مرايا – سلطت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية الضوء على تفاقم حالة البطالة، وفقدان الوظائف نتيجة أزمة فيروس كورونا في الولايات المتحدة.
وقالت المجلة، في تقريرها إن فيروس كورونا أدى إلى تغيير الحياة الاقتصادية بشكل كبير في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة. وفي الواقع، شهد الغرب انهيارًا في الاستهلاك بسبب إنفاق الناس لأموال أقل، الأمر الذي بات يهدد بقاء مجموعة كبيرة من الشركات. وأدى ذلك بدوره إلى انهيار مفاجئ وغير مسبوق في الطلب على العمالة، إذ شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا كبيرًا في نسب البطالة.
وأضافت المجلة أن العديد من الدول الأوروبية سعت إلى تخفيف تأثير الأزمة على أسواق العمل من خلال استخدام نظام طُوّر أولا في ألمانيا والنمسا يسمى “العمل لفترات قصيرة”. من حيث الجوهر، ينطوي هذا النظام على تقليل عدد ساعات عمل موظفي الشركة ليعكس الانخفاض في الطلب، ولكن يقع تخفيض رواتبهم بصفة أقل بكثير من التخفيض في الساعات، حيث يمول مكتب العمل الفيدرالي في البلاد الفرق.
يعزو الكثيرون الانتعاش الاقتصادي السريع لألمانيا من الأزمة المالية بين سنتي 2008 و2009 إلى برنامج العمل لفترات قصيرة. ونتيجة لذلك، ارتفعت البطالة الألمانية بنسب أقل مقارنة بالبلدان المماثلة، مما مكّن الشركات الألمانية من التمسك بالعمال الماهرين. في المقابل، اعتمد عدد أكبر من الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا والمملكة المتحدة، على أشكال مختلفة من هذا النهج الألماني خلال الأزمة الحالية على أمل الحد من التأثير طويل المدى على اقتصاداتها.
وأوضحت المجلة أن برنامج العمل لفترات قصيرة مناسب بشكل خاص لألمانيا والدول الأوروبية الأخرى ذات أسواق العمل المنظمة للغاية ومزايا البطالة السخية. فعلى سبيل المثال، إن تسريح العمّال مكلف للغاية بالنسبة للشركات في ألمانيا، لذلك تحرص على تجنب هذه الإجراءات. ثانيًا، إن إعانات البطالة عالية، إذ عادة ما يحصل الألماني الممضي على عقد دائم بدوام كامل كان قد عمل لأكثر من 12 شهرًا على إعانات بطالة تبلغ 60 بالمئة من صافي راتبه لمدة 12 شهرًا.
في المقابل، يغيب تقليد العمل لفترات قصيرة في الولايات المتحدة. فعندما ينخفض الطلب على العمالة، ينخفض عدد العمال بشكل سريع ليعكس الوضع، ذلك أن التخلّص من العمال يعتبر عملية غير مكلفة وغير معقّدة بالنسبة للشركات الأمريكية. كما أن إعانات البطالة منخفضة تقليديا مقارنة مع تلك الموجودة في العديد من بلدان أوروبا الغربية.
وعادة ما يقع تغطية نسبة صغيرة فقط من العمال الأوروبيين من خلال مخططات العمل لفترات قصيرة، وهم الموظفون بدوام كامل في الشركات الكبيرة والعمال في قطاعات التصنيع. لكن هذا البرنامج يقع توسيعه بسرعة، حيث أن الأزمة الحالية فتحت هوّة قارية حول سياسة سوق العمل. في العادة، كانت المملكة المتحدة أقرب إلى الولايات المتحدة من بقية أوروبا عندما يتعلق الأمر بسياسات سوق العمل، لكنها وضعت الآن برنامجًا حكوميًا لدفع ما يصل إلى 80 بالمئة من رواتب القطاع الخاص.
