مرايا – شؤون عالمية – تطغى صعوبة التحليل وضبابية القراءة على آراء أغلب المحللين والمتابعين لتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة، بعزمه سحب القوات الاميركية من سورية، لكن اجماعا واضحا يكاد يتفق عليه الكثير من هؤلاء المحللين، بان القرار الاميركي يبدو “مناقضا” لقرارات وتصريحات سابقة.
اردنيا، يرى خبراء عسكريون أن الحديث عن نية الولايات المتحدة سحب قواتها من سورية “يناقض الواقع”، فيما يراه البعض “يعكس هزيمة سياسية لأميركا” بهذا البلد، لكنهم جميعا يعتقدون ان تصريح ترامب “يلقي بمزيد من الغموض” على السياسة الاميركية تجاه الأزمتين السورية ومع ايران.
وتتواجد القوات الأميركية في سورية في مناطق التنف وبادية الجزيرة شمال وشرق الفرات وفي منبج، ويرى هؤلاء الخبراء أن الانسحاب الأميركي يصب بمصلحة الحكومة السورية وروسيا وإيران.
وتأتي تصريحات ترامب، التي تبدو “حمائمية” تجاه الازمة في سورية، بعد التحولات الدراماتيكية في إدارة البيت الأبيض، وتطعيمها بوزير خارجية ومستشار للأمن القومي، ورئيس للمخابرات الاميركية من “الصقور والمتطرفين” ممن يطالبون بضرب إيران عسكريا، بل وحتى يؤيدون توجيه ضربات عسكرية لسورية.
ولا يستبعد الخبراء الاردنيون ان يكون هناك “ضغط إسرائيلي” على الولايات المتحدة للحيلولة دون تنفيذ قرارها بسحب قواتها من سورية. فيما لا يبدو سهلا تقدير تأثير هذه الخطوة على المصالح الاردنية.
الخبير الاستراتيجي العسكري اللواء المتقاعد د. فايز الدويري يرى أن “تصريحات ترامب موجهة لداخل الولايات المتحدة، حيث الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، كما أن هذا القرار يعود إلى احياء خطابه الانتخابي، الذي من الواضح أنه يتناقض كليا مع ما يجري على الارض، فوزارة الخارجية والبنتاجون ليس لديهما خبر بقراره”.
ويعتقد الدويري ان سحب القوات الأميركية من سورية “يعني ترك الساحة السورية لايران وروسيا”.
ويضيف “هذا ليس اول تصريح لترامب يناقض تصريحات سابقه له، فسبق ان تحدث عن ضربة سيوجهها لكوريا الشمالية ثم عاد يتحدث عن احتمالية لقاء بين رئيسي الدولتين”.
ولا يرى الدويري ان لهذا القرار علاقة بالتطورات الميدانية في سورية، وهو يذهب في تحليله إلى أن هذا القرار سيواجه بمعارضة اسرائيلية فهو “ليس من مصلحة إسرائيل”.
ويشرح الدويري: “هناك مهام جسيمة امام قوات الجيش السوري، قبل البدء بملف درعا عسكريا، حيث ان هناك ملتقى ريف حمص وحماة وادلب، كما أن المناطق الجنوبية تختلف عن باقي المناطق، بسبب قربها من الحدود الاردنية، وخط وقف اطلاق النار مع الجولان المحتل، وبالتالي فإن اسرائيل لن تسمح لقوات محسوبة على ايران بالتواجد بالقرب منها، حيث قصفت مؤخرا اسرئيل موقعا يتواجد فيه ايرانيون وميليشات ايرانية، شمال غرب درعا، ما يعني ان اسرئيل ستضغط بقوة على أميركا وروسيا لعدم حدوث تصعيد بالقرب من خط وقف اطلاق النار”.
ويؤيده بذلك خبير الدراسات الاستراتيجية اللواء المتقاعد مأمون ابو نوار، والذي يرى أن ترامب “غير دقيق ومتناقض” في قراراته، و”نحتاج الى عدة تفاسير وتحليلات حتى نظهر ما يريد بهذه التصريحات التي يغلب عليها التناقض وعدم الدقة”.
وقال ابو نوار “وزير الخارجية الاميركي السابق، ووزير الدفاع الاميركي، هما متوازنان في قراراتهما ويخدمان مصالح الولايات المتحدة، اما الذين تم تعيينهما مؤخرا فهما متشددان ومغامران في قراراتهما، خصوصا تلك المتعلقة بشن الحروب، ويعتبر تعيينهما تصعيدا بالسياسة الأميركية الخارجية”.
واذا ما تم سحب القوات الاميركية من سورية، فان فيه رسالة – بحسب تقدير ابو نوار- هي ان “اميركا ستفقد مصداقيتها في دول المنطقة لعدم وجود سياسة واضحة نحو الشرق الاوسط”.
ولا يرى ابو نوار ان تصريح ترامب يتسق مع السياسة المعلنة للولايات المتحدة باحتواء ايران ومنع تمدد نفوذها بالمنطقة، وهو لا يستبعد ان يكون احد الاسباب التي دفعته لهذا التصريح هو “مناورة اقتصادية للحصول على الاموال من بعض الدول، ومن حلف الناتو”.
الخبير بالشؤون العسكرية الطيار السابق سليمان الحياري يقرا تصريح مباشرة، ويرى انه يعكس “اقرارا اميركيا بالهزيمة” في سورية.
ويقول الحياري انه “لا مكان لبقاء القوات الاميركية داخل الاراضي السورية، نتيجة الانتصارات المتتالية لقوات الجيش العربي السوري على اراضيه، وبالتالي فإن القوات الأميركية في الشمال السوري اصبحت بين ناري القوات التركية، التي تعتبر قوات حماية الشعب الكردي قوات ارهابية، والطرف الاخر القوات العربية السورية، التي لا مجال لاختراقها، وبالتالي اصبحت القوات الأميركية في منطقة شبه محاصرة بين القوتين”.
ويرى الحياري ان قرار الانسحاب “يعني هزيمة للمشروع الأميركي في سورية، حيث أن دور القوات الاميركية على الاراضي السورية تمويل المعارضة المسلحة بمختلف اطيافها، وتقديم التدريب العسكري لها، أما الدور الروسي فهو امداد وتزويد الجيش السوري، وتوفير الغطاء الجوي للقوات السورية”.
وأضاف “كذلك فإن القوات الروسية تدعم تواجدها بناء على طلب من الحكومة السورية، على عكس القوات الأميركية التي تواجدت على الاراضي السورية دون إذن أحد حتى الأمم المتحدة”.