مرايا – منشورات على “فايسبوك” صدمت اللبنانيين، لا بل للوهلة الأولى لا يصدقها عقل، فالطلب على مقايضة ألبسة وأحذية ومقتنيات منزل بمواد غذائية وحليب وحفّاضات لا يدق ناقوس خطر المجاعة المقبلة إلى لبنان فحسب، بل هو إعلان صريح على أنها تسللت إلى بيوت البعض، وبأن خلف جدران المنازل ما هو أعظم من ذلك، لكن إلى الآن لم ينقل الكثيرون صرختهم إلى جدار صفحة “لبنان يقايض”.

أحذية وملابس مستعملة أنهكها الدهر، التُقطت لها صور ونُشرت على أمل أن تكون المنقذ والمدبّر لقوت عائلة ليوم أو لأيام قليلة. “النهار” تواصلت مع بعضهم، قواسم مشتركة جمعت قصصهم: فقر مدقع، وحاجة ملحة، وأبسط الأمور لا يمكن تأمينها في ظل الارتفاع الخيالي للأسعار، والبطالة، وانهيار قيمة الراتب بعد ارتفاع سعر صرف الدولار…

ملابس مقابل حصّة غذائيّة

هَنا بدوي واحدة من اللبنانيين الذين دفعتهم الظروف الاقتصادية الصعبة للجوء إلى مقايضة ملابس أولادها “بحصّة من المواد الغذائية”، مع التشديد على ضرورة احتوائها على زيت، إضافة إلى عرضها لأحد فساتينها للمقايضة على “لمبة تشريج”، والسبب، كما أوردت، عدم قدرتها على الاشتراك في مولد كهربائي ما يجبرها وصغارها على البقاء لوقت طويل من دون إنارة، وقد شرحت لـ”النهار” حالتها بالقول: “كنت أعمل كمحاسبة في أحد الأفران، أوقفني مالكه بعدما شاركت في الثورة، أما زوجي (ابن بلدة قب الياس البقاعية) الذي يعمل في مستودع فتم إيقافه لثلاثة أشهر عن العمل، فتخلّفت عن إيجار منزلي في الدامور، وعدة أمور، طلبت مساعدة من عدة جهات إلا أنّ لا آذان صاغية لحاجة الفقراء، لذلك وجدت في مجموعة “لبنان يقايض” وسيلة للحصول على مواد غذائية لأولادي”.

تخشى هنا ابنة بيروت على أولادها الأربعة (أكبرهم تسع سنوات وأصغرهم ثلاث سنوات) من أيام سوداء ترخي بظلالها على العائلة، ولفتت إلى أنّ “راتب زوجي مليون ليرة، في حين أن إيجار المنزل 450 ألفاً، والغلاء فاحش، كما أن زوجي مسؤول عن والدته التي تعاني من فشل في الكلى”، وأضافت: “حاجتنا ماسة إلى المساعدة، في السابق كنت أستطيع تسيير أمور العائلة، أما الآن فالوضع أصبح مزرياً للغاية”.

وضع مزر

ما يشغل فكر هنا يومياً هو كيفية تأمين الطعام لأولادها، وشرحت: “أركز على طبخ العدس والأرز، يضع لي زوجي يومياً 10 آلاف ليرة، أحاول جهدي أن تكفيني، للخبز والبيبسي والخضر، فلا يمكنني أن أصرف أكثر، وإذا اضطر الأمر أستدين من الدكانة، أما اللحمة فقد لغيتها من الطبخات، فالنصف كيلو سعرها 20 ألف ليرة، وإذ اشتهاها الأولاد أطلب من البائع أن يضع لي لحمة مفرومة بـ 5000 ليرة”، وأضافت: “ما يهمني كذلك أن أؤمّن بدل إيجار البيت، ألّا يطرق المالك الباب من دون أن أستطيع أن أسدد له الإيجار، وأن يطلب مني الإخلاء”، متطرقةً إلى توقيف أولادها الثلاثة عن المدرسة لعدم قدرتها على دفع الأقساط، ومحاولتها الحصول على إفادة لنقلهم إلى مدرسة رسمية”، وعما إن تلقت اتصالاً من أحد قبل المقايضة، أجابت: “تواصل معي شخص وعندما أجبته انقطع عن التواصل”. وختمت: “لمن يرغب بمساعدتي يمكنه الاتصال على الرقم: 71565338”.