وأوضحت المجلة أنه إذا شهدت الدول الأوروبية انتعاشًا اقتصاديًا سريعًا في الفترة الممتدة بين تموز/ يوليو إلى أيلول/ سبتمبر، يمكن تبرير النهج الذي اتبعته. من جهة أخرى، سيكون ارتفاع نسبة البطالة أقل في أوروبا مما هو عليه في الولايات المتحدة، وستحتفظ الشركات بعمال أكثر مهارة، وسيكون الوضع ملائما لهذه الشركات لتستمر في زيادة الإنتاج بسرعة، كما فعلت الشركات الألمانية في سنة 2009.
وعلى النقيض من ذلك، سترتفع نسب البطالة أكثر في الولايات المتحدة، وستعاني الأسر من ضرر مالي أكبر مما سيتسبب في المزيد من حالات إفلاس الشركات ويزيد من الضغط المفروض على القطاع المالي. ولكن ماذا لو استمر الركود الاقتصادي لفترة أطول وكانت وتيرة الانتعاش ضعيفة؟ يمكن أن يحدث ذلك بسهولة إذا اضطرت الحكومات إلى الاستمرار في فرض الحجر الصحي لفترة أطول، وعندئذ تكون قادرة على إلغائه تدريجيًا، كما هو الحال في الصين.
وأفادت المجلة بأن نهج “العمل لفترات قصيرة” لا يمثل حلاً طويل الأمد لعدد من الأسباب. أولا، لأنه حل مكلف. في البلدان التي تتمتع باستحقاقات بطالة سخية، يبدو أنه من الممكن التعامل مع هذه التكلفة في البداية. ولكن حتى في ألمانيا، لا تستمر إعانات البطالة السخية إلى الأبد.
والسبب الثاني، أنه كلما استمر نهج “العمل لفترات قصيرة” لفترة أطول، أصبح غير منصف اجتماعيًا، حيث أن العمال الذين يعملون بدوام كامل في القطاعات التي تغطيها هذه المخططات يعدون محميين إلى حد كبير من الانكماش الاقتصادي، بينما يواجه الآخرون العبء الأكبر.
أما السبب الثالث، فهو أنه كلما طالت فترة الركود الاقتصادي، زادت احتمالية تغير أنماط الاستهلاك والاستثمار. في هذه الحالة، لن يتمثل التحدي في دعم القدرة الإنتاجية الحالية، بل في تحويل الموارد، أي رأس المال والعمالة إلى صناعات جديدة. إذا عانينا من ركود طويل الأمد وضعف في الانتعاش، سيكون للعوامل الأخرى تأثير أكبر على اختيار الاقتصادات بين استخدام مخططات “العمل لفترات قصيرة” أم تجنبها.
وذكرت المجلة أنه من المرجح أن تصمد البلدان التي ستنجح في ضمان قدرة الأسر على دفع الإيجارات والرهون العقارية والمحافظة على مستوى لائق من الاستهلاك وضمان تمتع الجميع بالرعاية الصحية خلال الأزمة، بشكل أفضل من البلدان التي لن تتمكن من فعل ذلك.
وأشارت المجلة إلى أنه من المؤكد أن تكون الإدارة الأمريكية قد ضاعفت من دعمها الطارئ للشركات، في حين أن نظام الاحتياطي الفدرالي – مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا – سعى بشدة لتعزيز السيولة في محاولة لتجنب أزمة مالية. تعرف الولايات المتحدة بتفوقها على أوروبا في توجيه الأموال والعمال إلى صناعات جديدة سريعة النمو، مما يشير إلى إمكانية خروجها من الأزمة الحالية بشكل أفضل من أوروبا.
لكن وتيرة الابتكار تباطأت في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة مع تضاؤل المنافسة وتزايد تركيز الأسواق أكثر من أوروبا. وفي حين لا تعد القيادة التكنولوجية الأمريكية موضع شك، فإن الرأسمالية الأوروبية تبدو من نواح عديدة في حالة أكثر صحة. إذا كان الاتحاد الأوروبي قادرًا على اجتياز أزمة فيروس كورونا دون أن تنفصل منطقة اليورو ودون أن تدخل المنطقة في حالة من الفوضى، فإنه يُمكن له أن يتجاوز الأزمة بأضرار أقل من الولايات المتحدة.