مرايا – شؤون عالمية – سنوات مرّت على احتجاجات الحركة الخضراء التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في عام 2009، وكانت سبباً رئيسياً في إحداث خلافات جدية بين التيارات السياسية الإيرانية، بل شقت صفوف أبناء التيار الواحد، سواء المحافظ أو الإصلاحي. وهو ما ترك تبعات في الداخل ما زالت تتردد حتى اليوم، لكن المشهد الآن يصبح على شفا مفارقة سياسية، فزعيما الحركة الإصلاحيان مير حسين موسوي ومهدي كروبي يقتربان من مرحلة تخفيف القيود، بينما يصرّ محمود أحمدي نجاد على اللعب بالنار وهو ما يجعله قريباً للغاية من إجراءات قضائية قد تتخذ بحقه.

تكررت الاعتقالات التي طاولت مقربين من الرئيس الأسبق منذ انتهاء دورته الرئاسية الثانية (2009 ـ 2013)، وكان آخرها إلقاء القبض على صهره ومدير مكتبه السابق اسفنديار رحيم مشائي يوم السبت الماضي، لتهم لم يشرحها القضاء، وهي خطوة جاءت بعد أن أُحرق أمام مبنى السفارة البريطانية في طهران قرار المحكمة القاضي بسجن مساعد نجاد الآخر حميد بقائي لخمسة عشر عاماً، موجها رسالة واضحة للقضاء الإيراني ومتهما إياه بتحقيق الأهداف الأجنبية.
وكانت السلطات قد اعتقلت بقائي أكثر من مرة، وأصدرت حكماً بسجنه لستة عقود، ونجح محاموه بتقليص عدد السنوات، وهو المتهم بملفات فساد واختلاس مبالغ مالية. أما مشائي فهو المتهم الرئيسي بتحريض نجاد، وهو من روّج لـ”إيران القومية” لا “إيران الإسلامية” حين تولى مناصب عديدة في عهد هذا الأخير، وعانت الإدارات التي كان على رأسها من مشاكل كثيرة من قبيل اختفاء آثار تاريخية وقضايا مالية.

الثلاثي نجاد، مشائي وبقائي ومعهم المستشار الإعلامي علي أكبر جوانفكر، هم الأكثر إصراراً حتى اليوم على معاندة القضاء وانتقاد الحرس الثوري. وارتفعت حدة تصرفاتهم كثيراً، فإضافة لاعتراضهم على أحكام القضاء أصرّ هؤلاء على معاندة بقية أطراف النظام، رغم أن تيارهم المعروف بـ”تيار الانحراف” بات في شبه عزلة كاملة.

أحدث تعليقات السلطة القضائية على مجريات الأحداث، جاءت على لسان المتحدث باسمها غلام حسين محسني أجئي خلال مؤتمر صحافي عقده أمس الأحد، فذكر أن “خطوات بعض التيارات باتت تتماشى والسياسات الأميركية والإسرائيلية، فهؤلاء يريدون إبعاد الأنظار عن محاسبتهم على ملفات الفساد ولا يؤمنون أساسا بالقانون”، وقد نوّه سابقاً إلى “احتمال اتخاذ إجراءات قانونية بحق أحمدي نجاد نفسه”.
أما موقع “نامه نيوز” فنقل عن النائب غلام علي جعفر زاده اتهامه نجاد بـ”الارتباط بأجهزة بريطانية باتت تخترق منزله”. واعتبر أن “إحراق قرار سجن بقائي أمام السفارة البريطانية يحمل رسالة واضحة، فمن المعروف ما الذي تعنيه بريطانيا للإيرانيين”. ولفت أيضا إلى أن “أحمدي نجاد يصعّد الخلاف مع الحرس الثوري والإخوة صادق وعلي لاريجاني، في إشارة لرئيسي السلطة القضائية والتشريعية، بهدف إقناع الإيرانيين بأنه والمقربين منه يحاسبون على انتقاد هذه الجهات، لا على قضايا فساد، ومحاولته إدخال الحرس الثوري على الخط تصب في ذات السياق”.

الجدير بالذكر أن أحمدي نجاد كان قد أرسل قبل أيام رسالة إلى قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، طالبه فيها بـ”ألا يكون شريكاً في الظلم”، معتبراً أن “الحقّ سيظهر وبأن السلطة القضائية غير عادلة وأحكامها مسيسة”.

وذكر النائب جعفر زاده لهذا الموقع أن “أحمدي نجاد ومن معه، ألحقوا الضرر بإيران أكثر من الشاه محمد رضا بهلوي نفسه الذي خلعته الثورة الإسلامية عام 1979″، مشيراً إلى “ضرورة إخراج الرجل من مجمع تشخيص مصلحة النظام”. وهو أمر انتقده عليه في السابق بعض المسؤولين كون هذا التعيين جاء بأمر من المرشد، لكن جعفر زاده رأى أن “لدى المرشد سعة صدر وصبراً كبيرين، لكنه سيصبر إلى حين إتمام الحجة، فالكل يعرف حجم الفساد الاقتصادي والاجتماعي لأتباع هذا التيار”.

