مرايا – شؤون عالمية – بدت فكرة إنشاء ‘قوّة عربية بديلة’ استجابةً سريعة من المخططين الأمريكيين، لتفادي تداعيات إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سحب قوات بلاده من سورية ‘قريباً جداً’، كما قال في وقت سابق.
وتسعى الولايات المتحدة قبل انسحابها من سورية للتأكد من القضاء الكامل على تنظيم ‘الدولة الإسلامية’، وضمان عدم سقوط المناطق التي كان يسيطر عليها بيده مرةً أخرى، إضافةً إلى تأمين مصالحها الاقتصادية في شمال شرقي سورية الغنية بالنفط.
ويخشى المخططون الأمريكيون من احتمالات حدوث فراغ أمني في شرق وشمال شرقي سورية ، يُمهد لعودة ‘تنظيم الدولة’ بعد هزيمته عسكرياً، أو استثمار إيران والقوات الحليفة لهزيمة التنظيم بغية تحقيق مكاسب وفرض وقائع جديدة تُعزّز النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة.
ووفقَ تقارير متطابقة، ستعمل ‘القوّة العربية البديلة’ إلى جانب ‘قوات سورية الديمقراطية’ الحليفة للولايات المتحدة لضمان.
أما الدول العربية التي ‘قد’ تشارك في ‘القوّة العربية البديلة’، وفي مقدمتها السعودية، فإنّها تسعى إلى تحجيم النفوذ الإيراني في سورية والمنطقة، إضافةً إلى الهدف المشترك مع الولايات المتحدة في هزيمة ‘تنظيم الدولة’ بالكامل.
الفكرة مطروحة سابقا
وكانت صحيفة ‘وول ستريت جورنال’ الأمريكية، قد كشفت في 16 أبريل/نيسان 2018 عن دخول مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون مفاوضات مع مسؤولين مصريين وسعوديين وإماراتيين وقطريين تتعلق بإمكانية مشاركتهم في تشكيل ‘قوّة عربية’ تحلُّ محل القوات الأمريكية وجنود دول التحالف الدولي والمتعاقدين الأمنيين، كما ناقش معهم مشاركة تلك الدول مالياً في الإنفاق على النشاطات العسكرية والمدنية في سورية .
وتحدّث وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في 17 أبريل/نيسان 2018 عن نقاشاتٍ تجريها المملكة مع ‘الولايات المتحدة منذ بداية هذه السنة’، وهي ليست بالفكرة الجديدة ‘لكنّ إدارة أوباما في النهاية لمْ تتخذْ إجراءً بخصوص هذا المقترح’.
وسبقَ أنْ نُوقشت فكرة إرسال قوات عربية إلى سورية في قمّة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والتي عُقدت في مايو/أيار 2015 في كامب ديفيد؛ وسبق هذا أيضاً، دعوات عدد من قادة دول عربية ومن مجلس جامعة الدول العربية لإرسال قوات عربية إلى سوريا.
وخلال زيارة الرئيس الأمريكي إلى الرياض في مايو/ أيار 2017 لحضور القمة الأمريكية الإسلامية، كانت هناك بعض الاقتراحات لتشكيل منظومة دفاع إقليمية تعتمد على قوات ‘التحالف الإسلامي’ الذي أعلنت عنه السعودية في عام 2015 بمشاركة الولايات المتحدة لتشكيل ما يُشبه ‘ناتو’ عربي إسلامي لتحقيق الاستقرار في سورية والعراق.
وكان هذان البلدان آنذاك يشهدان صعوداً سريعاً وقوياً لـ’تنظيم الدولة’، الذي سيطر على أجزاء واسعة منهما.
لكنّ تلك الاقتراحات لمْ تتجسدْ بخطواتٍ عمليةٍ، وأغفل قائد ‘التحالف الإسلامي’ الجنرال الباكستاني راحيل شريف الإشارةَ إليها في مناسباتٍ عدة، منها خطابه العلني الأول الذي ألقاهُ بالعاصمةِ البحرينيةِ في أكتوبر/تشرين الأول 2017.
ووفقاً لما نشرته شبكة ‘سي إن إن’ الإخبارية الأمريكية نقلاً عن مسؤولٍ مطلع، أنّ كلاً من مستشار الأمن القومي الأمريكي الجديد جون بولتون والمرشح لتولي منصب وزير الخارجية مايك بومبيو، يقفان وراء فكرة إنشاء ‘قوّة عربية بديلة’ عن القوات الأمريكية لإرساء الاستقرار في شرق وشمال شرقي سورية .
عناصر مرشحة للقوة العربية البديلة
وتضمُّ قائمة الدول المرشحة للإسهام بتشكيل ‘القوّة العربية البديلة’ عن القوات الأمريكية، كلا من السعودية والكويت وسلطنة عمان وقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن ومصر.
