مرايا – بهزيمة ثقيلة وفارق صادم خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم انتخابات الإعادة لرئاسة بلدية إسطنبول، ليفقد رجب طيب أردوغان ورفاقه سيطرتهم عليها للمرة الأولى منذ ربع قرن.
وقد فتحت هذه الخسارة المكررة الأبواب مشرعة أمام العديد من التساؤلات التي تردد صداها مؤخرا في الأوساط التركية المختلفة، والتي تتعلق بوحدة الحزب الحاكم ومستقبل الرئيس رجب طيب أردوغان السياسي.
وأظهرت النتائج تقدما مريحا لمرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو بحوالي 54% مقابل نحو 45% لمرشح الحزب الحاكم بن علي يلدرم، بفارق أكثر من 775 ألف صوت، أي بزيادة كبيرة عن الانتخابات الأولى التي أجريت في مارس/آذار، عندما كان الفارق 13 ألفا فقط.
وعقب إعلان فوزه، أعرب إمام أوغلو عن تمنيه بأن تحمل نتيجة الانتخابات الخير لإسطنبول، وأقر منافسه يلدرم بهزيمته، وبادر إلى تهنئة خصمه.
وهنأ الرئيس أردوغان مرشح المعارضة الفائز، وأكد أن “الإرادة الوطنية تجلّت مرة أخرى اليوم، وأتمنى أن تعود نتيجة انتخابات بلدية إسطنبول بالخير على المدينة”.
ابتهاج هنا وحزن هناك
وعمّت الفرحة أوساط حزب الشعب الجمهوري المعارض بعد ظهور النتائج، وخرج أنصار الحزب في شوارع إسطنبول محتفلين بالفوز وهم يرددون عبارة “كل شيء سيصبح جيدا”، تلك العبارة التي كان دائما يرددها إمام أوغلو خلال دعايته الانتخابية، كما قطع مجموعة من الشباب شارع باشاك شهير وأخذوا يغنون ويتراقصون على أنغام موسيقى البوب التركية الخارجة من مكبرات الصوت المتحركة.
وعبّر الشاب العشريني إيفيه ديمير عن سعادته الغامرة بفوز حزبه، وقال “سنحظى بمزيد من الحرية، وحزب العدالة والتنمية انتهت صلاحيته، فاليوم هزمنا يلدرم وغدا سنهزم أردوغان”.
من ناحية أخرى، خيَّم الحزن على مقر حزب العدالة والتنمية وعلى أنصار الحزب في مدينة إسطنبول، وعقب أداء صلاة المغرب في مسجد الفاتح كان الحزن واضحا على وجوه المصلين.
وبنبرة حزينة عبر شكري أورصوي (75 عاما) عن ألمه لخسارة من أسماهم “المؤمنين” “بلدية عاصمة الخلافة الإسلامية” لمصلحة من وصفهم بكارهي الدين، لكنه استدرك وتلا الآية الكريمة “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم”، معقبا بالقول “لا ندري أين مكامن الخير ولعل نتيجة الانتخابات تكون خيرا”.
وطوال أمس الأحد ازدحم موقع التواصل الاجتماعي تويتر بتغريدات هاجم عبرها أنصار الحكومة والمعارضة بعضهم بعضا، كما صعد وسم “SuriyelilerDefoluyor” أي “فليغرب السوريون عنا” الذي هاجم عبره أنصار المعارضة السوريين وتوعدوا بإخراجهم من إسطنبول.
كما كتب النائب في البرلمان التركي عن العدالة والتنمية مصطفى ينير أوغلو تغريدة، قدّم عبرها نقدا لاذعا بالقول: “خسرنا إسطنبول لأننا خسرنا تفوقنا الأخلاقي.. يمكننا أن نستعيد تفوقنا بالنقد الذاتي وطي صفحة الماضي والنظر إلى المستقبل وأحلام الشباب والعقلانية وسيادة القانون والحقوق والفصل ما بين السلطات”.
ارتدادات على الحزب الحاكم
وقال مصدر من مقر قيادة حزب العدالة والتنمية في إسطنبول للجزيرة نت إن “حالة غليان سادت في المقر وهناك مطالب بإقالة الهيئة الرئاسية”، مشيرا إلى أن رئيس الحزب في إسطنبول سيستقيل.
