مرايا – على الرغم من هدوء جبهات القتال، تتواصل معاناة المدنيين في سوريا، فالقوات والميليشيات الموالية للنظام وحتى المعارضين الذين لا يزالون يسيطرون على بعض المناطق يستغلون الفوضى المستمرة في تبرير نقاط التفتيش، التي لا يمر منها أحد إلا عبر تقديمه لرشى، وإذا رفض فهو يعرض نفسه للاختطاف من قبل عناصر مدججة بالسلاح.

وتلخص هذه المعاناة السيدة السورية منى المخلف (55 عاما) التي روت لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، تفاصيل رحلتها المرهقة نفسيا وجسديا وماديا للوصول إلى طفليها في الرقة، حيث مرت المخلف على العديد من نقاط التفتيش وهي حاملة ما تبقى لديها من مقتنيات.

ورغم ما يبدو جليا بوضوح على المخلف من الإرهاق والتعب والمعاناة، لم يرحمها عناصر نقاط التفتيش. وبينما لم تصل إلى وجهتها بعد، وجدت المخلف نفسها بلا أموال بعد أن دفعتها لعناصر نقاط التفتيش في مقابل السماح بمروروها.

وتقول السيدة مخلف، وهي جالسة على صخرة على جانب الطريق محاطة بأوانٍ ومقالٍ ومراتب وعربة أطفال: “سأظل هنا حتى يحن أحدهم علي. جميعهم لصوص”.

ويمثل هذا “الابتزاز”، كما تصفه الصحيفة الأميركية، سمة جديدة لـ”بزنس” الاقتصاد السوري في زمن الحرب، حيث يستغل الجنود الموالون للحكومة والميليشيات، فضلا عن المعارضين للحكومة، استغلال انعدام الأمن لتبرير نقاط التفتيش، وهناك يتعرض الناس “للتشليح” وهو مصطلح يشير بلهجة السوريين إلى دفع المال وربما التخلي عن كل ما يملكون.

وتصف “وول ستريت جورنال” العناصر العاملة في هذه النقاط بـ”أصحاب الملايين”، قائلة إنه غالبا ما يحقق الأفراد ربحا ضخما ويصبحون أغنياء عندما يستغلون الحاجة الإنسانية الناشئة عن معركة أو حصار.

ويقول أليكس سايمون، مدير برنامج سوريا في شركة Synaps، وهي شركة أبحاث مقرها بيروت، وتتبع الأثر الاجتماعي والاقتصادي للصراع في سوريا، إن هذه الظاهرة “منتشرة جدا إلى حد يجعلها صناعة قائمة بذاتها”.

ووصف تقرير صادر عن شركة Synaps اقتصاد البلاد بأنه “وحشي”، حيث “تعيش الشرائح الفقيرة من المجتمع السوري، على نحو متزايد، عن طريق افتراس بعضهم البعض”.

ولا تفرق الأطراف المتحاربة في البلاد في أنه يجب على السوريين العاديين أن يضخوا أموالهم، إن توفرت أصلا، مقابل أن يعيشوا حياتهم اليومية، حتى مع تراجع القتال. كما تؤدي ممارسات الجشع إلى زيادة تكاليف السلع التي تعبر البلاد، حيث تفرض نفس نقاط التفتيش، التي تجني الرشاوى، تعريفات داخلية على البضائع.

ودمرت الحرب السورية، التي تدخل عامها الثامن، اقتصاد البلاد. فارتفع التضخم، وانهار الإنتاج. تحولت المصانع والمناطق الصناعية إلى ركام. وقال البنك الدولي، العام الماضي، إن ثلاثة أرباع السوريين إما عاطلون أو غير نشطين في سوق العمل.