطة، وفي مواجهة عاصفة يومية من الصحافة المغثية، لم يستطع ترامب أن يتصور حتى سيناريو بعيد المنال لتحقيق نصر انتخابي. وفي هذه اللحظة العصيبة، باع ترامب، ببعض من المعاني الأساسية، حملته الخاسرة. كان الملياردير اليميني، بوب ميرسر، والذي دعم في البداية تيد كروم، قد حول دعمه إلى ترامب مع ضخ 5 ملايين دولار في حملته. ولاعتقاده بأن الحملة تتدهور، استقل ميرسر وابنته ريبيكا طائرة مروحية من ممتلكاتهما في “لونغ آيلاند” وخرجا في حملة مبرمجة لجمع التبرعات -على أمل أن ينقذ متبرعون آخرون الحملة- في المسكن الصيفي لمالك شركة “نيويورك جيتس” للطائرات ووريث “جونسون آند جونسون”، وودي جونسون، في هامبتونز.
لم تكن لترامب أي علاقة حقيقية مع أي من الأب أو الابنة. لم يتجاوز الأمر إجراء بضع محادثات فقط مع بوب ميرسر، الذي تحدث في غالب الأحيان بعبارات مقتضبة؛ وكان كل تاريخ ريبيكا ميرسر مع ترامب هو صورة سلفي أخذت معه في برج ترامب. ولكن، عندما عرض ميرسر وابنته خططهما لتولي أمور الحملة وتعيين مساعديهما، ستيف بانون وكليان كونواي، فيها، لم يقاوم ترامب. وأعرب فقط عن عدم فهم كبير للسبب في أن يريد أي شخص أن يفعل ذلك. قال لميرسر: “هذا الأمر، كله ملعون وخاسر”.
وفق كل مؤشر ذي معنى، ثمة شيء أكبر حتى من الحسّ بالقدر المحتوم ظلل ما وصفه ستيف بانون بأنه “حملة عصية على الإصلاح” -كان ثمة إحساس بالاستحالة المتأصلة.
رفض المرشح الذي أعلن نفسه مليارديراً –عشرات المرات- حتى أن يستثمر أمواله الخاصة في حملته. وقال بانون لجاريد كوشنر -الذي كان عندما انخرط بانون في الحملة، يقضي مع زوجته عطلة في كرواتيا مع عدو ترامب ديفيد جيفن- إنهم، بعد أول مناظرة في أيلول (سبتمبر)، يحتاجون إلى 50 مليون دولار إضافية لتغطيتهم حتى يوم الانتخابات.
وقال كوشنر واضح الرؤية: “لا يمكن أن نحصل على 50 مليوناً ما لم نضمن له النصر”. “خمسة وعشرون مليونا؟” حثَّ بانون.
“فقط إذا استطعنا أن نقول إن النصر أكثر من مرجح”.
وفي نهاية المطاف، كان أفضل شيء استطاعه ترامب هو أن يُقرض الحملة 10 ملايين دولار، شريطة أن يستعيدها بمجرد أن يستطيعوا جمع نقود أخرى. (ستيف منوشن، الذي كان حينذاك الرئيس المالي للحملة، جاء لأخذ القرض بمجرد أن أصبحت تعليمات التحويل جاهزة للإرسال، حتى لا ينسى ترامب بسهولة إرسال المال).
لم تكن هناك في الحقيقة أي حملة حقيقية لأنه لم يكن هناك تنظيم حقيقي -أو في أحسن الأحوال، كان ثمة حملة تعاني حالة اختلال وظيفي فريدة. كان روجر ستون، مدير الحملة في وقت مبكر بحكم الأمر الواقع، قد استقال أو طرده ترامب -بينما يزعم كل من الرجلين علناً أنه أخضع الآخر. أما سام نونبرغ، وهو مساعد لترامب كان قد عمل لحساب ستون، فقد أطاح به ليفاندوفسكي بالكثير من الضجيج، ثم فاقم ترامب نشر الغسيل القذر على الملأ من خلال مقاضاة نونبرغ. وكانت علاقة ليفاندوفسكي وهوب هيكس -مساعد العلاقات العامة الذي عينته في الحملة إيفانكا ترامب- قد انتهت بشجار علني في الشارع -وهو حادث استشهد به نونبرغ في رده على دعوى ترامب. لم تكن الحملة، على السطح، مصممة للفوز بأي شيء.
