مرايا – في العام الأول بعد المئة لوعد بلفور الذي منح اليهود “وطنا قوميا” في فلسطين، لا يزال الفلسطينيون يطالبون بريطانيا باعتذار تاريخي، لكن مع تعهد غاضب من قيادة السلطة الفلسطينية وعلى لسان الرئيس محمود عباس بأن مخططات تصفية القضية الفلسطينية التي بدأت ببلفور لن تمر في “صفقة القرن”.
إلى هذه الدرجة من الخطورة يرفع الرئيس عباس التحديات التي تواجه الفلسطينيين بعدما تصاعدت الأزمة السياسية مع الولايات المتحدة إثر قرار واشنطن نقل سفارتها إلى القدس وقطع تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، واعتبار ذلك بداية تكريس مشروع السلام الأميركي الإٍسرائيلي في المنطقة العربية على حساب الحقوق الفلسطينية تحت مسمى “صفقة القرن” وعلى غرار وعد بلفور.
وبينما يعتقد محللون أن الشرط التاريخي الذي رافق وعد بلفور عام 1917 يتكرر بشكل جلي فلسطينيا وعربيا ودوليا وربما يهيئ لمشاريع سياسية تؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية، ذهب البعض إلى التشكيك في حقيقة “صفقة القرن” لكونها مخططا جديدا.

التاريخ يتكرر.. لكن!
ويؤمن الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي بأن الظرف التاريخي يتكرر، ويرى أن “بلفور” كان وعدا دوليا من قوة عظمى -هي بريطانيا- لليهود، وهذا يشبه إلى حد كبير الممارسة السياسية للولايات المتحدة اليوم حيال إسرائيل، إذ تظهر كوعد من أميركا لتصفية القضية الفلسطينية بما يناسب مخططات اليمين الإسرائيلي الحاكم.
وكما كان عند صدور وعد بلفور، يواجه الفلسطينيون اليوم تحديا عربيا قد يساهم في تكريس المخططات الأميركية والإسرائيلية ضدهم، ويشير عرابي إلى تخلٍّ عربي حقيقي عن الفلسطينيين، وسط حديث عن إنشاء تحالف شرق أوسطي يضم العرب وإسرائيل والولايات المتحدة.
رغم ذلك، يعتقد عرابي أن القيادة الفلسطينية تحاول توظيف الربط بين وعد بلفور وصفقة القرن لإقناع الفلسطينيين والأطراف التي تساندها بأنها تواجه مؤامرة دولية كتلك التي حدثت على فلسطين في وعد بلفور، وللظهور بمكان المتصدي لهذه المؤامرة.
ويتساءل عرابي “أمام وجود مخططات استيطانية متصاعدة فعلا على الأرض، ودعم أميركي معلن وواضح لها، هل هناك فعلا تصدٍّ لصفقة القرن، أم أن ممارسات السلطة الفلسطينية تساهم في تكريس هذه الصفقة حتى لو كانت ترفض فعلا الإذعان لمشاريع السلام الأميركية حاليا؟!”.
ولا يعتقد المحلل السياسي أن السلطة تستعد لإسقاط “وعد بلفور الثاني/صفقة القرن”، بل يقول إنها بتشديد العقوبات على غزة تضغط على حركة حماس للذهاب باتجاه حلول سياسية من أجل رفع الحصار عن القطاع، قد تندرج في إطار “المشروع الأميركي للسلام في المنطقة”.

أوسلو أسوأ من بلفور
ويذهب أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم إلى الوراء أكثر بالقول إن اتفاق أوسلو للسلام مع إٍسرائيل كان أسوأ من وعد بلفور نفسه، لأن بلفور أعطى الفلسطينيين 44% من مساحة وطنهم بناء على قرار التقسيم، ولكن حسب أوسلو تطالب السلطة الفلسطينية بأقل من 22% من فلسطين.
يقول قاسم إن القيادات الفلسطينية حتى قبل نكبة عام 1948، شكلت أحيانا عاملا مساعدا في تعزيز وعد بلفور بإضعاف مقاومة الفلسطينيين لسياسات الانتداب والثورة عليها، إلى جانب الدور العربي الذي ساعد في تعزيز وعد بلفور من خلال الهزائم في حروب 1948 و1967 وحتى الآن.
وبرأيه، يتكرر الظرف التاريخي بعد مئة عام على بلفور، إذ إن المجتمعات العربية والقضية الفلسطينية اليوم تحكمها مصالح المتنفذين في الطبقات الحاكمة وعلاقتها بالولايات المتحدة، حتى بلغت نتيجة ذلك حد إنكار الحقوق الفلسطينية والإقرار بإسرائيل كدولة لها الحق في البقاء بالمنطقة من أجل تدعيم وجودهم في الحكم.
ورغم التحذير من خطورة “صفقة القرن كما وعد بلفور”، يقول قاسم إنها مهما حملت من مشاريع تصفوية فلن تنجح، لأن الظرف التاريخي الوحيد الذي تغير عن زمن بلفور هو أن الشعب الفلسطيني اليوم أكثر وعيا بحقوقه التاريخية، ولديه قوة مقاومة تواجه القوة العسكرية الإسرائيلية.

غياب مشروع التصدي
يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت أحمد العزم أن “صفقة القرن” واحد من مصطلحات سياسية وإعلامية قد لا يكون لها أساس فعلي في ظل عدم طرح المشروع الأميركي للسلام في المنطقة بعد عامين على انتخاب ترامب، وأنه ليس واضحا هل سيُطرح أم لا
وقال العزم إن ما يشاع فلسطينيا عن بدء ترجمة “صفقة القرن” بنقل السفارة الأميركية إلى القدس أو السعي لتقويض حقوق اللاجئين الفلسطينيين؛ مشاريع ليست جديدة، فقرار نقل السفارة مُقرّ أميركيا منذ منتصف التسعينيات، وكذلك مشاريع تصفية حق عودة اللاجئين.
ولكنه يعتقد -مثل الكثيرين- أن الشرط التاريخي لتكرار وعد بلفور جديد، ليس في التآمر الدولي على القضية الفلسطينية كما حدث سابقا فحسب، ولكن أيضا -وبشكل أكبر- في غياب مشروع سياسي فعلي لمواجهة تصفية القضية الفلسطينية.
ويقول العزم إن القيادة الفلسطينية عاجزة عن تنفيذ توصيات سابقة كالتي خرج بها المجلس المركزي لمنظمة التحرير على مدار السنوات الثلاث الماضية لمواجهة مخططات الاستيطان الإسرائيلية، و”حتى حالة نضالية كمنع هدم وترحيل الخان الأحمر لم تنجح في تعميمها كحالة كفاح شعبي ممتدة”.
المصدر : الجزير