وباستثناء المملكة العربية السعودية التي أعلن وزيرُ خارجيتها استعداد بلاده لإرسال جنود إلى سورية ، لمْ تصدر عن الدول الأخرى موافقات رسمية للمشاركة في ‘القوّة العربية’ التي لمْ تُعلن الولايات المتحدة رسمياً تبنّيها فكرة تأسيسها والتحرك لتنفيذها.
إلا أن مسؤولين أمريكيين، منهم المتحدث باسم القوات المشتركة لعملية العزم الصلب (الاسم العسكري للتدخل العسكري الأمريكي ضد تنظيم الدولة في العراق و سورية ) العقيد ريان ديلون، أشارَ في مؤتمرٍ صحفي روتيني في 17 أبريل/ نيسان 2018 إلى أنّ ‘الدول المعنية مسؤولةٌ عن إعلان مساهماتٍ محدّدة لقوتها على الأرض في سورية ‘ من حيث تقديم الدعم الجوي أو الميداني أو التدريب.
القوة البديلة جزء من الإستراتيجية الأمريكية
وتؤكدُ فكرة إنشاء ‘قوّة عربية بديلة’ لتحقيق الاستقرار في شمال شرقي سورية أنّها جزء من إستراتيجية الوجود العسكري الأمريكي في هذه المناطق، واحتمالات انحساره، وحاجة واشنطن لقوّة تملأ الفراغ الناجم عن ذلك.
وتفترضُ الفكرة تراجعاً عسكرياً أمريكياً مع الحاجة إلى قواتٍ حليفةٍ تعمل مع ‘الإدارة الذاتية’ الكردية، التي تفرض سلطاتها على هذه المناطق لقتال تنظيم ‘تنظيم الدولة’ ومنع عودته.
وتعتمدُ المقاربة الأمريكية في إنشاء ‘قوّة عربية بديلة’ على إستراتيجية الحفاظ على النفوذ والمصالح الأمريكية في شمال شرقي سورية من دون وجود جنود أمريكيين على الأرض، أو من دول التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
صراع المحاور
ويمكن أنْ تكون فكرة إنشاء ‘قوّة عربية بديلة’ رداً أمريكياً عربياً مشتركاً على دور محور إيران وروسيا في سورية ، الذي يمضي بعيداً عن التنسيق مع الولايات المتحدة التي ليس من ضمن أولوياتها الاهتمام بالملف السوري بمجمله، واختيار ما يتعلق بمصالحها الخاصة في مناطق سيطرة ‘قوات سورية الديمقراطية’ في شمال شرقي سوريا، وفصائل المعارضة المسلحة ‘المعتدلة’ في شرقي وجنوبي سورية .
وقدْ تجد الولايات المتحدة بالتنسيق مع هذه الدول العربية بدائلَ مجدية أكثر قابلية للتنفيذ على الأرض، مع ضمان تحقيق الأهداف المُنتظرة من تشكيل ‘القوّة العربية البديلة’ باستخدام قوى حليفة من فصائل المعارضة السورية المسلحة لتخوض حربها بالوكالة بعد تأمين مستلزمات الدعم التسليحي والاستشارات والتدريب.
تحديات ومعوقات
وليس من الواضح أنّ جميع، أو معظم، الدول ‘المكلفة’ لديها ما يكفي من الرغبة لإرسال جنودها إلى سورية في مرحلةٍ متأخرةٍ باتت محاور الصراع الإقليمي والدولي أكثر استقطاباً، وأقرب إلى مسار الصدام المسلح على الأراضي السورية، خاصة بين إيران وإسرائيل.
وستجد ‘القوّة العربية البديلة’ نفسها في بيئةٍ ‘عدائيةٍ’ مكتملة الأركان تتشكل من قوات ‘الحشد الشعبي’ العراقي الحليفة لإيران على جانبي الحدود العراقية السورية، وعشرات المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران على الأراضي السورية، واحتمالات الصدام مع الجنود السعوديين تبعا لحالة ‘العداء’ السعودي الإيراني.
هل من بدائل؟
لا توجد خيارات متعددة أمام مراكز صنع القرار الأمريكي بديلة عن إنشاء ‘قوّة عربية’ للحلول محل القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي وشركات الحماية الأمنية.
ومن المرجح أن ‘القوّة العربية البديلة’ لنْ ترى النور، ولن يتم إرسال جنود من الدول العربية ‘المكلفة’ والاكتفاء بقيام هذه الدول بتقديم الدعم المالي والعسكري لـ ‘قوات سورية الديمقراطية’ لتخفيف الأعباء عن الولايات المتحدة وتحقيق رؤية الرئيس الأمريكي في تقليل كَلَفة الوجود العسكري الأمريكي المالية بإسهامات الدول ‘المكلفة’.
كما أنّ الخيار العملي الآخر البديل عن القوّة العربية، قد يكون ما ناقشه أريك برنس مؤسس شركة ‘بلاك ووتر’ مع مسؤولين عرب، وتجنيد مقاتلين من الدول النامية والفقيرة على أنْ تتكفل الدول ‘المكلفة’ بتحمل النفقات المالية.