مرايا – أدي رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم اليمين الدستورية الجمعة، في حفل تنصيب بالعاصمة نيامي التي شهدت حدثا سياسيا غير مسبوق في تاريخ البلاد منذ استقلالها عن فرنسا قبل 60 عاما، تم خلاله انتقال السلطة سلميا من رئيس مدني منتخب إلى رئيس مدني منتخب في واحدة من أفقر دول العالم، في خطوة تحسب للرئيس المنتهية ولايته محمدو يوسوف، الذي لم يعدّل الدستور للترشح لولاية رئاسية ثالثة.
ويُعد فوز بازوم في الانتخابات الرئاسية التي جرت في النيجر على دورتين سابقة تاريخية أيضا في البلاد التي شهدت للمرة الأولى هزيمة العصبية القبلية أمام التحالفات السياسية، ليصبح أول رئيس من الأقلية العربية في تاريخ البلاد.
وعلى الرغم من خسارته في العاصمة نيامي، فإن فوزه على المستوى الوطني يشير إلى أن الاعتبارات القبلية في المجتمع النيجيري ضعفت بما فيه الكفاية، بحيث لم تعد هذه الحقيقة تشكل عائقا أمام فوز مرشح رئاسي من الأقليات العرقية المتنوعة.
وقال رئيس النيجر الجديد بازوم إنه سيمنح الأولوية للتعليم والأمن مع بداية توليه الرئاسة، في بلد أنهكه التوتر السياسي ونشاط المتشددين الذي أودى بحياة أكثر من 300 شخص هذا العام.
وأدى بازوم اليمين القانونية بعد يومين من إعلان الحكومة عن إحباط محاولة انقلاب.
وأضاف بازوم خلال توليه مهام منصبه في حفل حضره عدد من قادة الدول، إن ثروات بلاده المعدنية يمكن أن تساعد في تحقيق نمو اقتصادي سنوي بنسبة ثمانية بالمئة تقريبًا خلال السنوات الخمس المقبلة لكنه أكد أن تحديات المناخ والأمن تعوق التنمية.
وتابع: إن مشكلة النيجر الأساسية منذ استقلالها هي ضعف نظامها التعليمي قائلًا إنه سيجعل إصلاح النظام التعليمي والأمن أولوية له.
وينتمي أكثر من نصف سكان النيجر إلى قبائل الهوسا، في حين ينتمي الجزء الباقي إلى القبائل البدوية الرحالة أو شبه البدوية، من الفولاني والطوارق والكانوري والعرب والتوبو. ويدين أكثر من 94% من إجمالي سكان النيجر بالإسلام.
وتكتسب النيجر -تلك الدولة الحبيسة التي ليس لها منفذ بحري- اسمها من نهر النيجر الذي يخترق أراضيها، وتحدها من الجنوب نيجيريا وبنين، ومن الغرب بوركينا فاسو ومالي، ومن الشمال كل من الجزائر وليبيا، بينما تحدها تشاد من جهة الشرق.
ويبلغ إجمالي مساحة النيجر حوالي 1.27 مليون كيلومتر مربع، مما يجعلها أكبر دول غرب إفريقيا من حيث المساحة. ولد محمد بازوم -أو «أبو عزوم» كما يطلق عليه أصدقاؤه- في منطقة ديفا أقصى جنوب شرقي النيجر، قرب الحدود مع نيجيريا، أما تاريخ ميلاده فهو 1 يناير 1960، وهو نفس العام الذي نالت فيه البلاد استقلالها عن فرنسا، وذلك بعد 8 أشهر من ميلاد بازوم. ينحدر بازوم من قبيلة أولاد سليمان العربية التي يقطن فرع منها النيجر، بينما تتركز غالبيتها في جنوب ووسط ليبيا، وقد حاول منافسوه استغلال هذا الانتماء القبلي ضده خلال الانتخابات الرئاسية، واتهموه أنه من أصول أجنبية.
وتقدمت شخصيات معارضة بطلب إلى المحكمة متهمة إياه بتزوير جنسيته النيجرية، وقالت إنها لن تعترف بفوزه بالرئاسة وستستمر في الاعتراض على نتائج الانتخابات، وقد أثار هذا التشهير غضب بازوم خلال الحملة الانتخابية، لكن معاونيه اعتبروا الأمر «تافهًا ولا يستحق»، وأشاروا إلى أن والد منافسه من تشاد.
محمد بازوم
ولد محمد بازوم -أو “أبو عزوم” كما يطلق عليه أصدقاؤه- في منطقة ديفا أقصى جنوب شرقي النيجر، قرب الحدود مع نيجيريا، أما تاريخ ميلاده فهو 1 يناير/كانون الثاني 1960، وهو نفس العام الذي نالت فيه البلاد استقلالها عن فرنسا، وذلك بعد 8 أشهر من ميلاد بازوم.
ينحدر بازوم من قبيلة أولاد سليمان العربية التي يقطن فرع منها النيجر، بينما تتركز غالبيتها في جنوب ووسط ليبيا.
