مرايا – على الرغم من مرور نحو 20 يوما من الحراك في الجزائر إلا أن دول العالم، خاصة الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية، تراقب على غير العادة الوضع في صمت، وحتى في حال صدرت مواقف رسمية عنها على استحياء فإنها تكون محايدة تماما، على عكس ما حدث في الدول الربيع العربي في 2011.
ففي تونس كما مصر وليبيا وسوريا واليمن، تعالت الأصوات منذ 2011، من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والأمم المتحدة ومنظمات دولية على غرار “العفو الدولية” و”فريدوم هاوس” و”هيومن رايتس ووتش”، تدعو لاحترام حق التظاهر، وتندد بممارسات الأنظمة الحاكمة ضد المتظاهرين، وتطالب زعماءها بالتنحي.
وربما أحد أسباب هذا الموقف الغربي يعود إلى حراك الجزائر نفسه الذي يبدو متفردا في هذا الخصوص، ويبدي حساسية مفرطة تجاه أي تدخل أجنبي، حتى ولو كان داعما للمظاهرات الرافضة لولاية خامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
** استهجان لموقف واشنطن وباريس
مواقف الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، اللاعبين الرئيسيين الأجنبيين في الجزائر، بخصوص الحراك الشعبي، لم تلق ترحيبا من أي طرف في الجزائر، رغم أنها كانت عامة وتعبر علن مبادئ معروفة في الولايات المتحدة.
حيث قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية روبرت بالادينو، في 5مارس/ آذار الجاري، ردا على سؤال لقناة “الحرة” المحلية، “نحن نراقب هذه التظاهرات في الجزائر وسنواصل فعل ذلك”، وأن “الولايات المتحدة تدعم الشعب الجزائري وحقه في التجمع السلمي”.
أما فرنسا المستعمر التاريخي للجزائر، فقال وزير خارجيتها جان إيف لو دريان، في 6 مارس، إن بلاده “تتابع عن كثب الاحتجاجات في الجزائر، لكن الأمر يرجع للجزائريين في تحديد مستقبلهم”.
والثلاثاء، حيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عدول نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، عن الترشح لولاية خامسة معتبرا أنه يفتح فصلا جديدا في تاريخ الجزائر، داعيا لـ”مرحلة انتقالية بمهلة معقولة”.
ورغم هذه التصريحات المتحفظة، لم يستسغ الشارع الجزائري، التصريحات الأمريكية الداعمة لحراكه، ولا حتى الاهتمام الفرنسي الزائد بالجزائر، واعتبر ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية لبلاده.
فيكفي أن يوصف طرف في الجزائر بأنه مدعوم أمريكيا أو فرنسا، حتى تلصق به تهم العمالة والتخوين، وتنفض الجماهير من حوله، وهذا ما يفسر رفض المتظاهرين أي دعم من أي طرف خارجي، حتى لا يؤدي ذلك إلى انقسامهم وتشتتهم.
وتجلى ذلك في بيان المعارضة الجزائرية، الخميس الماضي، التي أعلنت رفضها “التدخل الأجنبي تحت أي شكل من الأشكال”، عقب اجتماع 15 حزبا وعدة نقابات وشخصيات وطنية داعمة للحراك الشعبي.
كما برز هذا الموقف من خلال تصريحات نشطاء وإعلاميين، في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض الصحف.
وفي هذا الصدد، يقول الإعلامي رشيد ولد بوسيافة، في مقال له “لا نريد دروسا من أحد، وعلى العالم أن يدرك أن الجزائري بطبعه لديه حساسية من الخارج”.
ويضيف ولد بوسيافة، “كل من يستقوي بالخارج سيكون عميلا وخائنا في نظر الجزائريين جميعا، سواء كان ضمن دائرة صنع القرار، أم كان مندسا بين المتظاهرين ومؤيدا للحراك”.
كما سبق للرئيس بوتفليقة أن حذر في رسالة له بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 8 مارس/آذار، من “اختراق هذا التعبير السلمي من طرف أية فئة غادرة داخلية أو أجنبية”.
