مرايا – في ظلّ استمرار المشاورات السياسية بين الكتل العراقية، وفي خضم السباق نحو تشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى، تمهيداً لتأليف الحكومة، قال قيادي بارز في “التيار الصدري”، بزعامة مقتدى الصدرإن الصدر أبلغ مقربين منه في النجف، خلال لقاء جرى مساء الأحد، بأنّ “الذهاب إلى المعارضة، رغم كونهم الفائزين في الانتخابات، أفضل بكثير من المشاركة بحكومة مُفصّلة من الخارج”، رافضاً في الوقت نفسه الحديث عن تحالف مع رئيس ائتلاف “دولة القانون”، نوري المالكي، لتشكيل الحكومة، حتى لو أسندت إليه مهمة تشكيل الحكومة.
ويتزامن الكلام المسرب على لسان الصدر، مع زيادةالجهود الإيرانية، لدعم فوز التحالف المدعوم من قبلها، أي اتفاق كتلة المالكي مع تحالف مليشيات الحشد الشعبي، بأكبر عدد ممكن من الحلفاء، بهدف إبقاء منصب رئيس الحكومة في خانة الحليف اللصيق لطهران في بغداد.
الانباط تتابع هذا الفصل الجديد من فصول مفاوضات تشكيل «الكتلة البرلماني العراقية، وخصوصا ونحن نتابع أعلان تحالف «النصر» برئاسة رئيس الوزراء حيدر العبادي أمس أن تفاهماته مع ائتلافات «سائرون» الذي يحظى بدعم مقتدى الصدر و«الوطنية» برئاسة إياد علاوي و«الحكمة» برئاسة عمار الحكيم هي الأكثر صلابة والأقرب للبلورة. وأشار المتحدث باسم ائتلاف «سائرون» حسين العادلي، في تصريح صحفي، إلى أن التطورات الأخيرة التي شهدها البرلمان والقرارات التي اتخذها في شأن الانتخابات تلقي بظلالها على سير محادثات تشكيل الحكومة، مضيفا أنه من الصعب تحديد سقف زمني لإعلان الكتلة الأكبر، لكن بالتأكيد سيكون هناك التزام بالتوقيت الدستوري
في غضون ذلك، ما زالت الكتل السياسية العراقية تترقّب بيان المحكمة الاتحادية العراقية حول مدى إلزامية القرارات التي اتخذها البرلمان حيال مفوضية الانتخابات والمتعلّقة بإلغاء نتائج انتخابات عراقيي المهجر والنازحين، وإعادة العدّ والفرز للأصوات يدوياً بنسبة 10 في المائة من عموم محطات الاقتراع بالبلاد.
وكان من المفترض أن تعلن المحكمة الاتحادية عن ذلك خلال الـ48 ساعة الماضية، من خلال اجتماع لمجلس المحكمة الاتحادي، كأعلى سلطة في البلاد، وفقاً للنظام الداخلي للمحكمة الاتحادية.
إلى ذلك، تواصل الكتل السياسية العراقية المختلفة مشاوراتها في بغداد والنجف وأربيل على حدّ سواء، وسط حالة عدم استقرار وتذبذب في مواقف عدد من الكتل والقوائم الفائزة، خصوصاً الصغيرة منها.
وتجري اللقاءات بالعادة ليلاً، في ظاهرة ألقت بظلالها على الشارع العراقي، وكذلك على أداء المؤسسات والوزارات التي تتولاها شخصيات حالفها الحظ بالنجاح في الانتخابات، إذ لا يجد المواطنون نهاراً من يقابلهم أو ينجز معاملاتهم الرسمية، فضلاً عن اتساع ظاهرة التسيّب وعدم الرقابة في مختلف تلك المؤسسات منذ بدء ماراثون المشاورات السياسية بين الكتل، التي تتمّ عادة ضمن ما يعرف بمآدب الإفطار أو السحور.
وأبلغ مسؤول بارز في التيار الصدري، يوصف بأنه من المقربين من زعيم التيار، مقتدى الصدر، “العربي الجديد”، بأن تحالف “سائرون” توصّل إلى تفاهم مع الشقّ المدني فيه، بما فيه الحزب الشيوعي العراقي، “على أن الذهاب إلى المعارضة أفضل بكثير من المشاركة في حكومة واحدة مع المالكي”، مؤكداً أنّ الصدر اعتبر هذا التوجّه العام لسائرون، وهو ما فهم منه خط أحمر على المالكي، وأيضاً على كتلة “صادقون” التي يتزعمها زعيم مليشيا “العصائب”، قيس الخزعلي، إحدى أقرب المليشيات لإيران، التي تتلقّى تمويلاً مباشراً من مكتب المرشد علي خامنئي.