وحتى عندما أقصى ترامب المرشحين الجمهوريين الستة عشر الآخرين، مهما بدا ذلك قطعاً لشوط بعيد، فإن ذلك لم يجعل الهدف النهائي المتمثل في الفوز بالرئاسة أقل منافاة للعقل.
وإذا بدا الفوز، خلال الخريف، معقولاً أكثر قليلاً، فقد تبخر ذلك مع قضية بيلي بوش. قال ترامب لمضيف أن. بي. سي “بيلي بوش” على ميكروفون مفتوح، وسط النقاش الوطني الجاري حول التحرش الجنسي: “إنه مثل المغناطيس. قبِّل فقط. حتى أنني لا أنتظر. عندما تكون نجماً فإنهن يدعنك تفعل. تستطيع أن تفعل أي شيء. تمسكهن من الأعضاء الجنسية. يمكنك أن تفعل أي شيء”.
كان ذلك كشفاً أوبرالياً. كان هذا التطور مميتاً جداً حتى أنه عندما تم استدعاء رين بريبوس، رئيس اللجنة الوطنية الجمهورية، إلى نيويورك من واشنطن لحضور اجتماع طارئ في برج ترامب، فإنه لم يتمكن من دفع نفسه إلى مغادرة محطة بن. وقد استغرق الأمر فريق ترامب ساعتين لإقناعه بالقدوم بالتملق والملاطفة.
“أخي”، قال بانون يائساً، متزلفاً بريبوس على الهاتف، “قد لا أراك مرة أخرى أبداً بعد اليوم، لكنك يجب أن تأتي إلى هذا المبنى وأن تعبر من الباب الأمامي”.
* * *
كان الجانب المشرق في العار الذي ترتب على ميلانيا ترامب أن تتحمله بعد نشر شريط بيلي بوش هو أن زوجها لم يعد من الممكن أن يصبح رئيساً بأي طريقة. كان زواج دونالد ترامب محيراً لكل شخص حوله تقريباً -أو أنه كان كذلك على أي حال بالنسبة لأولئك الذين لا يمتلكون طائرات خاصة والعديد من المنازل. كان يقضي هو وميلانيا وقتاً قليلاً نسبياً معاً. وكان يمكن أن يمضيا أياماً في بعض الأحيان من دون أي اتصال، حتى عندما يكونان متواجدين كلاهما في برج ترامب. وفي كثير من الأحيان لم تكن تعرف أين يكون، ومن دون أن تنتبه كثيراً إلى هذه الحقيقة. كان زوجها يتنقل بين المساكن وكأنه ينتقل بين الغرف. وإلى جانب معرفتها القليل عن مكان وجوده، فإنها لم تكن تعرف الكثير عن عمله، وانطوت في أفضل الأحوال على قليل من الاهتمام بذلك. وكوالد غائب بالنسبة لأولاده الأربعة الأوائل، فقد كان ترامب أكثر غياباً بالنسبة للخامس، بارون، ابنه من ميلانيا. والآن وقد أصبح في زواجه الثالث، كان يقول للأصدقاء إنه يعتقد أنه أتقن أخيراً هذا الفن: عِش ودع غيرك يعيش -“افعل أشياءك الخاصة”.
كان ترامب زير نساء سيئ السمعة، وربما أصبح خلال الحملة أكثر المتحرشين شهرة في العالم. وفي حين أن أحداً لن يقول أبداً إن ترامب ينطوي على أي حساسية عندما يتعلق الأمر بالنساء، فقد كانت لديه العديد من وجهات النظر حول كيفية تدبر الأمور معهن، بما في ذلك نظرية كان يناقشها مع الأصدقاء حول كيف أنه كلما كان هناك المزيد من فرق السنوات بين رجل مُسِن وامرأة شابة أصغر عمراً، قلَّ أخذ المرأة الشابة غش الرجل المسن وخيانته لها على محمل الشأن الشخصي.