وحساسية الشارع الجزائري، تتجلى في الموقف من الثورة الليبية في 2011، على سبيل المثال، حيث كانت الأغلبية الساحقة من الجزائريين تدعم الثورة ضد نظام معمر القذافي، في بدايتها، لكن بمجرد تدخل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) لدعم الثوار، انقلب موقف فئات عديدة من الجزائريين رفضا لهذا التدخل، وانقسم الرأي العام الجزائري بين مؤيد للثوار ورافض لاستنجادهم بالناتو.
** عربيا.. غياب الاصطفافات
على عكس ما حدث في بلدان الربيع العربي، لم يظهر في حراك الجزائر، اصطفافات إقليمية بين الدول المؤيدة للربيع العربي والرافضة له، بشكل بارز، فالكل يراقب الوضع عن كثب وبحذر وقلق، دون اتخاذ موقف واضح وصريح، فالمشهد في الجزائر مازال ضبابيا، والصورة لم تكتمل.
لكن وسائل الإعلام الداعمة للربيع العربي الخاصة منها، لا تخف دعمها للحراك الشعبي في الجزائر، أما تلك المعادية للربيع العربي، فتبدو أكثر تحفظا وبعضها يتحدث عن مخاوف من صعود التيار الإسلامي وخاصة الإخوان المسلمين.
فالمظاهرات الشعبية كانت بدون عنوان سياسي، رغم دعم عدة أحزاب للحراك، إلا أن الأخير لم يتلون بأي لون حزبي أو إيديولوجي، فالجميع كان حاضرا، بمن فيهم فئات صوتت لصالح بوتفليقة في انتخابات سابقة، ناهيك عن الإسلاميين واللبيراليين واليساريين، وما يسمى بـ”الأغلبية الصامتة” غير المتحزبة.
وحتى وإن التفت أحزاب التحالف الرئاسي (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، تجمع أمل الجزائر، الحركة الشعبية الجزائرية)، بالإضافة إلى منظمات جماهيرية وعلى رأسها الاتحاد العام للعمال الجزائريين (المركزية النقابية)، ومنتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تجمع لرجال الأعمال) حول دعم بوتفليقة لولاية خامسة، إلا أنه بمجرد بدء الجراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي، بدأ صوات هذه الأحزاب والمنظمات في الخفوت إلى أن صمت تماما مع وصول المظاهرات إلى ذروتها في 8 مارس.
عربيا لم تصدر مواقف رسمية، حتى من تونس والمغرب، هذه الأخيرة التي رفض المتحدث باسم الحكومة مصطفى الخلفي، مؤخرا، التعليق على الحراك الشعبي في الجزائر، غير أن ناشطين مغاربة على الفايسبوك يتابعون ويعلقون بكثافة على ما يجري في الجزائر، أما في تونس، فنظم جزائريون وتونسيون مظاهرات داعمة للحراك الشعبي، تعتبر الأولى من نوعها التي يدعو إليها أجانب.
** قلق غربي على الأمن والغاز
بموازاة المواقف الرسمية المعلنة، تنظر عدة دول غربية وحتى عربية بقلق لما قد يتمخض عن الحراك الجزائري، خاصة وأن هذا البلد يحتل موقعا حساسا في المنطقة، فهو لا يبعد سوى نحو 130 كلم عن جنوبي أوروبا (إسبانيا)، ويعتبر أكبر بلد عربي وإفريقي مساحة، ويمثل قلب المغرب العربي، والأكبر اقتصاديا وبشريا فيه، ناهيك عن امتداده الشاسع في منطقة الساحل الإفريقي المضطربة.
فالجزائر شريك دولي في محاربة الإرهاب بالمنطقة، وأي اضطراب فيها قد يؤثر بشكل كبير على المناطق المحيطة بها، خصوصا وأن الأوضاع الأمنية لازالت هشة في كل من مالي وليبيا والنيجر وبدرجة أقل في تونس، وقضية إقليم الصحراء لم تسوَ بعد بين المغرب وجبهة البوليساريو.