وقال المسؤول إنّ “سائرون” و”النصر” و”الحكمة” و”الوطنية” وكتلاً عربية سنية أخرى “يمكن أن نضعها في معسكر العراقيين، فيما الجانب الآخر مرعي إيرانياً ويسعى لتكوين الكتلة الكبرى. وفي حال حسم أي فريق مفاوضاته مع الأكراد وقتها سيتم الإعلان عن تحالف واضح”، وختم المسؤول بالقول إن “الصدريين والمدنيين لن يشاركوا في حكومة مفصّلة من الخارج، والبقاء في المعارضة أفضل من خسارة الشارع الذي يؤيد حكومة عراقية لا طائفية”.
وفي تطور لافت، يعكس فشل إيران في إقامة تحالف واسع لتشكيل الحكومة، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي أمس أن الأخير لا يضع فيتو» على تولي رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي رئاسة الحكومة لولاية ثانية. في سياق متصل، غداة تصويت البرلمان العراقي على القراءة الأولى لمشروع تعديل ً قانون الانتخابات التشريعية لعد وفرز الأصوات يدويا، توعد رئيس البرلمان سليم الجبوري أمس بسحب الثقة من مجلس المفوضين في مفوضية الانتخابات في حال عدم امتثالها لقرار البرلمان، بإلغاء نتائج انتخابات الخارج والنازحين وإجراء عد وفرز يدوي لـ10 %من أصوات الناخبين. وبحسب موقع «شبكة أخبار العراق»، أفاد الجبوري، في لقاء متلفز، أمس بأنه إذا لم تلتزم المفوضية بتنفيذ قرارات البرلمان بشكل جازم ستكون هناك خيارات سيتبعها البرلمان قد تصل إلى سحب الثقة من المفوضية والأشخاص المقصرين. وكان البرلمان العراقي صوت خلال جلسة عقدها مساء الإثنين الماضي على صيغة قرار بشأن الانتخابات، تقضي بإعادة عد وفرز نتائج 10 ً %من الانتخابات يدويا ً ، فضلا عن إلغاء التصويت المشروط، وتصويت الخارج
بيوت سياسية ترفض الالتئام مجدداً
وفي إطار تطورات المشاورات السياسية في بغداد، وصل أمس الاول الثلاثاء وفد كردي يمثّل أحزاب المعارضة في إقليم كردستان، بعد فشل الحزبين الرئيسيين في الإقليم (الاتحاد الوطني في السليمانية والديمقراطي الكردستاني في أربيل) في توحيد بقية الأحزاب مرة أخرى، والتوجّه إلى بغداد بوفد واحد يمثّل الشارع الكردي.
وأوضح عضو الجماعة الإسلامية الكردستانية، ريبوار علي أنّ “الوفد ضمّ حركة التغيير والاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية والتحالف من أجل الديمقراطية، إذ من المقرّر أن يتم البحث في التحالفات السياسية للكتل الأربع مع مختلف القوى في بغداد”، مبيناً أنّ أجندة الأحزاب الأربعة “تختلف عمّا يطرحه الحزبان الرئيسيان، كونهما ينطلقان من مصالحهما”، وفقاً لقوله.
ويبلغ مجموع مقاعد الكتل الأربع 16 مقعداً، حازت عليها في الانتخابات الأخيرة، مقابل 40 مقعداً للحزبين الرئيسين في كل من أربيل والسليمانية. ويعتبر فوز أي طرف في بغداد، بالتحالف مع المقاعد الستة عشر تلك، أمراً مهماً للحصول على أريحية في السباق نحو الكتلة الكبرى بين المعسكرين في بغداد.
وحول ذلك، قال القيادي في التحالف الكردستاني، حمة أمين، إن “زيارات الأكراد إلى بغداد تتضمّن قطبي العملية السياسية في العاصمة، وهما تحالف المالكي ـ العامري وتحالف العبادي ـ الصدر”، مبيناً أنّ “فترة البيوت السياسية المغلقة شارفت على الانتهاء. فالبيت الشيعي السياسي تفكّك، كما هو حال البيت السياسي السني، والأمر الآن وصل إلى الإقليم، وباتت الكتل تذهب بوفدين إلى بغداد، بعد أن كانت ترفع شعار نختلف في الداخل، ونتوحّد في الخارج”. وأوضح أمين أنّ هذا الأمر “هو ما صعّب التفاوض، لكن بشكل عام يمكن اعتبار الموضوع أمراً إيجابياً أو تغييراً نحو الأفضل بالنسبة للعراقيين ككل، رغم وجود ضغوطات إيرانية لإعادة هذا التخندق مرة أخرى”.
