مرايا -شهدت تصريحات المسؤولين بالحكومة المصرية ارتباكاً عقب الإعلان عن اتفاقات استيراد الغاز الإسرائيلي، فيما زادت المخاوف من تعرض القاهرة لثلاث خسائر اقتصادية وهي: عزوف الشركات الأجنبية عن الاستثمار في التنقيب، وتفاقم الأعباء المالية، واختراق شركات الاحتلال الإسرائيلي لقطاعات مصرية مهمة. وكان الارتباك الحكومي والغموض في التصريحات واضحاً عقب الإعلان عن صفقة استيراد شركة مصرية خاصة للغاز الإسرائيلي بلغت قيمتها 15 مليار دولار، وظهر سريعاً التضارب بين تصريحات المسؤولين بين النفي والتأكيد على علاقة الحكومة بالصفقة ومن يقف خلفها.
عقب الكشف عن الاتفاق حاولت الحكومة المصرية التنصل من صفقة استيراد الغاز الإسرائيلي، إذ سارع مصدر حكومي، طلب عدم نشر اسمه، بنفي علاقة حكومته بالصفقة، قائلاً إن الحكومة لن تستورد الغاز من الخارج.
وأضاف في تصريحات لرويترز، أن “شركات خاصة دولية ستستورد الغاز من الخارج في إطار توفير احتياجاتها، بالإضافة إلى إسالة الغاز وإعادة تصديره مرة أخرى”.
لكن وزير البترول المصري طارق الملا، قال عقب الاعلان عن توقيع الصفقة، إن بلاده لا تمانع استيراد القطاع الخاص للغاز الطبيعي من إسرائيل مقابل ثلاثة شروط تتمثل في “موافقة الحكومة، وأن يحقق الغاز المستورد قيمة مضافة للاقتصاد المصري، فضلًا عن تسوية قضية التحكيم بين البلدين”.
ولاحظ محللون أن تصريحات الوزير المصري أكدت علاقة الحكومة المباشرة مع الصفقة واطلاعها عليها حتى قبل إتمامها، ولا سيما مع إقرار البرلمان مؤخرا قانون يسمح للقطاع الخاص باستيراد الغاز وكان تمهيداً لعقد الصفقة الأخيرة.
ولم يتوقف الارتباك الحكومي للمسؤولين عند هذا الحد، بل تجاوزت تصريحات المتحدث الرسمي لوزارة البترول، حمدي عبد العزيز، حديث وزير البترول الذي اشترط موافقة الحكومة لتمرير الصفقة.
وقال عبد العزيز في بيان صحافي صدر، أمس الثلاثاء، إن الوزارة ليس لديها أيّ نية في تعليق المفاوضات أو الاتفاقيات التي تخص شركات القطاع الخاص بشأن استيراد أو بيع الغاز الطبيعي. وأوضح أن الحكومة اتخذت خطوات لتحرير سوق الغاز ووضع إطار تنظيمي يسمح لشركات القطاع الخاص بتداول وتجارة الغاز.
وصاحب الارتباك الحكومي تفاصيل أخرى كثيرة حول أعباء الصفقة الخطيرة على الاقتصاد، وتأثيرات أكبر اتفاق اقتصادي تطبيعي على البلاد منها تفاقم الأعباء المالية وتراجع مرتقب لعمليات الاستكشاف والتنقيب عن الغاز واختراق الشركات الإسرائيلية لقطاعات مهمة في الأراضي المصرية وغموض مصير كميات الغاز الهائلة المتوقع استيرادها وعودة لوبي التطبيع الاقتصادي إلى المشهد مجدّداً.
وقال الخبير الاقتصادي المصري عبد النبي عبد المطلب، لـ “العربي الجديد” إنه منذ عام 2014، ورموز الرئيس المخلوع حسني مبارك يستهدفون العودة إلى صدارة المشهد السياسي من جديد، مشيراً إلى أن هناك ضغوطاً كبيرة يمارسها لوبي رجل الأعمال المصري حسين سالم وشركائه في شركة غاز المتوسط، لإعادة استخدام أنابيب شركته في صفقة الغاز الجديدة، وهي التي كانت تحمل الغاز المصري إلى إسرائيل في أوقات سابقة.
وكانت الحكومة المصرية قد أبرمت تسوية مع حسين سالم تم بموجبها عودته للبلاد حيث كان هاربا إلى أسبانيا.
وأضاف عبد المطلب، أن شركة دولفينوس للطاقة، التي وقعت الاتفاق الأخير لاستيراد الغاز من إسرائيل، والمملوكة لرجل الأعمال علاء عرفة، طلبت من الحكومة المصرية منذ ثلاثة أعوام توقيع خطاب نوايا “غير ملزم” للسماح لهم باستيراد الغاز الإسرائيلي.
وأضاف عبد المطلب: في اعتقادي أن الأمر الأشد خطرا على مصر من هذا الاتفاق يتمثل في عزوف شركات التنقيب واكتشاف الغاز في مصر عن استكمال مشروعاتها الحالية والمستقبلية، فالغاز الإسرائيلي سيأتي بأسعار تنافسية في المرحلة الأولى، حتى يقضى على خطط الاستكشافات الحالية، وقد تتحول إسرائيل إلى محتكر في هذا المجال بمجرد رحيل شركات التنقيب.
وأكد أن الحكومة المصرية بقبولها الاستيراد من إسرائيل دون تطبيق شروط تسجيل الشركات الإسرائيلية في سجلات المصدرين أو خضوع الشركات الإسرائيلية للاشتراطات الخاصة بالاستيراد حسب القانون المصري يضع علامة استفهام كبيرة حول هذا التصرف.
وتابع عبد المطلب: ” يبقى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي يعكس معرفته الجيدة بالاقتصاد المصري، حيث قال إن هذا الاتفاق سيجلب أموالا طائلة إلى الخزانة الإسرائيلية، وهذا يعني أن نتنياهو يعلم أن الاقتصاد المصري غني، وأن التاجر الجيد هو من يستطيع أن ينهب ثروات المصريين”.
وتتخوف الأوساط الاقتصادية في مصر من تفاقم الأزمة المالية التي تتعرض لها البلاد لضخامة قيمة التعاقد البالغ 15 مليار دولار، خاصة وأنه من المتوقع أن يعقب الصفقة المبرمة صفقات جديدة، حيث تعاني الحكومة من زيادة كبيرة في عجز الموازنة والديون الخارجية التي تصل إلى نحو 81 مليار دولار، حسب إحصائيات رسمية. ومن المرتقب زيادة وتيرة الاقتراض الخارجي والداخلي في ظل خطة حكومية لطرح مزيد من السندات الدولية وأذون الخزانة في السواق العالمية والمحلية خلال الفترة المقبلة.