اعتزاز بالبداوة
وعن نشأته يقول الرئيس المنتخب في شريط فيديو حمل عنوان “محمد بازوم بقلب مفتوح” بثت خلال حملته الانتخابية: “لقد ولدت في الأدغال، إذا جاز التعبير.. سنقول في الريف. وارتباطي بالريف هو ارتباط طبيعي، حيث إنني ولدت في خيمة، ولم أر قط بناءً حتى من أكواخ أو من القش، لأننا نستخدم الخيام فقط في بيئتي الأصلية. وكانت المرة الأولى التي رأيت فيها منزلا من الطين أو منزلا من الخرسانة، عندما ذهبت لأخذ شهادة التخرج من المدرسة الابتدائية في جوري”.
ويتابع حديثه قائلا: نشأت في بيئة رعوية، حيث يعيش الشخص في علاقة اندماج تام مع الحيوانات، وكان طعامنا الأساسي هو حليب الإبل الذي لم نكن نتناول غيره في الإفطار والعشاء أبدا، وكانت وجبة منتصف النهار فقط هي التي تعد من شيء آخر غير الحليب.
ويعتبر بازوم أن هذه الحال كانت واقع مجتمع الرعي في الستينيات بالنيجر، “وكان هذا صحيحا بالنسبة لمجتمعي، وأعتقد أن أسلوب الحياة هذا يترك بصماته، وهذه الآثار للطفولة بالتحديد هي ارتباط بالطبيعة والحيوانات. فلقد عشت مع الإبل على وجه الخصوص، وثانيا مع البقرة في علاقة عائلية تقريبا، حيث نحب أبقارنا وجمالنا حبنا للبشر، وعندما يموت حيوان تنتابنا نفس مشاعر الحزن عندما يموت شخص ما. ولذلك فالعلاقة بين الإنسان والحيوان كانت أكثر من مجرد شغف”.
ميول يسارية
حصل بازوم على شهادة الثانوية (البكالوريا) عام 1979، وعن تلك الفترة ينوه بمدرس الفلسفة “اللامع” في المدرسة الثانوية “الذي على دراية جيدة بالمادية التاريخية. فإن الأمر يتعلق بالتأثير الذي كان للكتاب الروس على هذا العقل الشاب أثناء الدراسة”.
كما ينوه بكتب الكلاسيكيات الروسية، قائلا “أثارت إعجابي بشكل كبير. وأعتقد من خلال ما قرأته أن مؤلفيها هم الأكثر موهبة، وأعلم أن هناك أيضا مؤلفين فرنسيين أثروا أيضا فيّ، مثل إميل زولا الذي أثار إعجابي”.
بعد نيله شهادة البكالوريا، توجّه إلى السنغال لدراسة الفلسفة الأخلاقية والسياسية في جامعة دكار، التي كانت آنذاك أكبر جامعة في غرب أفريقيا، ومن ثم لقب بازوم بـ”الفيلسوف” لدراسته الفلسفة، وفي تلك الفترة لفت الأنظار بميوله اليسارية خلال نشاطه الطلابي، ثم العمل مدرسا لدى عودته إلى بلاده.
أدوار ومناصب
دخل بازوم عالم السياسة مبكرا، فلم يكد يتجاوز الثلاثين من عمره حتى تولى منصب وزير الدولة للتعاون في الحكومة الانتقالية لرئيس الوزراء أمادو شيفو في الفترة من 1991 إلى 1993.
كان لبازوم علاقة تاريخية طويلة بالرئيس المنتهية ولايته محمد يوسوف، فقد شارك معه في تأسيس “الحزب الوطني الديمقراطي الاجتماعي” عام 1990، ثم تولى رئاسته عام 2011 بعد تولي يوسوف رئاسة الجمهورية، وفقا للشرط الذي يقضي بأن رئيس الدولة لا يشارك في السياسة الحزبية.
وعُيّن بازوم وزير دولة للشؤون الخارجية والتعاون والتكامل الأفريقي والنيجريين في الخارج في 21 أبريل/نيسان 2011.
انتخب 4 مرات نائبا في الانتخابات البرلمانية التي جرت أعوام (1993، و2004، و2011، و2016) عن دائرة تيسكر بمنطقة زيندر جنوب شرق البلاد، كما انتخب نائبا لرئيس مجلس الأمة ورئيسا للكتلة النيابية لحزبه.
انتقل بازوم إلى منصب وزير الدولة برئاسة الجمهورية في 25 فبراير/شباط 2015، ومنحته هذه الخطوة فرصة التركيز على قيادة الحزب تحسبا لمسعى يوسوف لإعادة انتخابه عام 2016.
انتخب بازوم عضوا في المجلس التشريعي بالانتخابات النيابية في فبراير/شباط 2016، وبعد أن أدى يوسوف اليمين الدستورية لولاية ثانية، عُين بازوم “وزير دولة للداخلية والأمن العام واللامركزية والشؤون العرفية والدينية” في 11 أبريل/نيسان 2016، وظل يشغل المنصب حتى صيف 2020، عندما استقال من منصبه للاستعداد للترشح للانتخابات الرئاسية.
يشهد له السياسيون الذين اقتربوا منه بأنه كان وزيرا فاعلا للشؤون الخارجية، وصاحب قبضة مهيمنة خلال توليه منصب وزير الداخلية، حيث يحفظ ويعي جيدا طوبوغرافيا بلاده وقام بمسح كل زاوية وركن فيها.