إلى ذلك، قال القيادي في تحالف “سائرون” وسكرتير الحزب الشيوعي العراقي، رائد فهمي، إن التحالف الذي ينتمي إليه بدأ يقترب مع كتل سياسية، من الاتفاق على برنامج حكومي لإدارة البلاد، مبيناً في تصريحات صحافية، أمس الثلاثاء، أنّ “هناك اتفاقاً مع الحكمة والنصر وأغلب مكونات ائتلاف الوطنية على مبادئ برنامج حكومي والوجهة العامة للحكومة المقبلة”. وأضاف أن “هذا التفاهم قد يحرّك العمل بشكل سريع تجاه الكتل الأخرى”.
وبشأن الكتل الكردية، قال فهمي إنه “تمّ الحوار بشكل مطول مع الديمقراطي الكردستاني، لكن الأمر لم يكن كذلك مع الاتحاد الوطني، وقد تشهد الأيام المقبلة حواراً مماثلاً معه”.
وكانت الأمم المتحدة دعت الأسبوع الماضي السياسيين العراقيين إلى التحرك بسرعة لتشكيل حكومة تكون قادرة على التغلّب على الانقسامات الطائفية، والمضي قدماً بالإصلاحات المطلوبة بشدة في مرحلة ما بعد الانتخابات التي فاز فيها تحالف يقوده رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
وقد ألغت مفوضية الانتخابات العراقية الأربعاء الماضي نتائج أكثر من ألف مركز تصويت لشبهة تعرّضها لعمليات تلاعب، في وقت يسعى فيه البرلمان إلى تعديل قانون الانتخابات بحيث تلتزم مفوضية الانتخابات بإعادة العدّ والفرز يدوياً في كل المراكز الانتخابية بالعراق”.
الصراع الأمريكي الإيراني على تشكيل الحكومة العراقية والمصالح متناقضة
وضع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة رؤية وقراءة حول الادوار الامريكية والايرانية في تشكيل الحكومة العراقية عنوانها ان لا تقاطع ولا قواسم مشتركة بل على العكس فالمصالح متناقضة وتقول الورقة المنشورة عن المركز :- شهد العراق خلال الأيام الأخيرة تنافسًا واضحًا بين واشنطن وطهران للتأثير على السيناريوهات المطروحة بالنسبة لعملية تشكيل الحكومة العراقية، وذلك بالتزامن مع تكثيف قادة الكتل السياسية التي فازت في الانتخابات من جهودها لصياغة كتلة أغلبية.
عوامل محفزة:
استنادًا إلى أهم مؤشرات نتائج الانتخابات التشريعية العراقية، يمكن رصد عددٍ من العوامل التي تُذْكي الصراع الأمريكي الإيراني الحالي في عملية تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وذلك على النحو التالي:
1- أن 27 تحالفًا أو كتلة انتخابية قد شاركت في العملية الانتخابية وشملت 205 كيانات انتخابية، ولم يتمكن أيٌّ منها من الحصول على أغلبية تسمح له بتشكيل الحكومة. وينص القانون العراقي على أن الكتل المتحالفة بعد نتائج الانتخابات والتي تحوز على 50% + 1 من مقاعد البرلمان يكون لها الحق في تشكيل الحكومة.
2- استمرار حضور وتفوق نفس القوى السياسية التي تصدرت المشهد السياسي منذ الاحتلال الأمريكي، وكذلك الشخصيات القيادية التي تولت المناصب الرئيسية في الدولة العراقية، مع تغيير في الإطار السياسي الذي يعبر عنها، حيث فازت القوى القديمة بحوالي 85% من مقاعد البرلمان، ولم يتجاوز التغيير 15% من هذه المقاعد.
3- انقسام القوى الشيعية في تحالفات أربعة رئيسية، وانفراط تحالفاتها حتى الآن، مع استمرار تشتت الكتلة السنية، وعدم وجود كتلة كبيرة تعبر عنها، واستعادة الحزبين الكرديين لنفوذهما على حساب القوى المعارضة لهما في الإقليم.
4- عدم تبلور قائمة واحدة في الكتل الفائزة تعبر عن مكون سياسي معين، ولكنها تضم خليطًا من القوى السياسية، وهو ما يعني وجود تغير في الخريطة السياسية.
5- رغم تصدر ائتلاف “سائرون” بزعامة “مقتدى الصدر” للنتائج، إلا أنه يحتاج إلى تحالف واسع لصياغة الأغلبية، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن هذا الائتلاف يضم الحزب الشيوعي العراقي الذي حصل على 13 مقعدًا.