ومع ذلك، كانت فكرة أن هذا الزواج هو مجرد زواج بالاسم فقط بعيدة تماماً عن الحقيقة. كان دونالد يتحدث عن ميلانيا في كثير من الأحيان عندما لم تكن موجودة. كان يعرب عن إعجابه بمظهرها -في كثير من الأحيان، بطريقة غريبة ومحرجة لها، في حضور الآخرين. كانت، كما يقول بفخر للناس ومن دون سخرية، “زوجة تُحفة”. وبينما قد لا يكون قد شارك حياته تماماً معها، فقد شارك بكل سرور غنائم هذه الحياة. كان يقول، مردداً حقيقة بدهية شائعة للرجال الأغنياء: “زوجة سعيدة تعني حياة سعيدة”.
كما أنه سعى إلى الحصول على موافقة ميلانيا. (سعى في الحقيقة إلى الحصول على موافقة جميع النساء من حوله، واللواتي كنّ حكيمات بما يكفي لمنحه إياها). وفي العام 2014، عندما بدأ النظر بجدية أول الأمر في الترشح للرئاسة، كانت ميلانيا من بين القلائل الذين اعتقدوا أنه يمكن أن يتمكن من الفوز. في حين بدا ذلك أشبه بالمقطع النهائي المضحك من نكتة بالنسبة لابنته، إيفانكا، التي نأت بنفسها بعناية عن الحملة. وبنفور لم يكن مخفياً من زوجة أبيها، قالت إيفانكا للأصدقاء: “كل ما عليكم معرفته عن ميلانيا هو أنها تعتقد بأنه إذا ترشح فإنه سيفوز بالتأكيد”.
لكن احتمال أن يصبح زوجها رئيساً حقاً كان شيئاً مرعباً لميلانيا. كانت تعتقد أن ذلك ربما يدمر حياتها المحميَّة بعناية -حياة محمية، وليس بلا سبب معقول، من أفراد عائلة ترامب الموسعة- والتي تركزت كلها تقريباً على ابنها الصغير.
لا تضعي العربة أمام الحصان، قال زوجها مسلياً، حتى بينما كان يقضي كل يوم في قطار الحملة، ويهيمن على الأخبار. لكن رعبها وعذابها ظلا في ازدياد.
كان ثمة حملة همس تدور حولها، قاسية وساخرة في تلميحاتها، تجري في مانهاتن، والتي أخبرها الأصدقاء عنها. كانت مسيرتها المهنية في عرض الأزياء قيد التمحيص الدقيق. في سلوفينيا، حيث نشأت، نشرت مجلة المشاهير، سوزي، إشاعات حولها بعد أن حصل ترامب على الترشيح. وبعد ذلك، وفي مذاق مخيف لما قد ينتظرها في الأمام، فجرت صحيفة “ديلي ميل” القصة في جميع أنحاء العالم.
ثم حصلت صحيفة “نيويورك بوست” على صدارة المشهد بصورة عارية كانت قد التُقطت لميلانيا في وقت مبكر من حياتها المهنية في عرض الأزياء -وهو تسريب افترض الجميع، سوى ميلانيا، بأن بالإمكان تعقبه إلى ترامب نفسه.
إن هذا لا يطاق، واجهَت زوجها. هل هذا هو المستقبل؟ قالت له إنها لن تكون قادرة على تحمل ذلك.
ورد ترامب بطريقته المعتادة -سوف نقاضيهم!- وأجلسها مع المحامين الذين فعلوا ذلك تماماً بنجاح. لكنه كان نادماً ومنسحقاً على غير العادة هو أيضاً. قال لها أن تتحمل فترة أطول قليلاً فقط. سوف يكون كل شيء قد انتهى في تشرين الثاني (نوفمبر). وقدم لزوجته ضمانة وقورة: ليس هناك ببساطة أي احتمال لأن يفوز. وحتى بالنسبة لزوج غير مخلص بطريقة مزمنة -بل ويمكن أن يقول: بشكل ميؤوس منه- فقد كان هذا وعداً لزوجته بدا متأكداً من الوفاء به.
