مرايا – يذهب المتفائلون بعيدا بالتعويل على الضغوط الأمريكية المفترضة على المملكة العربية السعودية بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في وضع نهاية للحرب في اليمن وأزمة قطع العلاقات مع دولة قطر.
ومنذ تأسيسها عام 1981، تعيش منظومة مجلس التعاون الخليجي، حاليا، أخطر حالة من عدم الانسجام بين الدول الستة الأعضاء، وطيلة عام ونصف العام، فشلت هذه المنظومة في التغلب على الخلافات البينية وحل أزمة داخلية تزداد تعقيدا مع تدخلات خارجية لأطراف إقليمية ودولية مستفيدة من استمرارها.
وتستضيف دول المجلس اجتماعات القمة السنوية بشكل دوري كل عام وفق التسلسل الأبجدي للدول.
وكان مقررا للقمة الخليجية أن تنعقد في سلطنة عمان التي اعتذرت عن استضافة الدورة 39، كما سبق لها أن اعتذرت عن استضافة القمة في دورتها 36 عام 2015.
وبموجب النظام الأساسي للمجلس الموقع من الدول الأعضاء في 25 أيار/مايو 1981 في أبو ظبي، تتولى عاصمة دولة مقر مجلس التعاون الخليجي، الرياض، استضافة القمة في حال اعتذار الدولة المقرر عقد القمة فيها.
وستحتفظ سلطنة عمان برئاسة قمة مجلس التعاون الخليجي لغاية انعقاد الدورة 40 المقررة بعد عام.
برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز بصفته الدولة المستضيفة لمؤتمر القمة، ستنعقد قمة قادة الدول الخليجية في العاصمة الرياض، اليوم الأحد، وبحضور مؤكد رسميا لأمير دولة الكويت وملك البحرين، بينما من المرجح حضور محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، بعد تأكيد حضور فهد بن محمود آل سعيد، نائب رئيس مجلس الوزراء في سلطنة عمان نيابة عن السلطان قابوس بن سعيد لأسباب تتعلق بالحالة الصحية له.
بينما ينتظر أن يمثل دولة قطر “وزير دولة”، حسبما صرح، السبت، للأناضول مصدر قطري مسؤول، أكد عدم مشاركة الأمير تميم في القمة.
وبحسب تصريحات أدلى بها الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، سوف تركز قمة الرياض على “تعزيز مسيرة العمل الخليجي، وتعزيز الترابط والتكامل الخليجي، والقضايا المتعلقة بالحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، إضافة إلى ترسيخ علاقات الشراكة الإستراتيجية مع الدول والتكتلات الدولية”.
لا يتوقع من قمة مجلس التعاون الخليجي بأن تكون مختلفة عن سابقتها التي استضافتها دولة الكويت في 5 ديسمبر/كانون الأول 2017، وسعت خلالها للحفاظ على بنية وفعالية المجلس الذي تهدد وجوده استمرارية الأزمة بين ثلاث دول خليجية مع دولة قطر.
ومضى على هذه الأزمة أكثر من عام ونصف العام دون أية إشارات إلى قرب التوصل إلى تسوية بين طرفيها.
في القمة الثامنة والثلاثين التي استضافتها دولة الكويت في ديسمبر/كانون الأول 2017، حاول أمير دولة الكويت، الشیخ صباح الأحمد الجابر الصباح، استثمار أجواء القمة لمواصلة مسار الوساطة التي اضطلع بمسؤوليتها منذ بداية الأزمة بين قطر ودول المقاطعة الرباعية في 5 يونيو/حزيران 2017، لكن دون إحراز أي تقدم، في ضوء “تعمّد” الدول الخليجية الثلاث، السعودية والإمارات والبحرين، خفض مستوى تمثيلها إلى أدنى مستوياته في تلك القمة.
ليس ثمة أدنى شك في أن دولة قطر تضع في أولوياتها عودة علاقاتها مع الدول الخليجية إلى سابق عهدها، وإنهاء المقاطعة المفروضة عليها منذ يونيو/حزيران 2017، لكن دون تقديم تنازلات تمس سيادة القرار القطري إنما بالجلوس إلى طاولة الحوار.