6- أن ائتلاف “النصر” بزعامة “حيدر العبادي” يضم داخله عناصر أكثر ارتباطًا بإيران، خاصة بعض قيادات حزب الدعوة (السيد البياتي، والسيد أراس حبيب المعروف بأنه رجل المخابرات الإيرانية في العراق).
مؤشرات كاشفة:
يمكن رصد عددٍ من المؤشرات التي تكشف عن الصراع الأمريكي الإيراني الحالي في عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وذلك على النحو التالي:
1- الزيارة التي قام بها قائد فيلق القدس السيد “قاسمي سليماني” لبغداد مؤخرًا، والتي التقى خلالها كلًّا من زعيم ائتلاف الفتح “هادي العامري” وزعيم ائتلاف دولة القانون “نوري المالكي”، فضلًا عن زيارته إقليم كردستان، وذلك في محاولة منه لتهيئة تحالف يكون قريبًا من طهران، ولا يخرج عن العباءة الإيرانية، ولا يتناقض مع المصالح الإيرانية في العراق، كما شملت الاتصالات الإيرانية كافة الكتل الفائزة في الانتخابات بما فيها ائتلاف “سائرون” والكتل السنية المختلفة والشيعية المنضوية في التحالفات الأخرى.
ويُشار في هذا الإطار إلى أن إيران دعمت عملية إنشاء ائتلاف “الفتح المبين” الذي يتزعمه القيادي في الحشد الشعبي “هادي العامري”، والذي يأتي في المرتبة الثانية بعد رئيس الوزراء الحالي “حيدر العبادي” في المنافسة على منصب رئيس الوزراء العراقي بعد التئام البرلمان المقبل. ويُشار في هذا الإطار إلى أن هذا الائتلاف يضم كل فصائل الحشد الشعبي التابعة لطهران، وأهمها “بدر” و”عصائب أهل الحق”، بالإضافة إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وبعض الأحزاب والكيانات الشيعية الصغيرة.
2- وضح الحرص الأمريكي على التأثير في عملية صياغة كتلة الأغلبية من خلال مجهودات “بريت ماكغورك”، وهو المندوب الأمريكي العابر للإدارات الأمريكية على حسب قول مجلة “الفورين بوليسي”، حيث يقيم في العراق منذ عام 2003، وشارك في كافة ترتيبات الدور الأمريكي في العراق، كما تولى قيادة التحالف الدولي لمحاربة “داعش” عام 2015. ويُلاحَظ بخصوص دوره الحالي في العراق ما يلي:
أ- أنه هو الذي زكّى “نوري المالكي” لدى واشنطن لتولي رئاسة الحكومة السابقة.
ب- أنه نجح خلال الأيام الأخيرة في إنهاء مقاطعة الأحزاب الكردية للمشاركة في الحكومة الجديدة، والتي كانت تشترط إعادة الانتخابات في محافظة كركوك.
ج- أنه شارك مع مستشارين فنيين وعناصر من السفارة الأمريكية في بغداد في حوارات مع كافة الكتل السياسية الفائزة.
ويُشار في هذا السياق إلى أن الولايات المتحدة سبق وحذرت في منتصف مارس الماضي على لسان وزير دفاعها “جيمس ماتيس” من نية طهران التأثير على نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية، حيث أشار إلى أن بلاده تمتلك أدلة مثيرة للقلق على أن إيران تحاول التأثير باستخدام أموال طائلة على المرشحين والأصوات في تلك الانتخابات.
3- التنافس الأمريكي الإيراني الحالي على تحسين العلاقة مع السيد “مقتدى الصدر” بعد فوزه في الانتخابات، خاصة وأنه لطالما كان رافضًا للدور الذي تقوم به كلٌّ من طهران وواشنطن في العراق على مدى السنوات الماضية. ويرتبط بهذا الأمر ما يلي:
أ- الأنباء التي تم تداولها مؤخرًا حول وجود اتصالات بين ائتلاف “سائرون” وواشنطن عبر وسطاء.
ب- نفي السفير الإيراني لدى بغداد “إيرج مسجدي” وجود خلافات بين “الصدر” وإيران، وإعراب الخارجية الإيرانية عن تفاؤلها بنتائج الانتخابات العراقية وفوز “الصدر” بها، ونفيها أن تكون هناك نوايا من ائتلاف “سائرون” لإخراج إيران من العراق.