كما أن أي اضطراب في الجزائر سيؤثر مباشرة على تدفق المهاجرين غير النظاميين على أوروبا، سواء من الجزائر نفسها (تحصي أكثر من 42 مليون نسمة) أو من الدول الإفريقية التي تعتبر الجزائر منطقة عبور لها نحو أوروبا، والذين تتشدد الجزائر حاليا في منعهم من الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط، وتعيدهم إلى بلدانهم وفق اتفاقيات ثنائية.
الغاز، يعتبر مصدر القلق الآخر بالنسبة لأوروبا عكس الولايات المتحدة، إذ أن نحو 30 بالمئة الواردات الأوروبية من الغاز تأتي من الجزائر، بل إن دولة مثل إسبانيا تتزود بأكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الجزائري (ما بين 50 إلى 60 بالمئة)، كما أن إيطاليا أكبر مشترٍ للغاز الجزائري (60 بالمئة)، وفرنسا زبون كبير أيضا (12 بالمئة)، وبالتالي فإن أي اضطراب أمني من شأنه تهديد الأمن الطاقوي لبلدان جنوب أوروبا (خاصة إسبانيا وإيطاليا وفرنسا والبرتغال وسلوفينيا).
وإن لم تصدر تصريحات رسمية بشأن القلق الأوروبي من الوضع في الجزائر، إلا أن موقع “العربي الجديد” نقل عن مجلة “لو نوفيل أوبسرفاتور” الفرنسية، في عددها الصادر في 28 فبراير/ شباط الماضي، أن مسؤول في قصر الإليزيه، قال إن “ماكرون، جدّ قلق مما تعيشه الجزائر، لعدة أسباب منها احتمال تضرر جنوب فرنسا خاصة، من اضطرابات في إمدادات الغاز، ولا سيما أن الجزائر تعدّ المزود الأول لفرنسا”.
كما تحدثت عدة صحف إسبانية، منها “الباييس” في 2 مارس/ آذار الجاري، عن وجود مخاوف لدى السلطات الإسبانية من تضرر العلاقات التجارية والاقتصادية والطاقة بين البلدين في حال سقوط الجزائر في مستنقع الفوضى، أو التغيير المفاجئ للنظام، فالجزائر تعدّ ثالث مستورد من إسبانيا وأول ممون لها بالغاز الطبيعي.
ولم يصدر موقف من الأمم المتحدة أو أي من هيئاتها الرسمية، بخصوص مظاهرات الجزائر التي كانت في عمومها سلمية، إلى درجة ان الزعيم اليساري الفرنسي جون لوك ميلونشون، دعا حراك السترات الصفراء للاقتداء بحراك الجزائر.
وقال ميلونشون، المرشح السابق للرئاسيات الفرنسية، “لسنا أشجع من الجزائريين، يجب أن يكونوا مصدر إلهامنا، كما أن تعاطي مصالح الأمن (الجزائرية) مع المتظاهرين، كان محسوبا بدقة، مقارنة بالشرطة الفرنسية من حراك السترات الصفراء”.
لكن المظاهرات في الجزائر، أخذت حيزا كبيرا في الإعلام الفرنسي المرئي منه والمكتوب، خصوصا وأن الجالية الجزائرية تعد الأكبر في فرنسا، وتتأثر بما يجري في بلادها، ويتجلى ذلك من خلال عدة تجمعات احتجاجية للجزائريين في مدن فرنسية منذ إعلان بوتفليقة ترشحه لولاية خامسة قبل تراجعه عنها تحت ضغط شعبي.
وأعلن بوتفليقة، الإثنين، في رسالة وجهها إلى الشعب، سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وتأجيل انتخابات الرئاسة، التي كانت مقررة في 18 أبريل/نيسان، عقب حراك شعبي دام أسابيع يطالب برحيله عن الحكم.