مرايا – كشف الأمن اللبناني الاثنين أن ضابطين إسرائيليين شاركا في تنفيذ محاولة اغتيال القيادي في حركة حماس بصيدا في14 يناير/كانون الثاني 2018.
وذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية أن استخبارات “إسرائيل” لم تكتف بتكليف عملاء محليين لارتكاب الجريمة، فقد كشفت تحقيقات فرع المعلومات عن وجود ضابطين إسرائيليين، أحدهما سيدة زرعت العبوة، والثاني فجّرها، ثم غادرا لبنان، واستخدما جوازات سفر جورجية وسويدية وعراقية.
وبعد محاولة اغتيال القيادي في حركة محمد حمدان خرج وزير استخبارات الاحتلال يسرائيل كاتس، في تصريح لإذاعة جيش الاحتلال حينها قائلا: “لو كانت إسرائيل متورطة بالتفجير، لما كان المُستهدف لينجو بجروح بسيطة”.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها “الأخبار” إلى أن التحقيق توصل إلى معرفة الضابطين الإسرائيليين، والحصول على صورهما، وعلى نسخ من وثائقهما الثبوتية، وتاريخ دخولهما إلى لبنان وخروجهما منه، ودور كل منهما في العملية، إضافة إلى تحديد الجنسية التي استخدمها كل منهما للتجول في لبنان بحرّية.
ومكّنت التحقيقات فرع المعلومات من تحديد مشتبه فيهما لبنانيين، باتا معروفَين، وهما محمد ح، الذي غادر إلى تركيا ليل الاثنين/ الثلاثاء (15 ــ 16 كانون الثاني)، وبعد اتصال رئيس الحكومة سعد الحريري برئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان، أوقفته الاستخبارات التركية.
وعقب إرسال الأوراق القانونية اللازمة لاسترداده، أعيد إلى لبنان، برفقة بعثة أمنية من فرع المعلومات. وحاول التنصّل من العودة إلى بلاده، عبر الادعاء بأنه إسرائيلي لا لبناني.
لكن تدقيق السلطات التركية في جواز سفره أظهرت أنه غير مزوّر، فاستُكمِلت عملية التسليم. ووصل إلى بيروت فجر الثلاثاء الماضي، وبدأ فرع المعلومات التحقيق معه. وتبيّن أنه يعمل لحساب الاستخبارات الإسرائيلية منذ أكثر من 5 سنوات.
وقالت مصادر معنية لـ”الأخبار” إن التحقيق مع الموقوف كشف أن مراقبة حمدان بدأت منذ أكثر من 7 أشهر، أي منذ ما قبل انتقاله إلى منزله الذي جرت محاولة اغتياله قربه. فقبل نحو 6 أشهر، كان حمدان يسكن في منطقة سيروب في صيدا، وكان محمد ح. يقطن أيضاَ في حي قريب. ومنذ ذلك الحين، كلّفت الاستخبارات الإسرائيلية عميلها بمراقبة هدفها.
أما العميل الثاني فهو محمد ب، والذي تشير تحقيقات فرع المعلومات إلى أنه العميل الرئيسي في هذه العملية. فهو تولى المراقبة اللصيقة لحمدان، من خلال مستودع استأجره قرب منزل القيادي الحمساوي، بذريعة تخزين الثياب.
ويعتقد المحققون بأن استخبارات “إسرائيل” كانت قد زرعت كاميرات مراقبة داخل المستودع، بهدف معرفة وتيرة تحرك حمدان وتفاصيله، لكن محققي استخبارات الجيش الذين مسحوا المستودع بعد اكتشافه، لم يجدوا فيه ما يساعدهم على التقدم في التحقيق، واستنتجوا بأن الاستخبارات المعادية أفرغت المستودع من كل ذي قيمة أمنية قبل تنفيذ العملية. وللتذكير، فإن محمد ب. غادر لبنان ليل 14 ــ 15 كانون الثاني إلى تركيا، واتجه منها إلى هولندا، عبر روما. وبحسب مصادر معنية بالتحقيق، فإنه تولى مراقبة حمدان عن قُرب في الأيام الأخيرة التي سبقت تنفيذ العملية.
دور محمد ب. لم يكن محصوراً بالمراقبة، فقد كلّفه مشغلوه بأن يرافق امرأة من بيروت إلى صيدا، لزرع العبوة التي ألصِقَت أسفل سيارة حمدان.