* * *
كررت حملة ترامب، ربما عن قصد، ذلك المخطط الذي جاء في فيلم ميل بروكس: “المنتجان”. وفي ذلك العمل الكلاسيكي، يعكف بطلا بروكس المحتالان والبليدان، ماكس بيليستوك وليو بلوم، على بيع أكثر من 100 في المائة من أسهم مُلكية عرض سيقومان بإنتاجه لبرودواي. وبما أنه سيتم اكتشاف أمر احتيالهما فقط إلى كان العرض ناجحاً، فقد عملا على أن يكون كل شيء فيه سيئاً ومتخبطاً. ولذلك، عملا على ترتيب عرض غريب جداً باستخدام أسوأ كادر ممكن. لكن غرابة العرض جعلته ينجح فعلاً، بحيث تقوض مخطط أبطالنا في الفيلم.
في العادة، يكون المرشحون الكاسبون للرئاسة -الذين تحركهم الغطرسة أو النرجسية أو إحساس ما قبل طبيعي بالمصير- قد أمضوا بكل تأكيد جزءاً كبيراً من حياتهم المهنية -إن لم تكن حياتهم كلها منذ المراهقة- وهم يستعدون لهذا الدور. إنهم يصعدون سلالم مناصب ووظائف منتخبة. ويصنعون وجهاً مثالياً لعرضه على الناس. وهم يقيمون بهوس شبكات للتواصل، لأن النجاح في السياسة يتعلق إلى حد كبير بمَن يكون حلفاؤك. وهم يحشدون. (حتى في حالة جورج دبليو بوش غير المهتم، فإنه اعتمد على حاشية والده ليحشدوا له). وهم يقومون بالتنظيف خلفهم -أو، على الأقل، يبذلون عناية كبيرة للتستر على ما يفعلون. إنهم يُعدون أنفسهم للفوز والحكم.
لكن حسابات ترامب، الواعية لذاتها تماماً، كانت مختلفة. كان المرشح وكبار مساعديه يعتقدون أنهم يمكن أن يحصلوا على جميع الفوائد الممكنة من وصول المرء إلى مرحلة أن يصبح رئيساً “تقريباً” بدون الاضطرار إلى تغيير سلوكهم أو رؤيتهم العالمية الأساسية مثقال ذرة واحدة: ما علينا سوى أن نكون مَن نكون -أو ما نكون- فحسب، لأننا لن نفوز بطبيعة الحال.
عادة ما صنع العديد من المرشحين للرئاسة فضيلة من كونهم خارجيين وغرباء عن واشنطن. وفي الممارسة، فإن هذه الاستراتيجية ببساطة تفضل حُكام الولايات على أعضاء مجلس الشيوخ. ويعتمد كل مرشح جاد، بغض النظر عن مدى انتقاده/ انتقادها لواشنطن، على مطلعين داخليين في الحكومة هناك للحصول على المشورة والدعم. ولكن في حالة ترامب، الذي كان بالكاد شخصاً عمل في دائرته الداخلية الأكثر قرباً في مجال السياسة على المستوى الوطني -فإن أياً من أقرب مستشاريه لم يعمل في السياسة على الإطلاق. وطوال حياته، كان لترامب القليل من الأصدقاء المقربين من أي نوع، لكنه عندما بدأ حملته من أجل الرئاسة، لم يكن لديه تقريباً أي أصدقاء من عالم السياسة. وكان السياسيان الفعليان الوحيدان اللذان كان ترامب قريباً منهما هما رودي جولياني وكريس كريستي، وكان هذا الرجلان، كل بطريقته الخاصة، غريبين ومنعزلين. وسيكون القول إنه لم يكن يعرف شيئاً -لا شيء على الإطلاق في الحقيقة- عن الأسس الفكرية الأساسية لهذا العمل، تقليلاً فكاهياً من الحقيقة. في وقت مبكر من الحملة، في تجسيد لمشهد رائع من “المنتجون”، تم إرسال سام نونبرغ حتى يقوم بشرح الدستور للمرشح: “كنتُ قد قطعت شوطاً ووصلت التعديل الرابع قبل أن يضع إصبعه على شفته وتدور عيناه في رأسه”.