صراع المحاور:
من الواضح أنه بالنظر إلى ما سبق فإن عملية تشكيل حكومة أغلبية في العراق سوف تكون مجالًا لصراع المحاور والتنافس والعداء الأمريكي الإيراني المتصاعد، وهو ما يمكن أن يدفع إلى مزيدٍ من الاستقطاب. وبهذا الخصوص نشير إلى ما يلي:
– أنه رغم الجهود الأمريكية فإن إيران تمتلك أوراق ضغط ومساومة في مجمل العملية السياسية في العراق تفوق ما لدى الولايات المتحدة بهذا الخصوص.
– أن ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” بخصوص النفوذ الإيراني في العراق ضمن الشروط الأمريكية الـ12 بشأن التطبيع مع إيران، خاصة شرط التعامل باحترام مع الحكومة العراقية وعدم عرقلة حل التشكيلات الشيعية المسلحة ونزع سلاحها؛ يتجاهل حقيقة أن هذه القوى العسكرية قد اندمجت في الجيش العراقي وأصبحت كتلة سياسية تتشارك في البرلمان.
ويعد الحافز الرئيسي للتنافس الأمريكي الإيراني في عملية تشكيل الحكومة العراقية هو خضوع تلك العملية لتفاهمات وتوافقات طائفية ومذهبية، ولطالما كان هذا الأمر هو المدخل للأدوار الخارجية في الشأن الداخلي العراقي.
ومن المتوقع أن تكثف طهران من صراعها الضمني مع واشنطن في العراق خلال الفترة المقبلة، خاصة أنها دائمًا ما تحرص على توظيف الملف العراقي في ملفاتها العالقة مع الولايات المتحدة وعلى رأسها أزمة برنامجها النووي.
كما ستواصل واشنطن جهودها الهادفة إلى وصول شخصية شيعية معتدلة في رئاسة الحكومة العراقية لمنع تصاعد النفوذ الإيراني في العراق إلى مدى أبعد. ويبدو أنها مقتنعة برئيس الوزراء الحالي “حيدر العبادي”، وتعتبره بعض الأوساط الأمريكية “رجل واشنطن في بغداد”.
ويتضح كذلك أن السيد “مقتدى الصدر” وإن كان غير مُرَحَّبٍ به من إيران بدرجة كبيرة، إلا أنه لا يمثل لها خطًّا أحمر، خاصة أن الكتل التي ستتحالف معه لن تذهب معه بعيدًا فيما يتعلق بالموقف من إيران.
من جهة اخرى تحاول الشخصيات السياسية السنية الرئيسية في العراق توفير الدعم اللازم لرئيس الوزراء حيدر العبادي، كي يبقى في منصبه لولاية ثانية، في أحدث صور تحوّلات عالم السياسة في بلاد الرافدين.
ومنذ إعلان نتائج الانتخابات العامة، التي جرت في ايار الماضي، أجرت القوى السياسية السنية مشاورات مع مختلف الأطراف، لكنها لم تصل إلى تفاهمات واضحة. وباستثناء حركة الحل التي يتزعمها رجل الأعمال جمال الكربولي، استقر رأي معظم الأطراف السياسية السنية على دعم العبادي لولاية ثانية.
ووجه صالح المطلك زعيم جبهة الحوار دعوة إفطار للعبادي، حضرها رئيس البرلمان سليم الجبوري وزعيم القائمة الوطنية إياد علاوي وممثلون عن قوى سياسية سنية مختلفة، بينها تحالف القرار بزعامة رجل الأعمال خميس الخنجر.
وتتوزع القوى السياسية السنية التي شاركت في الانتخابات على أربعة اتجاهات رئيسية، مع قوى محلية صغيرة؛ الأول يقوده علاوي، والثاني يقوده الخنجر، والثالث يقوده الكربولي، والرابع يقوده وزير الدفاع السابق خالد العبيدي.
وحاليا، يمكن القول إن العبادي يملك تأييد ثلاثة أرباع الساسة السنة في العراق، ما يضعه في موقف تفاوضي جيد مع الأطراف الشيعية والكردية.
وكشفت مصادر سياسية أن “العبادي وعد الزعماء السنة في منزل المطلك بمنع الميليشيات التي تدعمها إيران من العبث بالملف الأمني، كما أكد استعداده في حال شكّل الحكومة الجديدة لإطلاق حملة إعمار واسعة للمناطق السنية التي دمرت خلال حقبة سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من البلاد.
وأضافت المصادر أن “الزعماء السنة، اختاروا دعم العبادي، بعدما تأكدوا من تأييد المجتمع الدولي لبقائه”.
وبسبب تعدد القوائم السنية المشاركة في الانتخابات، توزعت المقاعد على عدد من الاتجاهات المتنافسة داخل الفضاء الطائفي الواحد، وهو ما حول الجميع، على حد وصف مراقبين، إلى “لاعبين صغار”.