وانتقل محمد ب. والمرأة المجهولة إلى صيدا ليل الخميس ــ الجمعة (11 ــ 12 كانون الثاني 2018). ويُقدِّر المحققون في استخبارات الجيش أنهما أرادا زرع العبوة في تلك الليلة، لأن حمدان لا يستخدم سيارته سوى يومي الجمعة والأحد، كونهما يومي عطلة في المدرسة التي يدرّس فيها. لكن صدفة أيضاً حالت دون زرع العبوة، فأحد جيران حمدان كان عائداً من السفر، ووصل إلى موقف السيارات (نحو الساعة الثالثة فجراً)، وفوجئ بشاب وشابة في الموقف، بحسب الإفادة التي أدلى بها لاستخبارات الجيش، ولما سألهما عن سبب وجودهما في المكان، أجابه من يُعتقد بأنه محمد ب. وقال له إنهما أتيا لأنه يريد أن يغسل يديه، وأنه كان في المستودع، وذكر اسم ناطور المبنى قائلاً إنه يعرف بوجودهما.
ولما سمع الشاهد اسم الناطور لم يكترث لهما، وصعد إلى منزله، فيما غادرا المكان، وبناءً على إفادات الشاهد، وناطور المبنى، والشخص الذي استأجر منه محمد ب. المستودع، رسم محققو استخبارات الجيش رسماً تشبيهياً لمحمد ب. قبل أن يحدد فرع المعلومات هويته كاملة، ويستجوبوا زوجته وأفراداً من عائلته ويحصلوا على صور له. كذلك وضعوا رسماً تشبيهياً للمرأة، التي قال الشهود إن ملامحها شرق آسيوية، وترتدي نظارات طبية.
وعاد محمد ب. برفقة المرأة المجهولة ليل السبت ــ الأحد (13 ــ 14 كانون الثاني). وتولت زرع العبوة الناسفة، وغادرت إلى بيروت مع محمد ب. وصباح الأحد، سافرت عبر مطار بيروت الدولي إلى قطر، ومنها إلى دولة ثالثة لم تُحدّد بعد.
ومن بيروت، عاد محمد ب برفقة رجل مجهول، إلى صيدا صباح تنفيذ العملية، وبعد مراقبة سيارة حمدان من مكان يبعد أكثر من 100 متر، انتظرا حتى نزول حمدان، ثم فتحه باب السيارة، ودخوله إليها. لكن الصدفة التي أنقذت حمدان كانت أنه شغّل محرك السيارة، بعدما أدخل يده إليها، من دون أن يجلس على المقعد، بقي جسده خارجها. لكن، بحسب تقدير المحققين، أن محمد ب و«الرجل المجهول»، ظنّا أنه جلس في مقعد السائق. وعندما فجّر أحدهما العبوة، كان حمدان خارج السيارة فنجا.
وأجرى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي تحقيقات مكثّفة، سمحت له برسم صورة كاملة للجريمة الإرهابية. والمرحلة الأهم من التحقيق، أدت إلى كشف هوية المرأة والرجل المجهولَين، وأماكن سكنهما في لبنان. الأول يحمل الجنسيتين العراقية والسويدية، والثانية تحمل الجنسية الجورجية.
وفيما غادرت الأخيرة عبر مطار بيروت إلى قطر، كمحطة إلى دولة ثالثة، توجّه العراقي ــ السويدي إلى فرنسا يوم 14 كانون الثاني ليلاً. وبحسب مصادر معنية بالتحقيق، فإنهما كانا يتحركان في لبنان، كل منهما على حدة، مع العميل محمد ب. أو بدونه، وفي سيارة العميل محمد ح. أو في سيارات أجرة عادية. وقد تنقلا غير مرة بين بيروت وصيدا، وبات في مقدور المعنيين بمتابعة محاولة اغتيال حمدان الجزم بأن الجورجية والسويدي ــ العراقي ليسا سوى ضابطين في أحد أجهزة استخبارات الاحتلال الإسرائيلي. وتستمر التحقيقات لمعرفة ما إذا كانت قد أشركت في الجريمة أكثر من ضابطين وعميلين.
وذكّرت مصادر أمنية وأخرى سياسية بأن ما فعله فرع المعلومات يُعيد إلى الأذهان ما جرى بعد اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دبي مطلع عام 2010، وانفضاح دور الاستخبارات الإسرائيلية في تنفيذ العملية، وانكشاف هويات نحو 26 شخصاً يعملون في استخبارات العدو، ويُعتقد أنهم جميعاً إسرائيليون، رغم كونهم يحملون جوازات سفر غير إسرائيلية.