وكانت الدورة الرئاسية الثانية لنجاد انتهت بخلافات كثيرة بين المحافظين أنفسهم، وكان للموقف من الحركة الخضراء دور فيما حدث، وحمّل كثيرون بعضهم بعضاً مسؤولية تماديه إلى هذا الحد، فلم يكتف برفض التهم المالية الموجهة لبعض المقربين منه، ولا بانتقاد القضاء، فقد طالب المرشد علي خامنئي في رسالة وجهها إليه سابقا بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة من دون رقابة لجنة صيانة الدستور، وبوضع حد لتصرفات القضاء. وكل هذا أعاد فتح النار نحوه بعد أشهر من تجاهل متعمد لكافة تصريحاته، خصوصاً من قبل المواقع المحافظة، أعقب قراره بالترشح للانتخابات الرئاسية في مايو/أيار الماضي، رغم نصيحة المرشد له بـ”ألا يقدم على هذه الخطوة”.
ويبدو أن أحمدي نجاد يحاول أن يعتمد على قاعدته الشعبية، فكثر في القرى والأرياف غير راضين عن تصرفات الحكومة الحالية ولا عن سياسات الاعتدال أو الإصلاح، ولا هم راضون عن وضعهم الاقتصادي، لذا تتهم ذات الدائرة بالتحريض على الاحتجاجات التي خرجت مطلع العام الحالي، لكن هذا لا يمنع حقيقة أن الرجل بات في عزلة سياسية، وهو ما قد يتطور لقرارات قضائية ضده.

المفارقة تكمن في أن أحمدي نجاد الذي تسبب فوزه في 2009 بخروج أنصار مير حسين موسوي إلى الشارع، يتحدث اليوم عن عدم نزاهة الانتخابات في إيران، لكن المفارقة الأهم تتعلق بوجود إشارات تؤكد أن مساعي إنهاء الإقامة الجبرية عن مهدي كروبي وموسوي وزوجته زهرا رهنورد، أصبحت أكثر جدية.

وكان نائب رئيس البرلمان علي مطهري، قد أعرب في فبراير/شباط الماضي، أن “المعنيين قدموا وعداً بإنهاء هذا القرار قبل العام الإيراني الجديد (يبدأ الأربعاء 21 مارس المقبل)”. وذكر حينها أن “عدم تنفيذ الوعد سيؤدي لاعتراض بعضهم”، مؤكداً “عقد لقاءات ومحادثات مع مسؤولين أمنيين وقضائيين خلصت إلى الموافقة على تخفيف القيود”، قائلاً إنه “لو ارتكب هؤلاء جريمة بالفعل، فسنوات الإقامة الجبرية هذه تعني أنهم نالوا حسابهم”، لكنه عاد وقال يوم الجمعة الماضي مع اقتراب نهاية العام الإيراني إنه “على ما يبدو لا أمل من اتخاذ القرار في الوقت الراهن”، لكن هذا يعني نكثاً بالوعد.

بدوره، كشف نائب الرئيس الإيراني الإصلاحي إسحاق جهانغيري في تصريحات صحافية أمس الأحد، أنه “تمّ اتخاذ قرارات جديدة بهذا الخصوص من قبل مجلس الأمن القومي الأعلى، المعني المباشر بالملف”، داعياً إلى “اتخاذ خطوات بناءة تساعد في تنفيذ قرار إنهاء الإقامة الجبرية”، متوقعاً ألا “يطبّق هذا في القريب العاجل”.

مع ذلك، شهدت الأشهر القليلة الماضية تحسناً على صعيد حصار رموز الحركة الخضراء، والتقى النائب مجتبى ذو النور بكروبي. وجاء اللقاء بعد أن استطاع هذا الأخير عقد لقاء ثان مع عضو حزب اعتماد ملي إسماعيل دوستي، والعضو السابق في لجنة صيانة الدستور ومجلس الخبراء محمد رضا عباسي فرد. وهو ما جعل اللقاءات خارج إطار أفراد العائلة، حتى هؤلاء أصبح دخولهم لمقر الإقامة الجبرية أسهل من السابق.

وكانت صحيفة “شرق” قد نقلت عن حسين كروبي، نجل مهدي كروبي أن “مجلس الأمن القومي حدد أسماء 3 أشخاص من خارج العائلة يستطيعون لقاء والده”، مؤكداً أنه “أصبح يلتقي به بشكل مكرر منذ إجرائه عملية جراحية، كما أن بقية أفراد العائلة أصبحوا قادرين على زيارة الشيخ كروبي متى أرادوا”.

الأمر ذاته انطبق على موسوي، الذي خرجت زوجته لوداع والدتها حين توفت قبل فترة وجيزة، واستطاعت شقيقاته مقابلته كذلك، وإلى جانب ذلك أعرب أعضاء لجنة إنهاء الإقامة الجبرية التابعة لجبهة الأمل الإصلاحية، أنهم التقوا رئيس السلطة القضائية صادق آملي لاريجاني أخيراً، واصفين اللقاء بـ”الإيجابي والبنّاء والذي يرفع سقف الآمال”. العربي الجديد