مونة مقابل حفّاضات وحليب

“مطلوب حفّاضات رقم 4 وحليب لعمر سنة… بقدر بالمقابل قايضن على شي من مونة بيتي، رز أو سكر، طحين، عدس مجروش… بليز ساعدوني”، بوست نشرته جيهان مروة ابنة بلدة بنت جبيل، سكان حي السلم، على صفحة “لبنان يقايض”، وذلك بعدما ضاق بها الحال إلى حد لا يوصف، وشرحت من خلال رسائل مكتوبة لـ”النهار” كونها لا تملك المال لإصلاح هاتفها المعطل، قائلة: “لو لم أصل إلى حد الاختناق لما عرضت مقايضة مونةٍ وصلتني من أصحاب الخير مقابل حفّاضات وحليب. زوجي عاطل عن العمل بعدما أغلق معمل الأحذية الذي كان مصدر رزقه”، وأضافت: “الله يخلي الناس الخيّرة، التي ما زالت تقدّم لنا المساعدة، بالحد الأدنى كي أستطيع إطعام أولادي الخمسة”، ولفتت إلى أنّ “لمن يرغب بمساعدتي يمكنه الاتصال على الرقم : 70972687”.

استعانة لعرض المقايضة

منى (من الضاحية سكان عرمون) واحدة من اللبنانيين الذين لا يملكون حتى هاتفاً لعرض ما تريد مقايضته، استعانت بجارتها أنجيلا جمعة من أجل مساعدتها، عرضت ملابس ابنتها مقابل حصة غذائية مع زيت، وبحسب ما قالته أنجيلا لـ”النهار”: “لدى منى ولدان من زوجها الأول وولدان من زوجها الثاني، تعيش في منزل بدل إيجاره 550 ألف ليرة فيما راتب زوجها لا يصل إلى المليون ليرة، وضعها مأسوي إلى درجة أنها منذ عشرة أيام تأكل وعائلتها العدس”، وأضافت: “تعمل منى في تنظيف البيوت، وبسبب الوضع الاقتصادي توقف عملها، وبعد نشر طلب المقايضة اتصل شخص لمساعدتها بحصة غذائية لا تزال تنتظرها”، مشيرة إلى أن من يرغب بمساعدة منى يمكنه الاتصال على رقم زوجها: 03542188

كارثة تطال الجميع

الأزمة الاقتصادية والمالية التي ضربت لبنان كالإعصار، متسببة بانهيار سعر صرف الليرة مع شحّ الدولار من الأسواق، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والحاجيات والإغراض، حلّت على اللبنانيين والمقيمين في لبنان، منهم فاطمة الزهراء ابنة حلب التي تسكن في منطقة الغبيري، حيث عرضت صورة لأحذية أطفال قديمة طلبت مقايضتها بكيسين من حفاضات الأطفال رقم 3. وشرحت لـ”النهار” الحاجة التي أوصلتها إلى هنا بالقول: “لدى زوجي ثلاثة أولاد من زوجته الأولى، ورزقه الله مني بطفلتين، الأولى تبلغ من العمر سنة ونصف السنة، والثانية سبعة أشهر، وزوجي من دون عمل، ونعيش جمعياً في غرفة بالإيجار”. وعن كيفية تأمين قوت يومهم، قالت: “الله لا يترك أحداً، نحمده على كل شيء، مستورين”، لافتة إلى أنه “عندما رأيت صفحة المقايضة قررت استبدال أحذية صَغُرَ مقاسها على أرجل الاولاد، وقد تواصل معي أكثر من شخص، بعضهم من أجل المقايضة، وآخرين لتقديم الحفاضات والحليب من دون مقابل”، وختمت طالبة ممن يرغب بمساعدتها الاتصال على الرقم: 76614744

ما يحصل ينذر بكارثة أكثر مما نعيشه الآن، ويطرح علامات استفهام عن كيفية تمكن هؤلاء من تأمين قوت يومهم فيما لو قايضوا بكل ما يمتلكونه، وكم من اللبنانيين سيجدون أنفسهم في الوضع ذاته؟!
النهار.