وقد جاء كل فرد تقريباً في فريق ترامب ومعه هذا النوع من الصراعات الفوضوية التي لا بد أن تلم برئيس أو موظفيه. كان أصدقاء مايك فلين، مستشار ترامب للأمن القومي في المستقبل، الذي أصبح فصل ترامب الافتتاحي في كل تجمعات الحملة، والذي أحبَّ ترامب أن يسمعه وهو يشكو من وكالة الاستخبارات المركزية وقلة حيلة الجواسيس الأميركيين، كانوا قد أخبروه أن أخذ 45.000 دولار من الروس عن كل خطاب ليست فكرة جيدة. وقال لهم مطمئناً: “حسناً، سوف تكون هذه مشكلة إذا فزنا”، عارفاً في قرارة نفسه أنها لن تكون بذلك مشكلة.
وبول مانافورت، عضو جماعات الضغط الدولي والناشط السياسي الذي استعاده ترامب ليدير حملته بعد طرد ليفاندوفسكي -والذي وافق على عدم تقاضي أي أجر، مثيراً الأسئلة عن تقديم الخدمة رداً لجميل- كان قد أمضى ثلاثين عاماً في تمثل الديكتاتوريين والطغاة الفاسدين، جامعاً الملايين من الدولارات من دروب مالٍ لفتت منذ وقت طويل انتباه المحققين الأميركيين. وبالإضافة إلى ذلك، كان عندما انضم إلى الحملة يتعرض للمقاضاة، وكانت كل خطوة مالية له تُوثق على يد الملياردير الروسي الأوليغارشي أوليج ديريباسكا، الذي زعم أنه سرق 17 مليون دورلار منه في عملية احتيال عقارية.
لأسباب واضحة تماماً، لا يوجد رئيس قبل ترامب -وعدد قليل من السياسيين- جاؤوا من قطاع العقارات التجارية: فباعتبار سوق العقارات خاضعة لتنظيم خفيف فقط، وقائمة على أساس الديون الكبيرة وعرضة دائمة لتقلبات السوق المتكررة، فإنها تعتمد في كثير من الأحيان على معروف الحكومة، وهي مكان مفضل لاستبدال النقود الإشكالية -غسل الأموال. وكان كل من صهر ترامب، جاريد كوشنر؛ ووالد جاريد، تشارلي؛ وأبناء ترامب دون الابن وإريك، وابنته إيفانكا، فضلاً عن ترامب نفسه، قد دعموا مؤسساتهم التجارية -أكثر أو أقل- بالعمل في منطقة الليمبو الرمادية المشوبة بالشك للتدفق المالي العالمي الحر. وكان تشارلي كوشنر، الذي ارتبطت المصالح التجارية العقارية لصهر ترامب وأهم مساعديه به بالكامل، قد أمضى بالفعل وقتاً في سجن اتحادي للتهرب من الضرائب، والشهادة الزور، وتقديم تبرعات غير قانونية للحملات.