إلا أنه في ضوء تمسك الرياض وأبو ظبي والدوحة – أي نصف دول مجلس التعاون الخليجي – بالسياسة العقابية والمقاطعة لقطر، لا تبدو الدوحة مهتمة كثيرا بآليات العمل المشترك ضمن أطر المنظمات الدولية أو الإقليمية التي تتشارك عضويتها مع السعودية أو الإمارات، سواء في منظمة أوبك أو مجلس التعاون الخليجي.
وهذا ما يفسر منطقيا عدم مشاركة الأمير تميم في قمة اليوم مثلما يفسر إعلان قطر انسحابها من منظمة أوبك اعتبارا من يناير/كانون الثاني 2019، بالتوازي مع خطوات إضافية في اتجاه تنمية علاقاتها مع دول أخرى، منها تركيا وإيران، وهما دولتان تحتفظان بعلاقات غير ودية مع كل من السعودية والإمارات والبحرين.
وترى الدوحة أن هذه الدول الثلاثة تشكل خطرا على أمنها، ما استدعى، العام الماضي، الاستعانة بقوات تركية، وتطوير التعاون العسكري مع الولايات المتحدة لأغراض تتعلق بحمايتها.
ويمكن القول أن انسحاب دولة قطر من منظمة الأوبك التي تقودها “اعتباريا” المملكة العربية السعودية يؤسس لإستراتيجية قطرية جديدة تنحى باتجاه تطوير سياساتها الخارجية وبناء تحالفات خارج نطاق النفوذ التقليدي للسعودية التي تهيمن سياساتها على قرارات مجلس التعاون الخليجي.
لذلك تتضاءل، يوما بعد يوم، مساحة الأرضية المشتركة التي تلتقي عليها دولة قطر مع المملكة العربية السعودية في القضايا الإقليمية والدولية، وهو ما يلقي بظلاله السلبية على مجلس التعاون الخليجي.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد٫ فإلى جانب الأزمة “المستعصية” مع دولة قطر، هناك الكثير من الخلافات الثنائية بين الدول الأعضاء في المجلس، وتبايُن في الرؤى حول قضايا مشتركة تتعلق بالتهديدات الخارجية التي مصدرها إيران والجماعات المتطرفة.
فعلي سبيل المثال، منذ زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لدولة الكويت في 30 سبتمبر/أيلول الماضي، تشير تقارير إعلامية إلى خلافات حادة “غير معلنة” بين البلدين حول المناطق النفطية المشتركة على الحدود بينهما.
كما أن لدى سلطنة عمان “بعض” المشاكل مع دولة الإمارات بسبب الدور الإماراتي في جنوب وشرق اليمن على الحدود مع السلطنة، وفي نطاق جغرافي أوسع يمتد إلى القرن الإفريقي والمحيط الهندي.
ولا تتشارك كل من الكويت وسلطنة عمان ، الحريصتان على روح العمل الجماعي في إطار منظومة المجلس، الموقف الذي تتبناه السعودية والإمارات والبحرين من مقاطعة دولة قطر أو الموقف من التهديدات الإيرانية وقضايا إقليمية ودولية أخرى.
من جانبها، تسعى الإدارة الأمريكية إلى تجاوز تداعيات مقتل جمال خاشقجي وعزلها عن مهمات إستراتيجية تتعلق بتعزيز وحدة مجلس التعاون الخليجي في مواجهة “التهديدات” الإيرانية في الخليج والمنطقة.
وتعتقد الإدارة الأمريكية أن الأزمة مع قطر تؤثر سلبا على خطط واشنطن في مواجهة طهران بالتزامن مع مساعٍ سعودية لنزع فتيل الخلافات التي استجدت في علاقاتها مع الولايات المتحدة في أعقاب مقتل خاشقجي، بينما يكون التخفيف من حدة الخلافات مع قطر، وهي رغبة أمريكية، بوابة إعادة بناء الثقة بين الرياض وواشنطن التي من المقرر أن تستضيف في يناير/كانون الأول المقبل قمة أمريكية خليجية، بمشاركة مصر والأردن، لتدارس تشكيل “تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي” (الناتو العربي).
ومن المتوقع أن يطرح مجلس التعاون الخليجي على طاولة مباحثات قادته نقاشا حول إنشاء “الناتو العربي” والتهيئة للقمة الأمريكية الخليجية التي تأجلت عدة مرات بسبب الأزمة مع قطر.
كل ما سبق من معطيات تشير إلى أنه ما لم تحل المشاكل البينية الخليجية، فسيصبح مجلس التعاون الخليجي بلا فعالية حقيقية.