وذكر مراقبون أن إسطنبول بتعقيداتها وتشابكاتها هي صورة مصغرة لتركيا، وأن ما حصل مُحفز كبير للمعارضة، مؤكدين أن الخطر على حزب العدالة والتنمية بات محدقا أكثر من أي وقت مضى، خاصة في البعد الداخلي، وتساءل بعضهم هل توجد شخصية داخل العدالة والتنمية يمكنها أن تهزم إمام أوغلو في أي انتخابات قادمة؟ فلم يعد في العدالة والتنمية رموز باستثناء أردوغان، واليوم انتهى تاريخ بن علي يلدرم السياسي، بحسب رأيهم.
وفي هذا السياق، قالت الباحثة في جامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول أماني السنوار -للجزيرة نت- “النتائج حملت رسالة تأديب قوية لحزب العدالة والتنمية، الذي أصرّ على الإعادة وقدم حملة انتخابية سادها الكثير من التخبط رفع فيها شعار سرقة الأصوات، وارتدّ فيها عن الكثير من الشعارات والمواقف التي تبناها في الاستحقاق الأول قبل أقل من ثلاثة شهور”.
وتعتقد أماني السنوار أن الحزب الحاكم خسر من أصوات حلفائه القوميين حين غازل الأكراد وحرص على إخراج رسالة من القيادي الكردي السجين عبد الله أوجلان تدعو الأكراد للحياد قبل الاقتراع بثلاثة أيام، وخسر أيضا من أصوات أنصاره الذين ساءتهم إدارة الحزب لملف الانتخابات برمته.
وأضافت “صحيح أن الانتخابات بلدية وتحمل السمة الخدماتية، لكنها تحولت بشكل أو بآخر إلى استفتاء على إدارة الحزبين الحاكم والمعارض لملف الانتخابات بعد طعون التلاعب، ويدعم هذا الافتراض الفجوة الكبيرة بين نتيجة الاستحقاقين التي توسعت من قرابة 13 ألف صوت إلى نحو 800 ألف في غضون أقل من ثلاثة أشهر”.
واعتبرت السنوار النتيجة فرصة للعدالة والتنمية من أجل المراجعة والتصويب وإعادة احتواء الأصوات الناقدة داخله، والتخفيف من حدة الخطاب ضد المعارضة ورفع سقف حريات الإعلام والتعبير في البلاد كلها.
وزادت الباحثة في جامعة صباح الدين زعيم “ستكون هذه الفرصة على شكل اختبار إما ينجح العدالة والتنمية في اجتيازه وبالتالي يعدل من حظوظه في الشارع، أو يقصّر فيه فيعطي دفعة معنوية كبيرة جدا لشخصيات وازنة من مدرسة العدالة والتنمية في مساعيها لتشكيل حزب جديد، ولا سيما مع تصاعد التكهنات بنية رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو على خوض هذه التجربة قريبا، وهو الشخصية التي تحظى باحترام وتأييد قطاعات مهمة من نخب العدالة والتنمية ولا سيما من الكتاب والأكاديميين والصحفيين”.
مستقبل أردوغان
من جهته، قال الإعلامي التركي طه عودة أوغلو للجزيرة نت “كلا مرشحي الحزب الحاكم والمعارضة بذلا كل ما يستطيعان للفوز ببلدية إسطنبول، لكن فوز إمام أوغلو لم يكن مفاجئا للمتابعين؛ إذ إن جميع استطلاعات الرأي التي جرت خلال الأسابيع الأخيرة أشارت إلى تقدم إمام أوغلو على يلدرم”.
واعتبر عودة أوغلو النتيجة بمثابة تصويت ليس على شعبية حزب العدالة والتنمية فحسب بل على مستقبل ومصير أردوغان السياسي، وقال إنها ستضع علامات استفهام حول مسار انتخابات 2023 بمعنى أنها ستكون صعبة للحزب الحاكم.
وأضاف “نتيجة الانتخابات هي إشارة البدء لمسارات متضاربة ومتعاكسة على الساحة السياسية التركية، لكنها تتقاطع جميعها في نقطة واحدة وهي أن المعارضة التركية تقول إنها لن تسمح للرئيس أردوغان وحزبه بالتفرد بالسلطة بعد الآن، وهي خطوة تطرح تساؤلات حول مستقبل الحزب”.
ولفت الإعلامي التركي إلى أن هذه النتيجة ستعطي مزيدا من الزخم لرئيس الوزراء الأسبق داود أوغلو، وستدفعه للإقدام على تشكيل حزب جديد في ظل تراجع العدالة والتنمية.