عادة ما يقوم الساسة المعاصرون وكوادرهم بإجراء الجزء الأكثر من بحوثهم الخاصة بالمعارضة على أنفسهم أولاً. ولو كان فريق ترامب قد أجروا تدقيقاً على مرشحهم، لكانوا قد استنتجوا -منطقياً- أن التدقيق الأخلاقي المتزايد يمكن أن يعرضهم بسهولة للخطر. لكن ترامب لم يبذل أي جهد من هذا القبيل. وقد أوضح روجر ستون، مستشار ترامب السياسي منذ فترة طويلة، لستيف بانون أن ماكياج ترامب النفسي جعل من المستحيل عليه أن يلقي مثل هذه النظرة القريبة المتفحصة على نفسه. كما أنه لا يمكن أن يتسامح مع فكرة أن شخصاً آخر ربما يعرف الكثير عنه -فيمتلك بذلك شيئاً أعلى منه. وعلى أي حال، لماذا يلقي مثل هذه النظرة الوثيقة التي ربما تنطوي على احتمال لتهديد -لأنه، ماذا كانت فرص النجاح من الأساس؟
لم يقتصر الأمر على أن ترامب تجاهل التعارضات المحتملة لصفقاته التجارية وحيازاته العقارية، لكنه رفض بجرأة الإفصاح عن عوائده الضريبية. لماذا قد يفعل مثل ذلك إذا كان لن يفوز؟
وأكثر من ذلك، رفض ترامب قضاء أي وقت في التفكير -مهما كان افتراضياً ونظرياً- بالمسائل الانتقالية، قائلاً إن ذلك سيكون “فألاً سيئاً” -لكنه يعني في الحقيقة أنه كان مضيعة للوقت. كما أنه لم يفكر، حتى من بعيد، في مسألة حيازاته وأشيائه المتعارضة.
إنه لم يكن سيفوز، ببساطة! أو أن الخسارة في حد ذاتها كان فوزاً بالنسبة له.
سوف يكون ترامب الرجل الأكثر شهرة في العالم -شهيد هيلاري كلينتون الماكرة.
سوف تكون ابنته إيفانكا وصهره جاريد قد حولاً نفسيهما من أولاد أغنياء غامضين نسبياً إلى مشاهير عالميين وسفراء للعلامات التجارية.
سوف يصبح ستيف بانون رئيساً لحزب الشاي بحكم الأمر الواقع.
وسوف تصبح كيليان كونواي نجمة لأخبار الكابل.
سوف يستعيد رين بريبوس وكاتي والش حزبهما الجمهوري مرة أخرى.
سوف تستطيع ميلانيا ترامب العودة إلى مناسبات الغداء المبهمة وغير اللافتة.
كانت هذه هي النتيجة الخالية من المتاعب التي ينتظرها فريق ترامب يوم 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016. سوف تكون الخسارة مفيدة للجميع.
بعد وقت قصير من الساعة الثامنة من مساء ذلك اليوم، عندما بدا الاتجاه غير المتوقع -أن ترامب قد يفوز فعلاً- مؤكداً، قال دون الابن لأحد الأصدقاء إن والده، أو “دي. جي. تي”، كما يسميه، بدا كما لو أنه رأى شبحاً. وامتلأت بالدموع عينا ميلانيا، التي كان دونالد ترامب قد قدم لها ضمانة وقورة بعدم الفوز -وليس من الفرح.
في غضون أكثر من ساعة بقليل، كما لاحظ ستيف بانون بحسٍّ لا يخلو من الاستياء، كان ثمة ترامب مرتبك، يتحول إلى ترامب غير مصدق ثم إلى ترامب مرتعب تماماً. لكن الذي لم يكن قد أتى بعد كان التحول النهائي: فجأة، أصبح دونالد ترامب رجلاً يعتقد بأنه يستحق أن يكون -وبأنه كان قادراً تماماً على أن يكون- رئيس الولايات المتحدة.
*من كتاب Fire and Fury: Inside the Trump White House.
*مايكل وولف (المولود في 27 آب/ أغسطس 1953)، هو مؤلف أميركي، وكاتب، وصحفي، وكاتب عمود ومساهم في “يو أس توداي”، و”هوليوود ريبورتر”، وطبعة المملكة المتحدة من “جي كيو”. حصل على جائزتين من “مجلة ناشيونال ماغازين”، و”جائزة الميرور”، وألف سبعة كتب، بما في ذلك Burn Rate في العام 1998 عن شركة دوت كوم الخاصة به، و The Man Who Owns the News في العام 2008، وهو سيرة روبرت مردوخ. شارك في تأسيس موقع تجميع الأخبار “نيوزر”، وهو محرر سابق في “أدويك”.